IMLebanon

«جي إس كيه» تستثمر نجاح عقاقير فيروس الإيدز

FinancialTimes
أندرو وارد

في الوقت الذي تتسابق فيه شركات صناعة الأدوية لإيجاد علاج للإيبولا، كانت هناك تذكرة هذا الأسبوع بابتكار طبي استثير بفعل حالة طوارئ صحية عالمية سابقة.
أظهرت خطة شركة جلاكسو سميث كلاين “جي إس كيه” التي أعلن عنها الأربعاء، لتعويم حصة أقلية في أعمال فيروس نقص المناعة المكتسبة في بورصة لندن كيف أصبحت هذه الكارثة واحدة من أعظم قصص النجاح لشركات الأدوية الكبرى.
الأمة التي أصابها الهلع في الثمانينيات بسبب الإيدز تجد نفسها الآن وقد طلب منها النظر إلى شركة أدوية فيروس الإيدز المستقلة باعتبارها فرصة استثمارية ممكنة.
الدخول المحتمل لشركة فييف ViiV للرعاية الصحية في مؤشر فاينانشال تايمز 100 – مع قيمة سوقية تراوح بين عشرة مليارات جنيه استرليني و15 مليارا من شأنها أن تصنفها إلى جانب أسماء مثل رولز رويس وتيسكو – يبرز هذا التحول لفيروس الإيدز من كونه حكماً بالإعدام إلى مرض مزمن يمكن التحكم فيه.
وبلغت المبيعات العالمية لعقاقير فيروس الإيدز 20 مليار دولار في العام الماضي ـ تقريبا القيمة السوقية نفسها للأنسولين. وهذا يعزز وجهة نظر عبر عنها بعض خبراء الصحة مفادها أن فيروس الإيدز أصبح يشبه مرض السكري – مع تيار مماثل من عائدات تتدفق مدى الحياة على شركات الأدوية الكبرى من كل مريض.
ديفيد ريدفيرن، رئيس مجلس إدارة فييف، يقول: “إنها واحدة من أكبر الإنجازات في هذه الصناعة على مدى السنوات العشرين الماضية، التي انتقلت من أول خليط للعقاقير المضادة للفيروسات الرجعية في التسعينيات، التي أبقت الناس على قيد الحياة ولكن مع آثار جانبية كبيرة، إلى الوضع اليوم، حيث أصبح الناس قادرين على أخذ حبة واحدة في اليوم، والعيش إلى العمر الافتراضي الطبيعي تقريباً”.
ويقول نشطاء في الصحة إن هذا التفاؤل ليست له قيمة تذكر خارج العالم المتقدم. فمن بين الأشخاص الذين يعيشون مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، البالغ عددهم 35 مليون شخص في عام 2013، أقل من النصف فقط كانوا يتلقون الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية.
لكن عملية الحصول على الأدوية آخذة في الاتساع – على أساس غير ربحي في أفقر البلدان، وبأسعار مخفضة في الاقتصادات ذات الدخل المتوسط. وتراجعت الوفيات السنوية الناجمة عن الإيدز من ذروة بلغت 2.3 مليون وفاة في عام 2005 إلى 1.5 مليون حالة في العام الماضي. وفي الولايات المتحدة انخفض الرقم من 50 ألفا في عام 1995 إلى 7683 في عام 2011.
وكانت “جي إس كيه” في طليعة الاستجابة الطبية للإيدز تقريبا. لكن سبقتها، بوروز- ويلكوم، التي كانت مسؤولة عن AZT، وهو أول دواء لفيروس نقص المناعة المكتسبة معتمد من قبل الأجهزة المنظمة الأمريكية في عام 1987 – ومحور الفيلم الحائز على جائزة أوسكار العام الماضي “نادي دالاس للمشترين”.
وعندما اندمجت بوروز- ويلكوم في عام 1995 مع جلاكسو، وهي شركة بريطانية أخرى تملك أحد أوائل العلاجات لفيروس نقص المناعة المكتسبة، أصبحت المجموعة المشتركة رائدة في السوق بلا منازع. وحافظت على ذلك الوضع لمدة عشر سنوات حتى تم الاستيلاء عليها من قبل شركة أمريكية ناشئة هي جلياد للعلوم. ويعترف ريدفيرن، الذي يشغل بالإضافة إلى منصبه في فييف منصب كبير الاستراتيجيين في “جي إس كيه” “لقد خسرنا فرصة الاستحواذ على الجيل التالي من الأدوية”.
