كتبت رولا حداد:
أطلق وزير الداخلية والبلديات في كلمته في الذكرى الثانية لاغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن “جدال الصحوات”، فجاءه الرد المباشر من صديقه النائب وليد جنبلاط الذي طالب بصحوات فكرية!
و”الصحوات” هو مشروع أطلقته القوات الأميركية في العراق ضمن البيئة السنية لمحاربة تنظيم “القاعدة”، على قاعدة أن أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب السني هي من داخل البيئة السنية التي في غالبيتها الساحقة ترفض الإرهاب.
بالفعل نجحت “الصحوات” لفترات طويلة في ضرب خلايا “القاعدة” داخل البيئة السنية في العراق، ما أثبت نجاح التجربة. لكن وفي المقابل أصرّ نظام نوري المالكي المدعوم من إيران، على ممارسة كل أنواع الاضطهاد المذهبي طوال أعوام طويلة. عند هذا الحد، وبعد فشل كل محاولات ردع المالكي عن تصرفات ميليشياته، وبعد فشل كل المحاولات الدبلوماسية لإقناع إيران بالدفع في اتجاه رفع “الحصانة” عن المالكي، جاءت الانتفاضة السنية لتنهي عصراً من الممارسات التي تفوّق فيها المالكي على الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
هذه الخلاصة تشكل نموذجاً لـ”صحوات” من نوع آخر نحتاجها في لبنان. ومع الاحترام الشديد للوزير المشنوق، إلا أنه لا بدّ للبيئة السنية التي يشكل تيار “المستقبل” عمودها الفقري من أن تشكّل “الصحوات” المطلوبة في مواجهة كل الحركات التكفيرية والإرهابية السنية. هذا أمر مفروغ منه.
لكن ما لم يقله المشنوق، ويتوجّب علينا أن نقوله، هو أن أهم “صحوات” يحتاجها لبنان هي داخل البيئة الشيعية في مواجهة مشروع “حزب الله” التابع لنظام ولاية الفقية الإيراني.
نعم، نحن نحتاج في الدرجة الأولى الى “صحوات” شيعية تقف بوجه “حزب الله” ومشروعه وارتكاباته في لبنان وسوريا. هذه “الصحوات” الشيعية إن قامت ستكون وحدها الكفيلة بإعادة التوازن الى لبنان، ومنع زيادة نسبة التطرف السني لمواجهة التطرّف الشيعي الذي يمثله “حزب الله”.
مما لا شك فيه أننا نحتاج الى “صحوات فكرية” كما قال وليد جنبلاط، لكننا نريدها صحوات فكرية غير متقلبّة ولا تخضع لمنطق “ساعة التخلّي”.
نريد صحوات تُعلي منطق الدولة على منطق العصبيات والتبعيات للخارج. ونريد صحوات تشمل كل الطوائف لتدفعها في اتجاه الوطن، لا أن تزجّ بالوطن في مخاطر وجودية لحساب مصالح إقليمية.
ونريد صحوات تقف في وجه كل من يفاخر بتحويل مساحة لبنان الى حدود نفوذ فارسية على ضفة البحر الأبيض المتوسط، تماماً كما تقف في وجه كل محاولات السعي الى إمارة من هنا وولاية من هناك.
ولعلّ الصحوات الأبرز التي نحتاجها هي على مستوى السياسيين في لبنان فيخرجوا من حسابات مصالحهم الضيقة على الصعيد الشخصي والمذهبي والطائفي والحزبي، ليدركوا جيداً أنه إن لم يبقَ وطنٌ يتسّع للجميع ويحمي الجميع، فلن تنجو أي فئة أو طائفة أو مذهب بنفسها مهما ادعت لنفسها من فائض قوة على حساب الدولة!
فلنعمّم منطق “الصحوات” المطلوبة وليصحُ الجميع قبل فوات الأوان وانهيار الهيكل على رؤوس الجميع!