IMLebanon

الحياة تدب مجددا في قطاع الإسكان الإسباني

FinancialTimes
توبياس باك

أبراج بلدة سيسينيا تظهر من المشهد القشتالي للشقق مثل رفوف جليدية عملاقة عائمة في البحر. عن قُرب، تبدو كأنها منفرة بالقدرة نفسه – وتقريباً لا روح فيها بالقدر نفسه.
لقد اكتمل مشروع ضخم للإسكان العام تماماً مع انفجار طفرة الإسكان التي استمرت عشرة أعوام في إسبانيا، ولطالما كانت بلدة سيسينيا بمثابة رمز للأزمة الاقتصادية الأخيرة في البلاد. حتى اليوم، بعد أكثر من ست سنوات من بدء الأزمة، فإن كثيراً من مجمّعات الشقق الـ 33 تظل نصف فارغة. لقد تم بناء ممرات من الطوب الأحمر لتحيط بالمحال التجارية والمقاهي. والحديقة المحلية مهجورة حتى في عطلة نهاية أسبوع مشمسة.
وسط هذا الخراب، هناك خلية نشاط بعيدة الاحتمال: وكالة العقارات التي تُديرها مونيكا سوليرا. لقد قامت للتو بتوقيع عقد مع زوجين شابين. كما يوجد عميلان آخران في الخلفية، لكن عليهما الانتظار حتى ترد سوليرا على استفسارات مطوّلة عبر الهاتف. تقول: “حتى المصارف بدأت بالإقراض مرة أخرى”.
يمكن سماع تنهدات مماثلة من الراحة في المكاتب العقارية في أنحاء البلاد كافة. فبعد انهيار طويل ومؤلم، بدأت سوق الإسكان في إسبانيا بإظهار علامات الحياة. ووفقاً لبيانات رسمية، ارتفعت أسعار المنازل 0.8 في المائة في الربع الثاني، وهي أول زيادة على أساس سنوي منذ أكثر من ستة أعوام.
ويقول كُتّاب عدل في إسبانيا إن عدد مبيعات العقارات ارتفع بنسبة 16 في المائة في حزيران (يونيو)، وهو الشهر السادس على التوالي الذي يشهد نمواً سنوياً. وبعد أعوام من الصمت، بدأت كل من الصناديق الأجنبية والمشترين المحليين بضخ الأموال في سوق العقارات الإسبانية مرة أخرى. ووفقاً لبعض التقديرات، بلغت الاستثمارات في النصف الأول من عام 2014 أكثر من ضعف ما كانت عليه في الفترة نفسها العام الماضي.
ويقول لويس مارتن جويرادو، مدير المعاملات في بنك ساريب، الذي تسيطر عليه الدولة: “إن الطلب عاد إلى الحياة وهو ينمو. لقد تجاوزنا المرحلة المنخفضة”. واستولى بنك ساريب، منذ إنشائه في أواخر عام 2012، على أكثر من 40 ألف عقار من المصارف المتعثرة ويقوم بإدخال 800-900 وحدة إلى السوق في كل شهر. وبنوك التجزئة مثل بانكو ساباديل أيضاً تشعر بالتحوّل: في الشهر الماضي، أصدر هذا البنك الكاتالوني أكثر من ألف قرض عقاري – وهو رقم لم تشهده المنطقة منذ بداية الأزمة.
ويجادل مارتن جويرادو بأن التغير الأخير يعكس ارتفاع الثقة والانخفاض في أسعار المنازل – على الأقل بمستوى أدنى من ذروتها في عام 2007 بمقدار الثُلث.
ويضيف: “يوجد العديد من الأشخاص الذين احتفظوا بوظائفهم خلال الأزمة، لكنهم أمضوا أعواماً من القلق خوفاً من فقدانها. الآن يتصوّرون أن الاقتصاد يعود، ويرون أن التمويل متوافر وأن الأسعار انخفضت – لذلك يستبدلون شقة فيها غرفتي نوم بأخرى فيها غرفة نوم واحدة”.
والعلامات الدالة على انقلاب الأحوال في سوق الإسكان موضع ترحيب بالنسبة لاقتصاد إسبانيا الأوسع، الذي لم يعُد قادراً على الاعتماد على الصادرات وحدها لدفع الانتعاش.
وكثير من الشركاء التجاريين لإسبانيا في أوروبا يدخلون فترة ركود، ما يعني أن نمو الناتج يجب أن يتم توليده في الداخل. والاستهلاك واستثمارات المصانع في القطاع الخاص ترتفع بالفعل. وقد يكون قطاع البناء هو التالي. ويعتقد خبراء الاقتصاد في بنك إسبانيا أن الاستثمار في البناء سينخفض قليلاً هذا العام، لكنهم يتوقعون أن ينمو القطاع بنسبة 1.7 في المائة في عام 2015.

ويجادل نيل ليفينجستون، المدير في شركة كوليرز العقارية، الذي يوجد مقره في مدريد، بأن الطلب على المزيد من البناء، على الأقل في بعض المناطق، موجود بالتأكيد.

ويقول: “منذ عام 2007، لم تكن هناك أية مشاريع عقارية جديدة من المستوى الراقي سواء هنا في مدريد أو في برشلونة. فليس هناك ما يكفي من العرض”.

مع ذلك، من الواضح أن هذا ليس هو الحال في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد. ففي ذروة طفرة البناء في عام 2006، شهدت إسبانيا بناء مساكن أكثر من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا مجتمعة. تلك الموجة خلَّفت 650 ألف شقة فارغة في نهاية العام الماضي – وهو عبء يعتقد المحللون أنه سوف يسيطر على الزيادات في الأسعار ونشاط البناء لأعوام مقبلة.
وكتب محللون في بنك يو بي إس في تقرير الأسبوع الماضي: “العرض الزائد سيعمل على إبقاء الأسعار قريبة من مستوياتها المنخفضة الأخيرة والانتعاش سيكون أبطأ مما كان عليه في الدورات الأخيرة”. وقال البنك الاستثماري السويسري إن الأسعار تقترب من نقطة متدنية بالتأكيد، لكنه يُشير إلى العديد من العقبات الأخرى – بما في ذلك الانخفاض المتوقع في عدد سكان إسبانيا والنمو الضعيف للدخل القابل للتصرف. واستنتج البنك “أن المخزون الزائد الضخم سيتطلب استيعابه عدة أعوام”.
وفي أماكن مثل سيسينيا، حيث يتم بيع الشقة التي تحتوي على غرفتي نوم مقابل مبلغ ضئيل يصل إلى 79 ألف يورو، فإن احتمالات الانتعاش السريع من الواضح أنها ضعيفة.
مع ذلك، السكان لاحظوا التغيرات. روزا سانلازارو، التي انتقلت إلى سيسينيا العام الماضي، تُشير إلى أنه يوجد فيها الآن مخبز لائق، ما يعني أنها لم تعُد مضطرة لقيادة سيارتها إلى القرية التالية لشراء الخبز.
الأهم من ذلك، كما تقول هذه المرأة المتقاعدة البالغة من العمر 66 عاماً، إن المجمع السكني أصبح الآن “ممتلئاً أكثر من النصف”.
في يوم ما، إذا استمر الانتعاش الاقتصادي الأوسع على الطريق الصحيح، فإن أكبر بلدة أشباح في إسبانيا قد تصبح في النهاية مليئة بالحياة.