IMLebanon

الفساد هو إيبولا الدولة اللبنانية

Liwa2
ماجد منيمنة

ظاهرة الفساد تشكّل عائقاً خطيراً للتنمية بحيث تعطّل عجلة سير الدولة، نظراً لما لها من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع، الأمر الذي يجعل محاربتها والحد من انتشارها ضرورة أساسية وواجباً وطنياً يفرضه المصير المشترك لجميع المواطنين والأفرقاء من القطاع العام والخاص. وينطوي الفساد بشكل عام على مجموعة من الدلالات والمفاهيم، وكما يضر الأفراد فهو يضر الدولة بمختلف مؤسساتها أيضاً. وهو يتنوع بين شكله السياسي وما يرتبط به من خيانة وخداع وتزوير لإرادة المواطنين، وبين مظهره الإداري وما يتعلق به من استغلال السلطات المخوّلة بشكل غير مشروع في تحقيق مصالح شخصية مختلفة، وبين تجلياته المالية المرتبطة بالسّطو على المال العام والإثراء غير المشروع.
كما تتنوّع أشكال هذه الآفة أيضاً بين فساد محلي يصيب مؤسسات الدولة وغالباً ما تنحصر تداعياته داخلياً، وفساد دولي يتجاوز من حيث أسبابه وانعكاساته حدود الدولة الواحدة، وبين فساد صغير يرتكبه بعض صغار موظّفي الدولة أو عمّال في مؤسسات خاصة بشكل فردي في علاقته بالإرتشاء والمحسوبية، وفساد كبير يتورط فيه كبار موظفي الدولة أو مسؤولي المؤسسات الخاصّة، وغالباً ما تكون كلفته باهظة لارتباطه بسوء استعمال السّلطة وهدر للأموال.
إن خطورة الفساد بمختلف تجلياته ومظاهره بالغة بالنظر إلى كلفته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية الكبرى وانعكاساته السيئة على مسار التنمية، ولذلك أضحت مكافحته مطلباً شعبياً ملحّاً زاد من حدّته تنامي الإهتمام الدولي بهذا الملف الحيوي، وهو ما تترجمه العديد من الإتفاقيات الدولية والإقليمية والتقارير الدولية التي تصدرها مجموعة من المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا الشأن.
ويمثل الفساد المالي أبرز أوجه الفساد التي تطال الحياة العامة سواء على المستوى الوطني أو المحلي ويشمل على الخصوص استغلال سلطة التدخل في تدبير الشؤون العامة ووضع اليد على المال العام قصد تحقيق المصالح والأغراض الخاصة على حساب المصلحة العامة، وبعكس إرادة دافعي الضرائب والمنتفعين من الخدمات والمرافق العامة.
إن العوامل التي تغذّي الفساد متعدّدة، وهي تتنوع بين أسباب سياسية في علاقتها بعدم فعالية المؤسسات السياسية وضعف هامش الحريات، وغياب الشّفافية وتكافؤ الفرص بين المواطنين؛ وأسباب إقتصادية مرتبطة بهشاشة الأوضاع الإقتصادية وعدم قيامها على أسس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص؛ وإجتماعية مرتبطة بغلاء الأسعار وانتشار البطالة وبالإضطرابات الداخلية، وسيادة ثقافة الفساد وأسبقية المصلحة الشخصية على العامة، والاستهتار بالقوانين ووجود التباس في مفهوم المواطنة؛ وأسباب قانونية وإدارية مرتبطة بضعف الرقابة على المال العام، والتعقيدات الإدارية، وضعف القوانين وعدم مسايرتها للتطورات الإقتصادية والإجتماعية وعدم استقلالية القضاء وعدم تطوير دخل وكفاءات العنصر البشري داخل مختلف الإدارات والمؤسسات.
إن كلفة وخطورة الفساد كارثيّة بكل المقاييس على الإقتصاد الوطني والمجتمع برمته من حيث حرمان خزينة الدولة من مجموعة من الموارد بسبب التهرّب الضريبي، ونهب الأموال العامة وإهدارها وإستنزافها في أغراض شخصية، أو تهريبها نحو الخارج، عوض توجيهها نحو مشاريع تنموية إجتماعية حيوية في مجالات الصحة والتعليم والمعونات الإجتماعية وتطوير البنى التحتية، بما يخلق حالة من عدم الثّقة وخيبة الأمل لدى المواطن ويقتل فيه روح المبادرة والإجتهاد، ويسمح بانتشار العزوف السياسي، ويعرقل تحقّق التنمية بكل مظاهرها وأشكالها، ويفرز مظاهر من التهميش والفقر وإضعاف الدخل الفردي، والإثراء غير المشروع ويسهم في هروب الرّساميل الأجنبية وإضعاف الإستثمارات المحلية والخارجية، نتيجة لعدم نهج الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص في طرح الصفقات العمومية أمام الخواص وتدبيرها.
