IMLebanon

صناعة النفط الصخري جار غير مرحب به في كولورادو

بارني جوبسونصص من ويندسور (كولورادو)

كانت “جريت وسيترن أويل آند جاز” تأمل من خلال أخذ أسئلة مكتوبة فقط من السكان، أن يكون بإمكانها التعتيم على مشاعرهم. لكن بعد بضع ثوانٍ فقط من بدء الرئيس التنفيذي لشركة النفط بتلقي الأسئلة من المواطنين في ويندسور، كولورادو، انكشف الغطاء. قبل أن يتمكن ريتش فرومر من قراءة أول تعليق، نهضت كوني رايفشناير من مقعدها وأخذت بمقاطعته. قالت: “أنا ارتجف لأني غاضبة”.

وأضافت أن خطط شركة النفط المملوكة عائليا، من شأنها تحويل حيّها الذي يعيش فيه أطفال يركبون الدراجات وتوجد فيه مراع وغزلان برية، إلى مخاطر صحية تنتشر فيها الحفّارات، والشاحنات، والضجيج، والغبار والملوّثات الكيماوية. “كيف بإمكانك أنت وعائلتك، بأي ضمير على الإطلاق، تعطيل وربما تدمير حياة كثير من العائلات الأخرى عن طريق الحفر في مكان بمثل هذا القُرب من كثير من المنازل؟”. وأضافت أن فرومر ثري في الأصل وهمّه الوحيد هو إثراء عائلته أكثر. “أجبني على هذا من فضلك: متى يكون ما يكفي من المال كافياً؟”.

المشاعر بشأن التكسير تتصاعد في أمريكا. لقد قامت طفرة في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة من التشكيلات الصخرية – التي مكّنها من ذلك الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي الذي يفتح شقوق الصخور الصلدة – بقلب أسواق الطاقة. وتم تشجيع هذا الاتجاه من قِبل الديمقراطيين والجمهوريين لأن هذه التكنولوجيا جعلت الولايات المتحدة أكبر مُنتج للغاز الطبيعي في العالم، وحدت من اعتمادها على طاقة الشرق الأوسط، وأجدت فرص عمل. ويمتدح الرئيس باراك أوباما، وهو نصير لمكافحة تغير المناخ، الغاز الطبيعي الذي تم تكسيره لكونه “نظيفا”، لأنه يُنتج كمية محدودة من غازات الدفيئة عندما يتم حرقه من أجل توليد الكهرباء.

لكن الاندفاع لاستخراج مزيد من طاقة الزيت الصخري يجلب التصنيع إلى بلدات ريفية ذات مناظر خلاّبة وإلى ضواحي مدن مُكتظّة، حيث السكان المذعورين يقولون إن التكسير لا يمكن أن يكون نظيفا بأي حال من الأحوال. وفي أماكن مثل ويندسور، نمو الصناعة يُسبب انشقاقات سياسية إضافة إلى تشققات في الصخور. وهذا يدّل على المشاكل بالنسبة للديمقراطيين والجمهوريين في الولاية، مع انضمام التكسير إلى قائمة طويلة من القضايا التي تعمل على تغذية خيبة الأمل من الحكومة بين الناخبين. والانتخابات النصفية المُقررة يوم الثلاثاء المقبل ستقدم المزيد من الأدلة على هذه المشكلة.

في الأعوام الأولى من الطفرة الصخرية، كان الإنتاج بشكل كبير يقتصر على المناطق النائية البعيدة عن الأنظار والأذهان. لكن الرغبة في مصادر جديدة جعلت شركات النفط بمثابة الجيران الجُدد غير المرحب بهم للمنازل والمدارس والمستشفيات. وخط الجبهة يمر عبر كولورادو، وتجربتها تعد بمثابة تحذير لجبهات التشكيلات الصخرية، من بنسلفانيا إلى كاليفورنيا، التي تحاول تحقيق التوازن بين تنمية الطاقة والمخاوف البيئية.