واتخاذ القرار بشأن ما يجب القيام به مع أعمال فيروس نقص المناعة المكتسبة كان من الأولويات المبكرة لسير أندرو ويتي عندما تولى منصب الرئيس التنفيذي لـ “جي إس كيه” في عام 2008. وكان الحل بالنسبة له هو تجميع الأصول مع شركة فايزر الأمريكية، التي كان لديها أيضا محفظة باهتة من أدوية فيروس الإيدز. هكذا نشأت فييف للرعاية الصحية، والآن 80 في المائة منها مملوك من قبل “جي إس كيه”.
وكافح المشروع المشترك في البداية لاسترجاع أملاكه المفقودة من جلياد، لكن توقعاته كانت قد تحولت بسبب اعتماد دواء جديد يسمى تيفيكاي العام الماضي. ونتيجة لاشتماله على تركيبة اثنين من الأدوية الأخرى، كان العلاج الذي يتم تناوله مرة واحدة في اليوم خطوة إلى الأمام، من حيث تحسين الكفاءة وتقليل الآثار الجانبية على حد سواء.
ويتوقع محللون إمكانية أن تصل المبيعات السنوية لتيفيكاي إلى 2.2 مليار دولار، وهو ما يمكن أن يدفع إجمالي إيرادات فييف من 1.4 مليار جنيه استرليني في العام الماضي لتصبح 2.5 مليار جنيه استرليني في عام 2018. وهذا يضع الشركة بعد جلياد، التي باعت ما قيمته نحو مليار دولار من عقاقير فيروس الإيدز في العام الماضي، لكن هذه المرة الأولى تقوم فيها شركة بوضع منافستها الأمريكية تحت الضغط.
وهذا يثير التساؤل حول لماذا ينبغي أن ترغب “جي إس كيه” في تخفيف قبضتها على أحد الأجزاء الأسرع نمواً في المجموعة. يرى محللون أنها وسيلة لفتح القيمة للمساهمين في الوقت الذي تكون فيه الأسهم تحت ضغط من ضعف في أعمال عقاقير الجهاز التنفسي الأساسية. وكانت الخطة جزءا من عملية إعادة هيكلة أوسع أعلنها السير أندرو الأربعاء، بما في ذلك خفض التكاليف بمقدار مليار جنيه استرليني.
ويقول ريدفيرن إن الاكتتاب العام الأولي يعتبر خطوة طبيعية، بما أنه يتم تشغيل فييف بالأصل كشركة منفصلة. ويعتقد المحللون إن الانشقاق التام عن الشركة الأم أمر مرجح في المستقبل. ولن يكون الاستثمار في فييف من دون مخاطر، بما أن الأدوية القديمة لديها تخضع لمنافسة عامة، فضلا عن المقاومة التي أنشأها فيروس الإيدز في نهاية المطاف ضد كل مضادات الفيروسات الرجعية. ويقول ريدفيرن: “نحن بحاجة إلى استحداث علاجات جديدة للتفوق على الفيروس”.
الأمل الكبير المقبل لفييف هو دواء طويل الأمد يتم إعطاؤه عن طريق الحقن مرة واحدة شهريا وقد أظهر أنه واعد في منتصف مرحلة التجارب.
ومع ذلك، يبقى أكبر مكسبين باقيين في فيروس الإيدز بعيدي المنال بعناد لقاح أو شفاء تام. وكانت قد كبرت الآمال بسبب ما يسمى “طفل الميسيسيبي” الذي كان قد ولد مع فيروس نقص المناعة البشرية في عام 2010 وبدا أنه تم التخلص من الفيروس بشكل عابر ليعاود الظهور هذا العام. ومع ذلك أظهرت الحالة إمكانية مضادات الفيروسات الحديثة للحد من فيروس الإيدز إلى مستويات غير قابلة للكشف.
وألمحت جلياد هذا العام إلى الثروات، التي تنتظر أي شركة تأتي مع علاج دائم. فدواؤها الجديد، سوفالدي، لعلاج التهاب الكبد من نوع “سي” – الذي يقضي على الفيروس الذي يضر بالكبد في أكثر من 90 في المائة من الحالات – في طريقه لتحقيق رقم قياسي في المبيعات يبلغ عشرة مليارات دولار في السنة الأولى له في السوق. ويمكن أن يكون لدى علاج فيروس نقص المناعة البشرية إمكانات مماثلة.
هذا النجاح دفع القيمة السوقية لجلياد لتصل إلى 160 مليار دولار – نحو 40 في المائة أكثر من كامل قيمة “جي إس كيه”. وفي حين انخفضت أجزاء أخرى من أعمالها بشكل ثابت، تأمل هذه المجموعة البريطانية أن يطلق الطرح العام الأولي لفييف العنان لبعض الأزيز. لكن قد يشير أيضا إلى بداية تراجع “جي إس كيه” من سوق تركت فيها ما يمكن القول إنه أعظم إرث طبي لها.