وعلى المستوى السياسي، ينخر الفساد جسم الدولة ويكرّس ثقافة عدم الثّقة في القوانين والمؤسسات السياسية للدولة، بالشكل الذي يؤثّر سلباً على أمن واستقرار الدولة والمجتمع، ويعرقل أي تغيير أو إصلاح حقيقي على طريق بناء دولة الحقّ والقانون وتحقيق الديمقراطية وترسيخ مبدأ المساواة بين المواطنين. وهو ما يجعل منه عاملاً أساسياً في مصادرة الحقوق والحريات الفردية والجماعية وتقويض كيان الدولة والمجتمع وزرع البلبلة وعدم الاستقرار.
ففي مناخٍ فاسدٍ تصبح الدولة غير قادرة على وضع قواعد ملزمة أو ضمان تطبيقها وفرض العقوبات على من يقوم بخرقها، الأمر الذي يترتب عنه شيوع ثقافة رفض المساءلة والتفلت من العقاب ومقاومة عمل المؤسسات بكل الوسائل، والعمل على تأخير وعدم تفعيل القوانين الرقابية على المال العام، كما تتعقّد عملية تجديد النخب نتيجة لرغبة المنتفعين من الفساد في الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم.
ويصبح الفساد أكثر سوءًا وخطورةً عندما يصيب جهازي القضاء والأمن ليتحولا من ذلك الملاذ الذي يفترض فيه حماية الحقوق والحريات وفرض إحترام القانون، إلى آلية لحماية الفساد ولجعل المفسدين في مأمن ضد أية مساءلة أو عقاب كيفما كانت الجرائم والمخالفات المرتكبة. وتزداد خطورته أكثر عندما ينتقل إلى مؤسسات رسمية حساسة التي قد تسيطر عليها الأحزاب السياسية من دون أي مقاومة من قبل البرلمان وبعض فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمختلف وسائلها، حيث تصبح جزءًا من الفساد وفي خدمته ووسيلة للتغطية عليه.
وعلى رغم التدابير والإجراءات الوقائية المهمة، فإن ملف الفساد الإداري ونهب المال العام لايزال مطروحاً وبحدّة، وهو ما تترجمه مختلف التقارير الدولية الصادرة عن منظمات المجتمع المدني، وتقارير ديوان المحاسبة والقضاء الأعلى في هذا الشأن. والواقع أن عدم انتهاج الصّرامة اللازمة في التعامل مع ملفّات الفساد الإداري والمالي بصورة استراتيجية وبعيدة عن الإستنسابية، يفرغ المبادرات الإصلاحية المتخذة من كل أهمية، ذلك أن التنمية والديمقراطية لا يمكن أن يتعايشا مع الفساد والمفسدين.
ورغم مطالبة الشعب اللبناني بمكافحة الفساد والقضاء عليه لم تحسم ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين والكبار منهم لوجود من يحميهم ويرعاهم ولا يوجد للبرلمان أي فعل رقابي فعال وجاد باتجاه المعالجة الحقيقية لأنه خاضع لأجندات مصالح الكتل السياسية المسيطرة وبالتالي فأن ثروة الوطن ستظل منهوبة ومسيبة. وفي هذا الإطار، يكون لزاما على الدولة أن تدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان، وتشمر عن ساعد الجد لتواجه «لوبيات» هذا الفساد بكل ما أوتيت من قوة، وتتلافى تواتر عمليات الفساد الفاقعة. وحتما يجب أن تراهن الدولة على ما تبقى من الشرفاء والوطنيين وتعمل على استئصال هذه الفيروسات التي أصبحت تجتاح الأجهزة الرسمية وعلى طريقة السارس والإيبولا وجنون البقر، والزج بالمرتكبين في غياهب السجون ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر. ويجب على الأجهزة الرقابية أن تخرج عن صمتها وأن تفعّل مقاومة معضلة الفساد، ومعالجتها، ومكافحتها بالجدية المطلوبة وبمسؤولية عالية، من أجل وضع حد لها؛ وإلا فلن يعود هنالك وطن ولن تكون هنالك جمهورية!!