IMLebanon

الكيان اللبناني مهدّد بالسقوط بين مشروع “الإرهاب” بأشكاله وغياب الخطوات الوطنية (رولان خاطر)

terrorist

 

رولان خاطر

 

دخل لبنان بكل جغرافيته وديموغرافيته وخصوصيته دائرة الخطر “الوجودي” مع تقرير تيري رود لارسن أمام مجلس الأمن بشأن تنفيذ القرار 1559، الذي حذر فيه من الخطر الذي يتهدّد لبنان بسبب ما تضمره الجماعات الارهابية، إضافة إلى ربطه بطريقة مباشرة بين الاستقرار وبين إتمام عملية انتخاب رئيس الجمهورية.

كلام المسؤول الأممي كان واضحاً لجهة أن العقيدة التي يحملها تنظيم “الدولة الإسلامية” في ما يتعلّق بإزالة الحدود، والتمسك بالأرض التي يسيطر عليها، لن تجعل لبنان بمنأى عن أهداف هذا التنظيم، وعن تحقيق مشروعه الأكبر.

وفي ظل انشغال المجتمع الدولي في ترتيب أولوياته، والانسحاب باهتمام كبير إلى دراسة ظاهرة “داعش”، والتطور الذي يحرزه في تغيير بقعة الشرق الأوسط، ليكوّن مشهداً جديداً للمنطقة يقوم على أنقاض إمبراطوريات عربية وإسلامية عدّة، بدءاً من العراق وسوريا، ولن تنتهي بطهران، كما أن بيروت قد لا تكون بعيدة عن هذه الدائرة الجغرافية، فإن القادة اللبنانيين مدعوون إلى قراءة تطورات المنطقة الدراماتيكية، وإمكان تأثيرها السلبي على واقع التركيبة اللبنانية، للحفاظ على ما تبقى من الهوية اللبنانية ضمن حدود لبنان التاريخية، وهنا تكمن بشكل أساسي مسؤولية المسيحيين.

فعلى الصعيد اللبناني العام، لا يختلف اثنان على أن الملف اللبناني لا يشكل أولوية اليوم لدى اللاعبين الدوليين، كما أنه مجرّد واحداً من احجار لعبة الشطرنج الاقليمية، لذلك، فإن المطلوب من القادة اللبنانيين مواقف تاريخية على مستوى المرحلة التاريخية التي يمرّ بها لبنان، والمسؤولية هنا بشكل أساس تقع على الحكومة التي يفترض أن تؤمّن بشكل فعلي المصلحة الوطنية. وهذه المصلحة تقتضي:

– مبادرة تهدف إلى انتزاع لبنان من قلب الخطر، من خلال إنهاء ملف العسكريين المخطوفين سريعاً بعيداً عن مصلحة أي فريق داخلي.

– الإسراع في تأمين السلاح للجيش عبر تشكيل خلية متخصصة تتابع الموضوع مع المعنيين من الدول العربية والغربية.

– الإنتهاء من كل ملف قد يكون متفجرا للوضع السياسي، وفي طليعة هذه الملفات ملف الموقوفين الإسلاميين.

– في ظل عدم إمكانية إقناع “حزب الله” الانسحاب من سوريا، ضرورة بلورة خطة عسكرية وامنية واضحة للجيش، تضبط الحدود، وتحدد المهام، وتوزع النقاط العسكرية في الداخل وعلى الأطراف لتشكل رادعاً لمنع دخول وتسلل الارهاب بكل صوره، والعمل على منع تمدده إلى داخل الساحة اللبنانية، خصوصاً أن حدثاً خطراً كهذا، سيدفع كل المكونات اللبنانية، وبما فيها المسيحية، إلى حمل السلاح مجدداً، لمنع الجماعات الارهابية من الوصول إلى زحلة وجونية وصيدا وغيرها من المناطق.

في المقابل، احداث الموصل ونينوى الأخيرة، أكدت أن المسيحيين تطالهم نار التغيرات في المنطقة بشكل سريع وسلبي، والاكتفاء بمجرد إعلان فتاوى من قبل المرجعيات الإسلامية لمنع الاعتداء عليهم لا يكفي. من هنا، فإن المبادرات المطلوبة للحفاظ على تمايز الكيان اللبناني تتطلب من المسيحيين جميعاً خطوات كبرى على قدر تاريخهم:

– دعوة بكركي القيادات المسيحية إلى لقاءات متعددة، وإجراء قراءة نقدية جماعية للواقع المسيحي وتحديد مكامن الخلل التي ادت إلى تضاؤل الحضور المسيحي.

– إنتاج توافق تحت عباءة بكركي على وجوب حل المأزق الرئاسي، وإتمام الاستحقاق، تحت طائلة الإعلان عن كل من يعرقل الانتخابات الرئاسية.

– اتفاق المسيحيين يسهّل الاتفاق على شخصية الرئيس مع المسلمين، وسلوك الطرق الديموقراطية أيّ الدخول في معركة انتخابية، أو عبر “تسوية”، “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.

– يقابل الحراك اللبناني الداخلي حراك آخر دولي، للضغط على عواصم القرار لإيلاء الملف الرئاسي اللبناني الأهمية للوصل برئيس لديه القدرة على “السير بين النقاط”، ولو كلّف الأمر أخذ بالاعتبار الحد الأدنى من هواجس “حزب الله”، خصوصاً ان “الواقعية السياسية”، وهاجس المجتمع الدولي في الحفاظ على الستاتيكو الأمني والسياسي في البلد، لا يعطي أي رئيس القدرة على الإمساك بالقرار الوطني أكان عسكرياً أو سياسياً أو خارجياً، من دون “التعاون” مع قوى الأمر الواقع.

– الوصول إلى الذورة في تحقيق الوحدة في القرار، يعطي اللبنانيين القدرة على مواجهة وصدّ أي محاولات لتنظيم “داعش” التوسعية، لإزالة الحدود اللبنانية، وتغيير الواقع الجغرافي الذي ينعكس تغييرا سلبيا في الواقع الديموغرافي، وبالتالي مستقبلا في صنع القرار السياسي.

أمّا في حال عدم التوافق على تحقيق كل هذه العناصر، فإن الخطة البديلة للقوى المسيحية والاسلامية في قوى 14 آذار تتطلب التالي:

– خطوات تصعيدية تبدأ بمقاطعة مجلس النواب، أو الاعتصام داخل المجلس، ولا تنتهي باستقالة البعض من المجلس والحكومة.

– إعلان التعبئة الشعبية اللازمة، والتعاون مع الهيئات الاقتصادية لاستخدام الشارع كـ”لغة” لإجبار كل من يقاطع جلسات انتخاب الرئيس على الحضور إلى المجلس والتصويت.

– تفعيل قوى ثورة الأرز، لعلاقاتها الاقليمية والدولية خدمة للاستحقاق الرئاسي.

ينتظر اللبنانيون من قياداتهم الإدراك ان الوقت حان لكي يكونوا على مستوى الأخطار التي تتهد الوطن، ولاتخاذ خطوات تتخطى المصالح الشخصية والفردية، وأخذ العبر من تجارب كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده في مواجهة الأخطار المصيرية، لذلك، فإن البقاء في موقع المتفرج والانتظار، فيه كثير من المجازفة والمخاطرة في ضرب الهوية اللبنانية والكيان اللبناني، الذي أصبح مطوّقاً بين ثقافة ومشروع “داعش” التوسعي، وبين غياب القرار الوطني الكبير في الحفاظ على الوطن الكبير.