IMLebanon

وصفة الإصلاح الاقتصادي: خصخصة الرقابة على الضمان !!

Akhbar
محمد وهبه

غاب أي نقاش في مشروع التغطية الصحية الشاملة عن حلقة النقاش التي نظمها «المركز اللبناني للتربية المدنية» أمس في مجلس النواب. لا بل إن عنوان الحلقة أصبح مختلفاً عما وزّع على الإعلام أول من أمس، إذ كان «تغطية صحية شاملة وضمان اجتماعي لجميع المقيمين في لبنان» واستُبدل بـ«الشباب يناقشون الضمان الصحي والاجتماعي».

أما مضمون النقاش الذي دار بين طلاب ثماني جامعات وبين النائبين عاطف مجدلاني وميشال موسى، فقد جاء على شاكلة «تبادل أطراف الحديث» وفق الطريقة اللبنانية، حيث يلوم النواب «الطبقة السياسية» (!)، وحيث تبدو أفكار الطلاب مخبوزة بألسنة الأحزاب التي ينتمون إليها، فينطلق الكلام عن الفساد والنهب بوصفهما يخصان «الآخر» الحزبي أو الطائفي (فقط).
كان لافتاً أن يبدأ النقاش بين مجدلاني وموسى وبين طلاب الجامعات الحاضرين، بالحديث عن مرحلة ما بعد سن التقاعد والواجب الإنساني تجاه المتقاعدين الذين تقدموا بالعمر وأصبحوا بأمسّ الحاجة إلى الرعاية الصحية ضمن مفهوم التكامل والتضامن. كاد هذا الكلام يكون مقدّمة لبدء النقاش في مسألة التغطية الصحية الشاملة ولتقديم مقاربة شاملة تتعلق بحاجات اللبنانيين الاجتماعية، لولا أن مجدلاني كشف أوراقه سريعاً في اتجاه استخدام مقاربة للتفاصيل، مبنية على مفهوم إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، انطلاقاً من مجموعة إجراءات تتعلق بخفض عدد أعضاء مجلس إدارة الضمان وبالمكننة وبخصخصة الرقابة في الصندوق!
كذلك كانت حال النائب موسى، فهو لم يبتعد كثيراً عن مجدلاني عندما أشار إلى أن «الضمان أسير التوازن المالي»، متناسياً أنه كان مع مجدلاني، ولا يزالان، نائبين عندما أقرّ مجلس النواب خفض اشتراكات الضمان في عام 2001 بنسبة 40%، ما انعكس بصورة كارثية على التقديمات، ودفع إدارة الضمان إلى استباحة تعويضات نهاية الخدمة واستعمالها لتغطية عجز فرع ضمان المرض والأمومة.
وفي كلمته أيضاً، لفت موسى إلى أن نظام التقاعد الحالي، أي تعويض نهاية الخدمة، أصبح مضرّاً لأصحاب العمل والعمال والضمان أيضاً، «فهو يترك المضمونين على أبواب السياسيين للبحث عن واسطة بهدف الاستشفاء». أليس موسى نائباً في واحدة من أكبر الكتل النيابية في لبنان، أي كتلة التنمية والتحرير؟ وأليس مجدلاني نائب أيضاً في واحدة من أكبر الكتل النيابية، أي كتلة المستقبل؟ يكفي أن تتفق الكتلتان لتصير العجائب.
توسّع مجدلاني وموسى في توصيف المشكلة الجوهرية للضمان، المتصلة «بالمحاصصة السياسية والمناطقية»، وقد ردّا على أسئلة الطلاب بالإشارة إلى «بطولاتهما» في هذا المجال في مواقعهما النيابية والوزارية. فالأول هو رئيس لجنة الصحة النيابية، والثاني كان وزيراً للعمل.
وسط كلام نائبي الأمة عن مشاكل الضمان، ظهرت أسئلة الطلاب «نموذجية» وتعكس نمط التفكير السائد الذي يمكن توصيفه بأنه «مبتذل» شكلاً ومضموناً. ففي تعريف أنفسهم، كان الطلاب يقدّمون أنفسهم على أنهم يمثّلون المكاتب التربوية للأحزاب، سواء الأحرار وأمل والقوات والكتائب والمستقبل… أما أسئلتهم، فقد جاءت سطحية على النحو الآتي: من هو الطرف المسيطر على الضمان؟ من يعرقل تطوير الضمان؟ هناك محاصصة في الضمان باتت تميل إلى جهة طائفة معيّنة؟ من سرق أموال الضمان الاختياري؟ (!) أما إجابات نائبي الأمة، فقد جاءت «غريبة» عن أسئلة الطلاب وعن حاجة اللبنانيين الماسة للتغطية الصحية الشاملة. مجدلاني تحدّث عن إصلاح الضمان انطلاقاً من ثلاثة مستويات:
ــ خفض عدد أعضاء مجلس إدارة الضمان من 26 عضواً إلى 12 عضواً «حتى يتمكن المجلس من اتخاذ قرار».
ــ يمكن التخلص من الفساد من خلال مكننة الضمان.
ــ بعدما ارتفعت قيمة الطبابة في بند الاستشفاء لدى فرع ضمان المرض والأمومة من 35% إلى 65%، بات واضحاً أن هناك فواتير وهمية تستوجب رقابة فعالة، وبالتالي «يجب التعاون بين القطاعين العام والخاص من خلال تلزيم الرقابة إلى شركات خاصة. هذه ليست خصخصة، فقوى الأمن الداخلي وفّرت 30% من فاتورة الطبابة والاستشفاء عبر هذه الآلية، ويجب تعميمها على كل الصناديق الضامنة».
أما موسى، فقد سرد قصّة عن «النضال» في الضمان، مشيراً إلى أنه «لا يمكن أن يكون هناك أي إصلاح صحي إلا من خلال توحيد الصناديق الضامنة، وهذه مسؤولية السلطة السياسية. عندما طرحت الموضوع رفضه الوزراء المعنيون، وعندما تحدثنا عن توحيد عمل النظام الصحي لهذه الصناديق (الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، تعاونية موظفي الدولة، وزارة الصحة العامة، صندوق الضمان، صناديق التعاضد للقضاة…) بهدف زيادة قدراتها التفاوضية مع المستشفيات، وخصوصاً أنها تمثّل أكثر من 70% من القدرة الاستشفائية في لبنان، رفض مجلس الوزراء أن يقرّ الصيغة التوحيدية التي توصلنا إليها. ضمان الشيخوخة عُرقل أيضاً، وهذا يعني أن علينا أن نناضل». فلتناضلوا أيها اللبنانيون!