IMLebanon

تأثير سلبي للسياسات الاقتصادية على الأجور في لبنان

علي سعد
براتب لا يتجاوز 550 دولارا شهريا يحاول أبو صادق الذي يعيش في حي السلم أحد أكثر المناطق اكتظاظا بضاحية بيروت الجنوبية، أن يكمل حتى نهاية الشهر دون أن يحتاج إلى الاستدانة وسط موجة غلاء تثقل كاهله وعائلته المؤلفة من زوجة و3 أولاد.

أبو صادق الذي يعمل في مطبعة بالعاصمة بيروت يعطي الأولوية لإيجار شقته البالغ حوالي 250 دولارا شهريا، علما بأن مساحتها لا تتعدى 70 مترا مربعا، قبل أن يقسم 300 دولار الباقية على للطعام والمدارس وفواتير المياه والكهرباء والهاتف.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 415 دولارا شهريا، وهو ما يُعد معدلا متدنيا جدا مقارنة بكلفة المعيشة المرتفعة، وشبه غياب للخدمات الأساسية التي يجب أن توفرها الدولة وعلى رأسها الكهرباء والاستشفاء والنقل العام.
عبء الفواتير
ويروي أبو صادق للجزيرة نت أنه بات ينوء شهريا تحت ثقل الفواتير التي يجب عليه دفعها شهريا، وأضاف أنه في معظم الأوقات لا يكفي راتبه حتى نهاية الشهر، علما بأنه غير مشترك في مولد الكهرباء الخاص الذي يكلف أكثر من 100 دولار شهريا، مما يحول منزله في الصيف إلى ما يشبه الجحيم، حسب تعبيره.

لكنه يؤكد أنه لا يزال قادرا على تدبير أموره “إذا بقيت الصحة بخير”، في إشارة إلى ارتفاع فاتورة الاستشفاء في لبنان وغياب الدولة عن المساعدة، حيث يقلق الرجل كثيرا إذا مرض أحد أفراد العائلة، فهذا يعني إما الاستدانة وإما العيش على فتات الطعام لفترة طويلة من الشهر.

وشهد لبنان ارتفاعا غير منطقي في أسعار مختلف السلع منذ العام 2006، حيث تضاعفت الأسعار تقريبا فيما لم ترتفع قيمة الأجور بما يناسب حجم غلاء المعيشة، مما أدى إلى هوة كبيرة يعاني ذوو الدخل المحدود من تأثيرها الذي يمتد إلى يومياتهم، يضاف إليها ارتفاع إيجارات المنازل وأسعارها بحوالي ثلاثة أضعاف.

وبيَّن استطلاع للرأي في لبنان أن 91% من اللبنانيين يرون أن الوضع الاقتصادي الحالي في لبنان هو “سيئ” أو “سيئ جدا”. واعتبر 46% من المُستطلَعين اللبنانيين أن الوضع الاقتصادي السيئ “سيتفاقم”، أو “سيتفاقم كثيرا” في الأشهر الـ12 المقبلة، وهو ما يؤشر إلى تراجع الثقة من سنة إلى أخرى.
سياسات غير مجدية
ويعتقد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي أن المشكلة الأساسية تكمن في السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة على مستوى النمط الإنفاقي والعجز وغياب الموازنة، وسياسة البنك المركزي وعلى رأسها تثبيت صرف العملة التي جرت ويلات على اقتصاد لبنان.

واعتبر أن هذه السياسات التي تعتريها الكثير من العورات أثرت على هجرة الشباب ونسب البطالة ومناخ الاستثمار وحجزت رؤوس الأموال، وعليه خفضت الإنتاج، في بلد لديه أكثر من 150 مليار دولار من الودائع يمكن أن تؤدي إلى اعتباره غنيا قياسا على عدد سكانه.

وأضاف يشوعي للجزيرة نت أن مسألة الأجور مرتبطة بالأساس بمسألة الإنتاج، وفي حالة لبنان تتوفر الموارد المالية والبشرية والطبيعية، ولكن السياسات المالية المتبعة تؤدي إلى استثمارها بشكل خاطئ، وهو ما ينعكس سلبا على القيمة المضافة التي يجب أن يحققها الإنتاج، وتتوزع نتائجها المالية على صاحب رأس المال، وعلى القوة العمالية عبر توفير أجور تتخطى مستوى غلاء المعيشة.

وإذ وافق يشوعي على أن مشكلة النزوح السوري لها تأثيراتها السلبية على ارتفاع نسبة البطالة في لبنان، ألمح إلى أن المشكلة الأساس ليست هنا، لأن الوضع قبل النزوح لم يكن مقبولا، راسما صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد في لبنان ستنعكس سلبا على الطبقة العمالية، إذا لم تتغير ذهنية التفكير لدى السياسيين في لبنان لكي تتناسب مع لغة العصر.