IMLebanon

مؤسسات البقاع: من يعوّض خسائر 16 يوماً من الإقفال؟

Safir
سامر الحسيني

أما وقد تكفلت مياه الصهاريج بتنظيف كل ما خلفته الردميات ورفعها، وآثار حرق الاطارات عند نقطة اعتصام أهالي العسكريين المختطفين في ضهر البيدر الذي دام 16 يوماً، فإنّ البقاعيين يسألون: من يعوض عليهم ما تكبدوه من خسائر مالية، فعلت فعلها في زيادة تردي واقعهم الاقتصادي الذي يئن من التراجع المالي من جراء تفاقم النكبات الاقتصادية التي تحمل توقيع الواقع السياسي الحالي؟
أمس استعاد البقاع حيويته وروحه بتحرير شريانه الاقتصادي، وعادت حركة العبور إلى نشاطها السابق، وشهدت الطريق الدولية حركة كثيفة صاغتها مئات السيارات وعشرات الشاحنات والآليات التي عادت إلى طريقها المعتاد، ما يقابله أيضا فتح العشرات من الاستراحات الاستهلاكية التي تنتشر على طول طريق ضهر البيدر بدءا من شتورة وجديتا مرورا بمكسة والمريجات وبوارج، بعد أن أقفلت أبوابها إبان اعتصام الأهالي .

خسائر اقتصادية وزراعية

ان كانت خسائر القطاع الزراعي تقدر وفق رئيس «تجمع فلاحي ومزارعي البقاع» إبراهيم الترشيشي بأكثر من 15 مليون دولار، فإن بعض الاقتصاديين في البقاع يقدرون حجم خسائرهم بما يتجاوز العشرات من ملايين الدولارات، من جراء اقفال عدة مؤسسات أبوابها، ومن لم يقفل عانى من تراجع في الحركة المالية داخل مؤسسته وصل إلى حدود 80 في المئة.
يصدق بعض البقاعيين في اطلاق توصيف «الكارثة» على ما لحق بهم من تراجع مالي كبير داخل مؤسساتهم وقطاعاتهم الاقتصادية، لا سيما أن العشرات من المؤسسات التجارية والاقتصادية قد أوصدت أبوابها في اللحظات الأولى لإقفال الطريق الدولية بالردميات، وما نتج عن هذا الاقفال من شلل تام لحركة العبور التي يعول عليها أصحاب الاستراحات الاستهلاكية والتجارية في الدرجة الأولى في نشاطهم الاقتصادي والاستهلاكي اليومي.

زيادة الكميات المعروضة

«الكل في البقاع تضرر»، وفق الترشيشي الذي يقدر خسارة القطاع الزراعي في كل يوم اعتصام بأكثر من مليون دولار.
فالقطاع الزراعي «عانى في فترة الاعتصام من زيادة الكلفة المالية على خط الشحن البري الداخلي، ومن جراء تحول العشرات من الشاحنات الزراعية إلى طريق زحلة ـ ضهور الشوير وهذا الامر قابله ارتفاع في أجور السائقين وكلفة النقل، كما ان عجز العشرات من المصدرين الزراعيين عن ايصال شاحناتهم الزراعية إلى مرفأي طرابلس وبيروت، تسبب بزيادة الكساد في الانتاج، وبالتالي فالأسعار ستتراجع مع زيادة الكميات المعروضة من السلع الزراعية.
طالت الأضرار الزراعية أيضا خسارة المزارعين للرديات المالية على التصدير الزراعي عبر مشروع «اغرو بلاس»، بعد أن تراجعت حركة التصدير، في حين ان زيادة كميات التصدير اليوم دونها عقبات، حسب ما يؤكد الترشيشي لـ«السفير»، الذي يشير إلى أن «الخارج لم ينتظر المصدر اللبناني حتى يستطيع ايصال شاحناته إلى الأسواق العربية، فقام بتأمين احتياجاته الزراعية من أسواق غير لبنانية، لذلك فان زيادة الكميات المصدرة، ومحاولة التعويض عما فات المصدرين في الأيام الماضية سيؤدي إلى تراجع في الأسعار، ما يعني انه من دون فائدة اقتصادية. ويأمل الترشيشي بإخراج موضوع الطرق وإقفالها من الصراعات السياسية والاجتماعية الداخلية في لبنان.