وكولورادو هي سادس أكبر مُنتج للطاقة في الولايات المتحدة وموطن 52 ألف بئر نشطة تشتمل على النفط والغاز. وتوظف الصناعة بشكل مباشر 31900 شخص في الولاية، حسبما أظهرت دراسة أجراها معهد البترول الأمريكي، وهو مجموعة ضغط كبيرة. لكن تجربة الولاية تُظهر أنه كلما زادت صعوبة هبوب “عاصفة الغاز الصخري”، زاد عدد الأشخاص الذين سيرغبون في حصرها.

تقول سارة لاديسلو، وهي زميلة أولى في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز استشاري قائم في واشنطن: “ما أتوقعه على المدى الطويل هو أن الولايات المتحدة ستبدو مثل سلسلة من المناطق المحظورة وغير المحظورة؛ لأن من الصعب جدا تخطّي بعض هذه المعارضة المحلية. لكني لا أعتقد أنها أصلا ستكون واسعة بما فيه الكافية لوقف إنتاج هذا المورد بطريقة كبيرة”.

وتعد يندسور جزءا من مقاطعة ويلد، وهي منطقة حفر مُكثّف في شمال دنفر المعروفة باسم “أرض التكسير”. وقد بدأ فرومر الاجتماع هناك في الأسبوع الماضي متعهدا بالقيام بكل ما يستطيع لمعالجة مخاوف السكان، لكنه أضاف محذرا: “يجب أن أكون صريحا، هذا لن يكون بدون عامل إزعاج”.

وكان ردّه على سؤال الثروة الذي سألته رايفشنايدر بقوله إنه مُلتزم بالقيام “باستثمارات حكيمة” نيابة عن مساهمي الشركة، والموظفين ومالك موقع الحفر – وهو رجل محلي في الثمانينات من عمره يقوم بتأجير الحقوق. لكنه لم يقل الكثير لتهدئة الجمهور الذي قاطعه وعارضه خلال أكثر من ساعة.

وتتألف كولورادو، الولاية “الأرجوانية”، من مزيج متساو من الديمقراطيين الكئيبين، والجمهوريين الغاضبين، والناخبين المستقليـــن – مــوطن أصحاب المزارع، والمتجولين، ومحبي الموسيقى، ومتعاطي المخدرات القانونية. أحد أعضائها في مجلس الشيوخ، مارك يودال، ديمقراطي ونصير طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكن في حملته ضد كوري جاردنر، العضو في مجلس النواب، كان يسعى لمواكبة دعم الجمهوريين لصادرات الغاز الطبيعي المُسال، الذي يعتمد على التكسير. وسباقهم هو واحد من ستة أو سبعة سباقات ستعمل على تحديد ما إذا كان الجمهوريون سيُسيطرون على مجلس الشيوخ.

وليس بالضرورة أن سكان ويندسور الغاضبين يمثّلون أغلبية سكان كولورادو، لكن آراءهم حاضرة في الساحة السياسة في الولاية. ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة كوينيبياك في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال 51 في المائة من الناخبين في كولورادو إنهم يدعمون التكسير و34 في المائة كانوا ضده.

هذا العام، حاول جاريد بوليس، العضو الديمقراطي في مجلس النواب من بولدر، وهي مدينة مشهورة بأصحاب الملايين الليبراليين من أمثاله، دفع اثنين من التدابير المناهضة للتكسير إلى الاقتراع في انتخابات الثلاثاء المقبل. الإجراء الأول يتطلب أن تتراجع الحفّارات إلى مسافة تبعُد على الأقل 610 أمتار عن أقرب منزل. والثاني يسمح للبلديات بتجاوز المنظمين في الولاية واتخاذ قراراتها الخاصة بشأن السماح بالتكسير أو رفضه. وكانت الصناعة ترى مبادرات “السيطرة المحلية” باعتبارها جهودا شبه مكشوفة لإلغاء مشاريع النفط والغاز.

