IMLebanon

النفايات ثروة اقتصادية: لبنان ينتج نحو 3000 طن يومياً ووفر بـ28% من خلال التدوير

AlMustakbal
رائد الخطيب
اعلن خبير اقتصادي في شؤون الطاقة المتجددة، إن لبنان بامكانه أن يحقق وفراً مقدارهُ 20 في المئة في ما لو سارت الدولة باتجاه تدوير النفايات، وهذا أمرٌ في غاية الاهمية من شأنهِ أن يدر على الدولة ملايين الدولارات.

وينتج لبنان نحو 3000 طن يومياً، وتبلغ تكلفة الطن من دون تدوير نحو 140 دولاراً، ومن خلال التدوير يتحقق وفر يعادل 28 دولاراً في الطن الواحد.

وقال الخبير الاقتصادي، إن مطمر الناعمة الذي سينتهي عقده خلال العام الجاري، سيتحول الى معمل لانتاج الكهرباء من خلال الغاز من النفايات، وقدر حجم الطاقة المنتجة بـ6 ميغاوات.

ولاهمية هذا الموضوع، لا بد من الاشارة الى المؤلف الاميركي الشهير جون هوفمان، الذي قدم وصايا من نوع خاص لمن يريد الوصول الى الثراء من أوسع وأبسط أبوابه، من خلال كتابه «فن وعلم جمع النفايات». تناول المؤلف إرشادات عن كيفية جمع القمامة، التي من شأنها ان تجعل الشخص البائس شخصا يعيش كالملوك. فقد قص هوفمان في كتابه خلاصة تجربته عن الثروات المدفونة داخل صناديق القمامة، وقدم هذا الكتاب من خلال تجربته العملية، ذلك أن قيامه بجمع القمامة في صغره أكسبه خبرة عما تحويه، وأشار إلى وجود العديد بين مواطني اميركا خاصة أبناء الطبقة العليا الذين يلقون في القمامة موادا كثيرة نافعة، حيث أكد أن جامعي النفايات في استطاعتهم أن يصبحوا من الأثرياء شرط تطويع الإمكانات التي بين أيديهم.

في ظل اقتصاد عالمي متقلب، وداخلي غير متوازن يرزح تحت ضغوطات كبيرة، تتسابق الدول لاكتشاف المزيد من مصادر الدخل، عن طريق البحث عن ثروات موجودة لم تستغل الاستغلال الامثل. واهم هذه الثروات هي تلك التي تتمثل في النفايات المستهلكة، لما لها من أهمية كبرى في التنمية الاقتصادية.

يعتبر لبنان من البلدان المتقدمة جدا في انتاج النفايات، لكنه في المقابل من أقل البلدان القادرة على الاستفادة منها كثروات. فكمية ما ينتجه المواطن اللبناني كبيرة لكن الثروة ما زالت مهدورة وتنتظر استراتيجية وطنية كبرى تراعي أهمية التدوير كفائدة اقتصادية. هذه المشكلة تزداد تعقيدا مع النمو الاقتصادي والصناعي والصحي، لتنوع النفايات بين صحية وصلبة ومنزلية. وستزداد أكثر مع مشكلة النزوح السوري الى لبنان والذي يؤدي الى نمط استهلاكي متزايد داخل المجتمع، يزيد من نسبة النفايات المنزلية بشكل كبير، غير أنه يتماشى مع انعدام التنظيم للمشكلة الموجودة أصلا: جبال النفايات.

وفي ظل غياب الوعي الاجتماعي المتعلق بموضوع النفايات، يبتعد الكثيرون عن التفكير الايجابي بهذا الموضوع، بينما العكس هو الضروري. فالنفايات لها أهمية تجارية وصناعية خاصة أن الموارد الطبيعية في تناقص مستمر وأسعارها في ارتفاع متواصل. من هنا أصبحت عملية التدوير من العناصر الأساسية لسياسات الدول التنموية باعتبارها نموذجا للاستثمار في الحاضر والمستقبل.

ففي كثير من دول أوروبا، يُعاد استخدام نحو 90 في المئة من الأوعية الزجاجية. وفي الولايات المتحدة، استحوذت صناعة التدوير على نحو 22 في المئة من النفايات الصلبة، وتم استخدام ثلث تلك الكمية في صناعة السماد، والباقي في تدوير البلاستيك والورق وغيرهما.

