IMLebanon

انسحاب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من خطة التحفيز يعزز توسع البنوك المركزية في استخدامها

FederalReserve
في حين أن النمو الاقتصادي الأميركي يفوق بقية النمو الاقتصادي في العالم المتقدم، يسمح صناع السياسة الأميركيون لأوروبا، واليابان، وحتى الصين، بالسعي وراء الحصول على المزيد من الازدهار، على حساب الأميركيين.
كانت إدارة الرئيس أوباما وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يراقبان بهدوء عبر السنوات الأخيرة قيام الحكومات الأجنبية والبنوك المركزية بتخفيض القيمة الدولارية لعملاتها، وتقوية الصناعات التصديرية أملا منهم في تحفيز اقتصادياتهم. ومن المرجح أن يزداد ذلك التوجه خلال العام المقبل في الوقت الذي ينسحب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي من حملته التحفيزية بينما يوسع البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان من جهودهما في ذلك المضمار. وقال ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، في تصريح له، إنه سوف يبدأ في جولة جديدة من شراء السندات هذا الشهر.
ودفعت الولايات المتحدة كثيرا ومنذ فترة طويلة بأنه يجب على الأسواق تحديد قيمة العملات، وانتقدت الدول التي تحاول التلاعب بأسعار صرف العملات. ويعكس الصمت الحالي الحقيقة البسيطة بأن الاقتصاد الأميركي في حاجة إلى المساعدة بدرجة أقل من بقية اقتصاديات العالم المتقدم وتقدير المسؤولين بأن الولايات المتحدة سوف تستفيد كثيرا من النمو العالمي القوي. ويصح ذلك، كما يزعمون، حتى لو أدى، على المدى القصير، إلى جعل بيع السلع في البلاد أصعب قليلا، ويجعل من العثور على الوظائف مهمة أشق.
يقول آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «إنك ترى المسؤولين الأميركيين يغضون الطرف تماما عن ماريو دراغي وهو يقلل من قيمة اليورو، ويغضون الطرف كذلك عن التدخلات الصينية، وذلك بسبب أنه في كلتا الحالتين هم يقومون بتقدير الأمر من حيث إن وجود حالة مستقرة وآفاق نمو جيدة في تلك البلدان هو من الأهمية بمكان. وإنني أميل إلى الاتفاق مع ذلك». تبنى القادة الأميركيون الدولار القوي بوصفه دليلا على وجود الاقتصاد القوي، مما يسمح للمواطنين الأميركيين بشراء المزيد من السلع الأجنبية والاقتراض بأسعار أرخص من الدول الأجنبية. ومن شأن ذلك أن يجذب أيضا المستثمرين الأجانب إلى الأسواق المالية الأميركية، مما يدعم ارتفاع أسعار الأصول.
غير أن ارتفاع الدولار يحمل معه مخاطر كبيرة كذلك؛ فهو يجعل من الصعب على الشركات الأميركية بيع السلع والخدمات. وربما يساهم في بطء التضخم المحلي. ويحذر بعض خبراء الاقتصاد من أن السماح للدولار بالصعود ليس بالوسيلة المستدامة لتشجيع النمو.
وكتب السيد ستيفن كينغ، كبير الاقتصاديين لدى بنك «إتش إس بي سي» (HSBC)، يقول في مذكرة بحثية مستدركا أن «الدولار القوي، المعزز من قبل أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة، من شأنه أن يكشف عن نقاط الضعف في أجزاء أخرى من العالم؛ فدول أميركا اللاتينية التي تغازل الركود الاقتصادي حاليا لن ترحب بتقييد الشروط النقدية الأميركية».
وقال بعض الاقتصاديين إنه ينبغي على الولايات المتحدة السعي للحد من ارتفاع الدولار من خلال الجهود الدبلوماسية والسياسية، وإنه ينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي السعي إلى الحد من التباعد عن بقية البنوك المركزية من خلال توسيع حملته التحفيزية.
وتساءل تقرير حديث صادر عن بنك التسويات الدولية، وهو في الأساس بنك البنوك المركزية، حول الفوائد العالمية للدولار القوي، وتوقع أنه سوف يؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية نظرا لاعتماد البنوك الأجنبية بقوة على التمويل بالدولار.
ولكن السيد ستيفن شيشيتي، وهو بروفسور لدى جامعة برانديز وكبير الاقتصاديين السابقين لدى بنك التسويات الدولية، قال إن للعالم مصلحة قوية في العافية الاقتصادية الأوروبية. «سوف تخلق نوعا من الاستقرار، ولكن البديل أسوأ، فلن ترغب في أن تكون هناك إذا ما وقع كساد حقيقي في أوروبا».
لم ينشر البنك المركزي الأوروبي الترسانة الكاملة للبنك المركزي الحديث من أجل تحسين النمو في أوروبا؛ فقد أحجم عن المشتريات واسعة النطاق للديون الحكومية التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبنك اليابان، وبنك إنجلترا.
