IMLebanon

قطاع النسيج والألبسة على طريق الانقراض

ClothesIndustry
باسكال صوما

أغلق «أبو أدهم» معمله الصغير في شكّا قبل 25 عاماً، بعدما عجز عن تحمّل الخسائر. باع ما تبقّى من القماش والأنسجة بأرخص الأسعار. صرف موظّفيه العشرة. استدان ليدفع لهم تعويضاتهم، وعاد إلى منزله ليبدأ البحث عن عملٍ جديد.
اليوم بلغ أبو أدهم سنته السابعة والسبعين، يختصر حرقة قلبه ببضع كلمات ويقول عبر «السفير»: «كانوا يأتون من كل دول العالم ليشتروا بضاعتنا، كان العالم العربي كلّه يحسدنا على صناعة النسيج المزدهرة، حسدونا فعلاً ولم يبقَ أيّ شيءٍ يذكر».
ويضيف: «أصدقائي الذين كانوا يعملون مثلي ولديهم مصانع أقفلوا أبواب رزقهم بعدما توالت إفلاساتهم، ومعظمهم ترك البلد، وبعضهم لم يعد حتّى الآن». ويختم أبو أدهم: «ربّما أخطأت لأنّني بقيت هنا، ربّما لو أنّي سافرت معهم كانت الخيبات أقلّ والآمال أكبر».
لم يبقَ من معامل النسيج في لبنان سوى ما يعدّ على أصابع اليد، ويبدو أن مصانع الألبسة تسير نحو المصير نفسه منذ سنوات. فمصانع النسيج التي وصل عددها إلى أكثر من 1000 مصنع قبل الحرب الأهلية كانت تؤمن لقمة العيش لعشرات آلاف العمال، أقفلت في غالبيّتها، فيما تحوّل بعضها إلى مشاغل صغيرة، تتركّز في الضاحية الجنوبية وبرج حمود وجبل محسن في طرابلس، إلى جانب معامل الألبسة التي تصارع للبقاء على قيد الحياة.
دودة القز
دودة القزّ التي حملها الأمير فخر الدين معه إلى لبنان وطوّرها، جعلت من لبنان مركزاً صناعياً كبيراً على مدى مئات السنين، حيث ازدهرت صناعة الحرير وتربية دود القزّ، وتطوّرت بعد ذلك الأنسجة الأخرى من القطن والخيوط التركيبيّة. صمدت هذه الصناعة حتى الحرب الأهلية، ثمّ بدأت تتساقط مع تساقط الوطن. وكانت الضربة القاضية اتفاقية التيسير العربي التي ألغت الرسوم الجمركية وجعلت صناعة الألبسة والنسيج غير قادرة على المنافسة، ووضعتها أمام خيارٍ صعب لا ثاني له، التلاشى والتضاؤل.
تقلّص عدد المنتسبين إلى «نقابة مصانع المنسوجات» إلى ما لا يزيد عن 35 مصنعاً بينها 5 أو 6 مصانع نسيج والباقي ألبسة.
في هذا الإطار يوضح أمين سرّ النقابة ناجي مزنّر لـ«السفير» أنّ «ما أصاب قطاع النسيج الذي كان من أهمّ مداخيل الدولة منذ أيام فخر الدين، يصيب اليوم قطاع الألبسة في ظلّ غياب الحماية ورفع الرسوم عن المستوردات». ويوضح أنّ «اتفاقية الشراكة الأوروبية فتحت المجال للتجّار لتصدير البضائع عبر قبرص من دون رسوم جمركية، فيما اتفاقية التيسير العربية سمحت للكثير من البضائع الدخول إلى لبنان عبر الإمارات العربية وغيرها من الدول، ما شكّل جبهة منافسة كبيرة في وجه الصناعة اللبنانيّة».
يبثّ مزنّر بعض الأمل، ويستدرك قائلاً: «لكن هناك مشاغل أزياء جيّدة اليوم يزيد عددها عن 350 مشغلاً، وقد لمعت أسماء لبنانيّة عديدة عربياً وعالمياً، ربّما هذا ما يردّ للقطاع بعض حقّه».
وعن مطالب القطاع، يلفت مزنّر الانتباه إلى أنّ «القيّمين على القطاع يحاولون منذ أعوامٍ إنقاذ ما تبقّى من القطاع، إلاّ انّ أحداً لا يفعل شيئاً سوى قطع الوعود ونسيانها بعد حين». ويفنّد بعض هذه المطالب وأبرزها حصر مشتريات الدولة بالصناعة الوطنية، سائلاً: «هل يجوز أن تستورد الدولة الأقمشة والألبسة من الخارج للقوى الأمنية والجيش، فيما الصناعة المحليّة تحتاج من ينقذها؟».
قطاع الألبسة
واحدةٌ هي شكاوى «المناضلين» العاملين في قطاع النسيج والألبسة الذي يعاني من مشكلات عديدة. في هذا الإطار، يوضح بيار عبد النور (صاحب أحد مصانع الألبسة والنسيج في المتن) أنّ «أبرز التحدّيات التي يتعرّض لها القطاع هو المنافسة الأجنبية، فالبضاعة التركية والصينية والأوروبية تدخل بسهولة إلى لبنان، من دون الأخذ بعين الاعتبار الصناعة الوطنية». ويتطرّق إلى مسألة كلفة الإنتاج العالية التي يتكبّدها أصحاب المعامل، من الكهرباء بفاتورتيها والماء إضافةً إلى المواد الأولية، مشيراً إلى أنّ «الدولة لا تعتني بهذه الصناعة العريقة ولا تقدّم تسهيلات للعاملين في القطاع». ويضيف: «لو لم تكن هذه المهنة وراثة من أبي وجدّي لما كنّا استمررنا فيها أنا وإخوتي، لأنّها صعبة ومليئة بالتحدّيات والصعوبات».
أمّا يحيى دنون (صاحب معمل للألبسة والنسيج في طرابلس) فيرى أنّ «أبرز ما يواجه هذه المهنة في لبنان هي المنافسة القويّة، بين المصانع بين منطقة وأخرى، علماً أنّ التكاليف يمكن أن تتباين بحسب المنطقة وكذلك أسعار القماش والألبسة الجاهزة للبيع»، لافتاً الانتباه إلى ان «هناك نوع آخر من المنافسة بسبب البضائع التي تدخل إلى لبنان من دون أي رسوم جمركية، كالذي يسافر إلى تركيا مثلاً ويشتري بضاعةً يضعها في حقيبته بين أمتعته ويسافر بها إلى لبنان، من دون أن يعرف أحدٌ أنّ هذه البضاعة ستباع في لبنان لتنافس الصناعة اللبنانية بطريقة غير شرعية».