وفي حين عمدت الكثير من الدول الى استثمار النفايات أو بيعها، لا تزال الدولة اللّبنانيّة تدفع مبالغ طائلة على نفاياتها. فالماضي القريب ومشكلة جبل النفايات في الناعمة، والحاضر المرعب المتمثل بتفاقم الجبل ذاته واقتراب الموعد النهائي لإقفاله نهائيا في مطلع العام المقبل، وتضخم جبل النفايات الواقع في منطقة راس العين قضاء صور، وغيرها الكثير، والمشكلة في تفاقم مستمر، وستبقى كذلك طالما أن الدور الذي يمكن أن تلعبه الوزارة المختصة غير واضح في ظل الوضع السياسي والأمني الراهن. فلبنان ينفق ما لا يقل عن 200 مليون دولار للتخلص من النفايات، وينتج يوميا حوالي اربعة آلاف طن من النفايات المنزلية 60 في المئة منها نفايات عضوية، وفقا لدراسة قديمة اجراها البنك الدولي في العام 2004 التي حدد فيها قيمة التدهور الناتج عن التلوث بعشرة ملايين دولار سنويا. لا شك ان المبلغ ما عاد ملائما اليوم في ظل التزايد السكاني الضخم ومثله الاستهلاك وبالتالي انتاج النفايات بكافة انواعها، قد أعدت وزارة البيئة مشروع قانون حول الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة، لم يقره مجلس الوزراء حتى العام 2012 تمهيدا للموافقة عليه من قبل المجلس النيابي. وإذا كان موضوع النفايات لا يمكن البت به إلا في حال إقرار الخطة الوطنية والبدء بتنفيذها والتي تحتاج الى خمس سنوات على الأقل، والى موافقة من الشركات التي سيصار الى الاتفاق معها، فيكون بالنتيجة الوضع المتأزم للنفايات في لبنان في ازدياد وتضخم وتبقى هذه الثروة مهدورة ولا من يبالي…

لكن ماذا لو قمنا بالاستفادة من هذه الثروة الكبيرة في عدة مجالات صناعية وانتاجية؟ لو بحثنا في تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، نرى ان السويد تمتلك تجربة ناجحة في مجال الاستفادة من النفايات، فهي اليوم تستورد النفايات من الخارج لحاجتها اليها لانها تستخدمها في انتاج الطاقة الكهربائية. فحسب مصادر محلية في هذا البلد ان ما يقارب 4 في المئة من النفايات تنتهي بها الامر الى التخلص منها. اما الباقي، فيعاد تدويرها او تدخل في انتاج الطاقة بحيث اصبحت مصدرا لانتاج 20 في المئة من النسبة العامة لكهرباء السويد، وكذلك نيوزلندا هي الاخرى وبعد ان قامت مجموعة من تلاميذ المدارس الصغار باعداد مشروع لاعادة تدوير النفايات وصناعة ملابس منها تكون صديقة للبيئة وفي الوقت ذاته تجعل بلدهم نظيفا .

ويُعد غياب الوعي الاجتماعي لضرورة المحافظة على البيئة، من أكبر العقبات التي تواجه مشروع الاستثمار في إعادة تدوير النفايات، وذلك بالتعاون الحضاري والوعي الضروري من قبل أفراد المجتمع بفرز ما تنتجه كل أسرة من نفايات،

في الولايات المتحدة على سبيل المثال ، تبدأ عملية تدوير النفايات من المواطنين انفسهم. فهم يحتفظون داخل بيوتهم بحاويات خاصة لكل نوع من المخلفات فهناك حاوية صغيرة للورق واخرى للزجاج وثالثه للمعادن وهكذا، بعد ذلك تنقل هذه النفايات عن طريق سيارات كبيرة تابعة لمصانع التدوير، هذه الشاحنات تتجه بحمولتها الى المصنع الكبير الذي يتم فيه تحويل كل نوع الى القسم المخصص له، هذا المصنع يدار بمجموعة طلاب الجامعات الأمر الذي يقدم لهم الدعم المادي لدراستهم .

هذا وفي ظل التطور الذي يشهده سوق الاستثمار في النفايات العضوية ونفايات البلاستيك، الورق، الزجاج، الاطارات وغيرها، وصل في بعض الدول الى استيراد النفايات من دول اخرى للاستفادة منها باعادة تدويرها او باستخدامها في مجال توليد الطاقة، بينما في لبنان نرى الجهات المعنية عاجزة حتى الآن عن وضع الحلول الناجحة لهذه المشكلة، في المقابل يستمر زحف جبال النفايات لا سيما مع التضخم السكاني الحاصل.