ولكنه سعى خلال الأشهر الأخيرة إلى تخفيض قيمة اليورو من خلال مجموعة من التدابير. في شهر سبتمبر (أيلول)، عرض البنك المركزي القروض التي كانت بلا فائدة، من الناحية العملية، على البنوك التجارية التي وعدت بإقراض الأموال إلى الشركات والمستهلكين.
في يوم الخميس، وعقب اجتماع موسع عقد في مدينة نابولي الإيطالية، حدد البنك المركزي خطة تمتد لعامين لشراء أصول القطاع الخاص، بما في ذلك القروض المصرفية المحفوظة في صورة أوراق مالية. وقال السيد دراغي في المؤتمر الصحافي عقب الاجتماع: «سوف يكون لتلك المشتريات تأثير كبير».
وقد اشترى اليورو الواحد مقابل 1.39 دولار في شهر أبريل (نيسان)، ثم انخفض سعره ليصل إلى 1.29 دولار في شهر سبتمبر. وقال السيد كريستيان نوير، عضو مجلس إدارة البنك المركزي من فرنسا، في مقابلة أجرتها معه أخيرا إذاعة «راديو 1» الفرنسية: «اضطررنا إلى تخفيض قيمة اليورو وما زلنا في حاجة إلى المزيد من التخفيض».
وفي حين أن مثل تلك الجهود تهدف إلى زيادة الصادرات، يركز البنك المركزي على الواردات كذلك، حيث يرفع اليورو الضعيف من أسعار الوقود المستورد وغير ذلك من المنتجات، مما قد يساعد في زحزحة التضخم. وقد ارتفعت الأسعار في منطقة اليورو خلال الشهر الماضي بمعدل سنوي قدره 0.3 في المائة فقط، وهو أدنى من نسبة 2 في المائة بكثير التي عدها البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الرئيسة الأخرى في العالم المتقدم أفضل وسيلة لتحقيق النمو المستدام.
وقد كتب الاقتصاديون في بنك «HSBC» البريطاني يقولون في تقرير نشر يوم الأربعاء: «إنها حرب العملات، حيث تعد سرقة التضخم بدلا من النمو هي الهدف». والسؤال، كما يستطردون هو: «هل بإمكان الاقتصاد الأميركي توليد ما يكفي من التضخم الداخلي لتحمل الأثر الانكماشي للدولار القوي؟».
إلى الآن، يبدو المسؤولون الأميركيون محبطين بصورة رئيسة من استمرار البنك المركزي الأوروبي في التصرف ببطء. وكان السيد جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، هو المسؤول الوحيد الذي دعا علانية خلال العام الماضي إلى اتخاذ إجراءات قوية حينما أبلغ الجمهور في فرانكفورت أنه ينبغي على البنك المركزي شراء السندات الحكومية.
وثار تساؤل آخر حول ما إذا كانت البرامج سوف توفر دفعة كافية، حيث بدأ برنامج مماثل للإقراض من قبل بنك إنجلترا في عام 2012 ولم ينجح في كبح الهبوط في إقراض المشروعات الصغيرة في تلك الدولة.
وقال السيد ستيفانو ميكوسي، المدير العام لدى مجموعة أسونايم الإيطالية للأعمال: «لا توظيف لأحد، لا يستثمر أحد، ولا ينفق أحد، ليس هناك طلب على الائتمان. ولم يجر تقييد النظام من الجانب التمويلي. والبنوك غارقة في السيولة».
وتسعى اليابان، التي كانت تتصارع مع المشكلات التي تواجه أوروبا لما يربو على عقدين من الزمن، إلى النمو من خلال تحركات العملة. وتحت ظل حملة «اقتصاديات آبي» التحفيزية التي دشنها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في عام 2013، وافق بنك اليابان على مضاعفة المعروض من النقود، وهبط سعر الين أمام الدولار بنحو 24 في المائة.
ولم تفِ النتائج بالتوقعات المنتظرة، حيث ارتفع العجز التجاري الياباني بينما لا يزال التضخم ضعيفا. وانكمش الاقتصاد الياباني بنسبة 7.1 في المائة في الربع الثاني عقب زيادة ضريبة المبيعات.
ويظهر نضال الدولة إلى حدود تخفيض قيمة العملة، طبقا للسيد بوسن من معهد بيترسون. وأشار إلى أن الطلب كان أقل حساسية للتغيرات الصغيرة في سعر بعض أنواع السلع الفاخرة التي هيمنت على صادرات اليابان وغيرها من الدول المتقدمة.
ولا تزال الحكومة ملتزمة علنا بحملتها التحفيزية، غير أن بعض المحللين يرون بوادر حالة من التوتر بين رئيس البنك السيد هاروهيكو كورودا، وبين السياسيين الذين يساورهم القلق من أن ارتفاع أسعار الواردات سوف يثير مقاومة المستهلكين.