نكبة المؤسسات

لا تقتصر الخسارة الاقتصادية في البقاع على القطاعين الصناعي والزراعي، بل «النكبة» تطال بشكل أكبر المؤسسات التجارية والاستهلاكية على طول البقاع، وفق توصيف الاقتصادي عامر الصبوري الذي يشير لـ«السفير» إلى تضرر كامل القطاعات الاقتصادية في البقاع من جراء هذا الاعتصام وسواه من الحركات الاحتجاجية التي تتخذ من قطع الطرق وسيلة لها في حين يكون الضحية هو الاقتصاد.
أصحاب محال اللبنة والجبنة والاستراحات والمطاعم التي تنتشر ما بين شتورة وضهر البيدر، دفعت الضريبة الأكبر من جراء هذا الاعتصام، بعد أن أجبرت على اقفال أبوابها، فعملها محصور ومرتبط بحـركة العبور ما بين البقاع وبقية المناطق اللبنانية، وأدى تزامن فترة الاعتصام مع موسمي الصيد وعيد الأضحى إلى الحاق الضرر الكبير في هذه المؤسسات التي خسرت، وفق أحمد (مدير محال) ملايين الليرات في اليوم الواحد من جراء الاقفال.
على الرغم من اقفال هذه المؤسسات أبوابها، فإن الخسائر المالية اخترقت اقفالها الحديدية وهذا ما يشير إليه صاحب احدى هذه المؤسسات الذي يقدر خسائر محال اللبنة والجبنة اليومية بعشرات الملايين.

تلف أطنان من الحليب

تكبدت محال اللبنة والجبنة والمونة أكلاف أطنان من الحليب أتلفت، ولم يكن في الإمكان تفاديها أو رفض استلامها من جراء وجود عقود بين هذه المحال والمزارعين، ناهيك عن أجور العمال، كما ان الاقفال لم يحل دون تأميـن التبريـد للـبرادات التي تضم كميات كبيرة من منتجات الحليب، وما يترتب على هذا الأمر من كلف مالية لمصلحة فواتير التيار الكهربائي، وفي الوقت نفسه لا تعمل في حين بقيت المصاريف والأكلاف المالية ثابتة.

موسما الصيد والعيد

أدى تزامن الاعتصام والاقفال مع موسم الصيد إلى زيادة حجم خسائر هذه المحال والاستراحات، يقول رباح هاشم، الذي يكشف «للسفير» عن خسارة موسمي الصيد وعيد الأضحى وما يتخللهما من حركة اقتصادية وشرائية، لا سيما أن موسم الصيد يعد من المواسم الزاهرة في البقاع لما يشكله من حركة تجارية ناشطة يقوم بها أغلب الصيادين الذين يعرجون في رحلتهم البقاعية على مؤسساتنا ان كان في الوصول أو المغادرة، وهي رحلة لا تخلو من التبضع وشراء منتجات البقاع من المونة، وهذا ما خسرناه أيضا في حركة عيد الأضحى التي كنا نعتمد عليها في حركة مبيعاتنا التي تنشط في مثل هذه المناسبة.
لم يقتصر مسلسل الخسائر على واقع المؤسسات التي تنتشر على طول الطريق الدولية، انما طال أيضا حركة التجارة العربية أي الترانزيت التي تعد من أكبر المتضررين من جراء الاعتصام، إذ يشير أغلب التجار إلى دفعهم خسارة تصل إلى 200 ألف ليرة يوميا كبدل أرضية داخل الساحة الجمركية لشاحناتهم التي احتجزت، ولم يكتب لها العبور على الطريق الدولية في ضهر البيدر. يضاف اليها أجور السائقين، كما ان الخسارة لا تقف عند المدفوعات المالية إنما تشمل خسائر ناتجة عن تأخر وصول هذه البضائع إلى تجارها العرب الذين كانوا يأملون تصريفها في فترة العيد الأخير.
ويلحظ الصبوري أن الخسائر المالية توزعت بين بسطات الخضار والمؤسسات التجارية، بدءا من الحازمية في جبل لبنان وصولا إلى آخر نقطة في منطقة الهرمل، مؤكدا عدم وجود حدود لسرد الخسائر المالية التي تكبدها البقاعيون، وإن كانت هذه الكارثة قد شملت أغلب القطاعات الاقتصادية في لبنان وهذا ما يرويه أيضا أصحاب مؤسسات سياحية. كما طالت الخسائر العابرين ما بين البقاع وبقية المناطق، الذين كتب عليهم زيادة في بدلات التنقل عدا عن استنزافهم للمزيد من الوقت على الطرق، ويـأمل عابرون التقتهم «السفير» أمس، ألا تتكرر هذه المأساة الاجتماعية والاقتصادية عليهم.