ففي الغالب يكون مصيرها الإتلاف من خلال الحرق أو الدفن تحت الرمال، رغم ان العديد من الدول تتسابق لإعادة تدوير هذه النفايات لتقلل من تكاليف إنتاج الجديد منها، وايضا لتحاول حماية بيئتها، وتنظم إصدار ضرائبها وفقا للسلع المستهلكة، إذا كانت قابلة للتدوير أو غير قابلة.

إن الحصول على الطاقة من النفايات هو هدف اقتصادي مهم، فضلاً عن الخفض في حجم النفايات، حيث تراوح نسبة المواد القابلة للاحتراق في النفايات بين 70 في المئة و80 في المئة من وزنها. يتبين مما تقدم أنه يجب على الجهات المسؤولة كخطوة أولية إخضاع كافة المؤسسات العامة والخاصة، للرقابة الدائمة وإلزامها بتوفير عدة حاويات متنوعة لفرز النفايات قبل التخلص منها، بحيث تكون على سبيل المثال حاوية مخصصة للمخلفات الورقية والكرتونية وحاوية للمخلفات البلاستيكية فقط وحاوية لمخلفات المأكولات وأخرى للمنتجات الصلبة، بحيث يكون الفرز في الموقع الأول للتخلص من النفايات والتعاقد مع شركات متخصصة ومهتمة بكل نوع من أنواع هذه المخلفات المفروزة مسبقاً وترحيلها للاستفادة منها وإعادة تدويرها.

وإذا كانت طاقة النفايات تستخدم لأغراض التسخين وتوليد الكهرباء، كما هو متبع في الدول الاسكندنافية، لذلك بات من الواجب إدخال برامج الاستفادة هذه في خطط التنمية والعمل على استخلاصها كمصدر طبيعي للصناعات المنخفضة التكاليف. هذه الدعوة للاهتمام بالنفايات هي دعوة للحفاظ على الثروة في أدنى مستوياتها، ونلاحظ أن أول ما اهتمت به الدول الكبرى الغنية هو موضوع النفايات. لقد اهتمت تلك الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بإعادة تصنيع المخلفات، وخصصت أماكن للنفايات المختلفة وسط شوارعها وصنفتها بأماكن لنفايات الأوراق وأخرى للمواد البلاستيكية ومثها للزجاج وغير ذلك. إن إعادة تصنيع النفايات يعد الحل الأمثل للتخلص من النفايات بيئياً ويعود بالنفع الاقتصادي عند توافر رأس المال والتكنولوجيا والأيدي العاملة المدربة، كما يتطلب الاستثمار في تدوير النفايات استراتيجية شاملة تشترك فيها مؤسسات القطاعين العام والخاص ذات العلاقة بالنظافة العامة والنفايات والصحة العامة وحماية البيئة والأجهزة الاقتصادية المختصة، وذلك بهدف معالجة النفايات والاستفادة منها، وموضوع النفايات كثروة مهدورة يحتاج إلى إدارة وتنظيم. لقد عملت الدول المتقدمة على صيانة مدخرات بلدانها وتنمية اقتصادها وعودت مواطنيها على النظام والاستفادة من جزء من مصروفاتهم في المساهمة في رفع الاقتصاد الصناعي وحماية البيئة، فهل نتمكن من مجاراتهم؟

من المؤكد أننا في لبنان نحتاج الى رزمة من الظروف وعلى كافة الأصعدة، نحتاج الى بيئة اجتماعية تتمتع بالوعي اللازم للتوصل الى إمكان الاستفادة من هذه الثروة المهدورة، والى برنامج متكامل تطرحه الدولة تعمد من خلاله الى تشجيع القطاع الخاص كمستثمر رئيسي في الاستفادة من هذا القطاع الذي يعتبر الثروة الضائعة .

وإذا كانت البداية بتنظيم النفايات وتصنيفها من قبل المواطن الفرد وصولا الى كافة القطاعات المؤسساتية العامة والخاصة، بحيث يكون في هذه الخطوة نصف الطريق، وفي ظل عدم توفر الامكانات المادية لاكمال مسيرة تحويل النفايات الى مصدر من مصادر الطاقة، غير أن هذه البداية قد تمكن الدولة من الاستفادة منها من طريق تصديرها للخارج الى حيث الدول المتقدمة تستوردها وتعمل جاهدة للافادة منها.