وهذا الخوف لم يكُن بلا أساس. فقد قام سكان بولدر وبرومفيلد بفرض حظر على التكسير داخل حدود المدينة. وصوتت لونجموت، وفورت كولينز، ولافاييت أيضا لصالح الحظر، لكن المحاكم أمرت بإلغائه. وشعر الناخبون بالقلق ليس فقط بشأن الآفة الصناعية وحركة المرور، لكن أيضا بشأن تلوث المياه، والزلازل، والأمراض التنفسية. وبعضهم يملك دراسات علمية لدعم مخاوفه، لكن الصناعة تقول إن هذه إما خاطئة أو غير حاسمة.

وكان من المقرر أن تقوم مبادرات الاقتراع بإثارة حرب سياسية بعدة ملايين الدولارات، مع قيام صناعة النفط والغاز بالاتحاد ضد الناشطين المناهضين للتكسير الممولين جيدا (الذين يُقال إن أحد ممثلي الصناعة وصفهم أثناء كلمة له بأنهم “أشخاص هيبيين غريبي الأطوار ملوثين ذوي شعر طويل”). لكن المبادرات كانت بمثابة تهديد سام لاثنين من الديمقراطيين في اقتراع الأسبوع المقبل – الحاكم جون هيكنلوبر ويودال – لأنهما تسبّبا في انقسام قاعدة الحزب. فالجناح البيئي للحزب على خلاف مع الديمقراطيين المعتدلين المؤيدين لقطاع الأعمال.

هيكينلوبر، خبير جيولوجيا النفط السابق الذي قام ذات مرة بشرب سائل التكسير لإثبات أنه لم يكُن خطيراً، توسّط في صفقة لإنهاء المشكلة بشكل مؤقت في شهر آب (أغسطس). بموجب الاتفاق سيقوم بوليس بسحب مبادراته، والصناعة ستقوم بإسقاط هجماتها، والحاكم سيعمل على إنشاء فرقة عمل لإيجاد حل وسط – وهكذا تم تفادي حرب أهلية بين الديمقراطيين.

الناشطون على كلا الجانبين كرهوا الصفقة. بوب بوبريه، المرشح الجمهوري لمنصب الحاكم، تعهد بحل فريق العمل في حال فاز في الانتخابات الأسبوع المقبل.

ويقول هيكنلوبر إن نقاش التكسير نتج من النزاع بين حق السكان المحليين “في الاستمتاع الهادئ” في منازلهم، وحق أصحاب مناطق الحفر في الوصول إلى النفط والغاز الموجود تحت الأرض. وهو يقول إن حظر التكسير من شأنه حرمان أصحاب الملكيات من مُلكيتهم، الأمر الذي لا تستطيع الحكومة القيام به دون تقديم تعويضات. “كل جانب من الجانبين سيتعين عليه أن يقدّم تنازلات”.

ونشأ الصراع جزئيا لأن حقوق التعدين في الولايات المتحدة في أيدي أصحاب الأملاك في القطاع الخاص، بينما في أوروبا تعود في الغالب إلى الدولة. وقوانين تقسيم المُلكية في كولورادو تُضيف منعطفا إضافيا، لأن حقوق السطح وحقوق التعدين للبقعة نفسها غالبا ما تعود إلى شخصين مختلفين.

وما أدى إلى تفاقم الوضع هو موقف الولاية بأن الحكومات المحلية لا تملك الصلاحية لتقرر أين يمكن أن يحدث تطوير النفط والغاز، الأمر الذي يستثني الصناعة بفعالية من المتطلبات التي يجب أن تُلبيها أعمال أخرى لتطوير الأراضي. ويقول مات سورا، الذي تم تعيينه في فريق العمل التابع للحاكم محاميا يمثّل أصحاب المنازل: “عندما يتعلق الأمر بحماية المواطنين، فيما يتعلق بالتخطيط وتقسيم المناطق محليا، فإن كولورادو متخلّفة كثيرا عن نيويورك وبنسلفانيا ونيو مكسيكو وحتى تكساس”.

في جريلي، وهي بلدة بالقرب من ويندسور، نتائج الموقف المؤيد للصناعة واضحة من خلال الستائر الخشبية في غرفة معيشة الجناح الصغير لمنزل سارة باروينسكي. في الجانب الآخر من بقعة أرض جففتها الشمس يقبع 14 صهريجا بني اللون يتدفق إليها النفط من على “لوحة تكسير” تبعُد 230 مترا عن منزلها. وتقول باروينسكي، وهي عضو آخر في فريق العمل: “لقد حصلنا على بضعة زلازل، كما حصلنا على حرائق صهاريج، وكانت لدينا وفيات مرورية”.

وهي ليست ضد كل التكسير، لكنها تعارضه في المناطق السكنية. وتقول: “لقد شعرت بخيبة أمل أن حكومة أوباما تؤيّد التكسير بهذه الطريقة التي تفتقر إلى التدبر”. بما أنها مستقلة مُسجّلة، تقول إن المخاوف حيال ذلك تتقاطع مع الخطوط الحزبية. “ما اكتشفته هو أن الجمهوريين والديمقراطيين لا يمثّلون أشخاصا حقيقيين بهذا الصدد. والاقتصادات المعنية تجعل من الصعب على أي من الحزبين حماية المواطنين بدلا من الصناعة التي تقوم بدور الداعم المالي لهم”.

هناك شركة واحدة أشاد بها بعض الناشطين لمحاولة التقليل من تأثيرها، هي أناداركو التي قامت بتجهيز موقع تكسير بالقرب من بلدة فريديريك لمدة ثلاثة أشهر. والاختلاف هو أن التكسير “يتم عن بُعد”: حيث تستخدم أنابيب طويلة ونطاقا كاملا للحفر الأفقي لوضع مسافة كافية قدر الإمكان بين الآلات على السطح وبين المنازل التي تقع فوق موقع التنقيب. وتقول ربيكا جونسون، وهي مستشارة هندسية لشركة أناداركو: “نحن نقوم بهذا حتى نتمكن من أن نُبعِد أنفسنا”.

تيشا شولر، رئيسة جمعية كولورادو للنفط والغاز، وهي مجموعة صناعية، تقول إن كولورادو لديها اللوائح الأكثر صرامة في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتكسير – وإن لم تكن تنوء بأعبائها الصناعية – بما في ذلك الكشف الإلزامي عن المواد الكيماوية للتكسير والتدقيق فيما يتعلق بتلوث المياه الجوفية. وتقول إن بوليس، الديمقراطي، شخص “غير مسؤول” لقيامه بالتهديد بإحياء تدابير الاقتراع المناهضة للتكسير في حال كانت نتائج فريق العمل غير مُرضية. كما أن المرشحين الجمهوريين لمقعد مجلس الشيوخ ومنصب الحاكم هما إلى جانب الصناعة بقوة.

وتعقيدات سياسة التكسير تتجسد بواسطة شاوندرا سانجر، وهي طبيبة أسنان في ويندسور، التي تأتي من خمسة أجيال من مربي الماشية الذين يصوتون للحزب الجمهوري. سانجر تدعم استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة، قائلة: “أنا لا أريد لأطفالي أن يحاربوا هذه الحروب من أجل النفط”. لكن قبل شهر استنتجت أن مشروع شركة جريت ويستيرن ومشاريع تطوير أخرى كانت قريبة بما فيه الكفاية لمنزلها بحيث تؤدي إلى تهديد قيمته وسلامة أطفالها.

وتقول إن دعم الجمهوريين القوي للتكسير سيعمل على تغيير الطريقة التي تصوّت بها. “قد تكون عقلية الحفر مناسبة في ألاسكا حيث مواقع الحفر تقع في مناطق بعيدة، لكن أن تكون هذه العقلية موجودة في أحياء فيها عائلات – هذا الأمر لا يُشير إلى أي قدر من التفكير”.

وجاءت ويندسور لحضور الاجتماع العام لشركة جريت ويستيرن مع سؤال حول انفجار في صهريج نفط تابع للشركة في الموقع. لكنها لم تكُن راضية عن الجواب. بعد ذلك أثناء قيادة سيارتها إلى المنزل على طرق غير مُضاءة، مرورا بآلة حفر تنير أضواؤها المتوهّجة المنطقة المظلمة، قالت: “هل نحن مستعدون لحدوث كارثة في البئر؟ إنها قنبلة موقوتة في هذه البلاد”.