IMLebanon

التكلفة الحقيقية لمشروعات الأنفاق في مصر

EgyptMetro
عمرو رؤوف

يعتبر مترو الأنفاق من المشروعات الحيوية لحل مشكلة المرور بالقاهرة، ولكنه أيضا من المشروعات المكلفة للغاية، حيث ارتفعت تكلفة إنشاء الكيلو متر “الواحد” من 1000 مليون جنيه فى 2004 إلى 1500 مليون جنيه فى 2010 ووصلت الى 2250 مليون جنيه فى 2014.

فى الحقيقة توجد صعوبة للحصول على أى مستندات عن التكلفة فى ظل عدم وجود شفافية وغياب قانون حرية المعلومات، لذا فإنه تم الاستناد إلى ما تم نشره فى الصحف ولم يتم تكذيبه من طرف وزارة النقل اولها فى 29 – 11 – 2004 ان مجلس الوزراء برئاسة أحمد نظيف يدرس المذكرة المقدمة من وزارة النقل لتمويل انشاء المرحلة الاولى من الخط الثالث للمترو بين العتبة والعباسية، بتكلفة 3، 5 مليار جنيه لمسافة 3، 5 كيلو متر، بمعنى ان تكلفة الكيلو متر الواحد 1000 مليون جنيه.

ثانيها: اليوم فى 27 – 3 – 2010 تصريح لوزير النقل الاسبق علاء فهمى بإن المرحلة الأولى من الخط الرابع، ستكون بتكلفة 18 مليار جنيه لمسافة 12 كيلو مترا، بمعنى ان تكلفة الكيلو متر الواحد 1500 مليون جنيه (تمت زيادة الطول الى 18 كيلو مترا لاحقا).

ثالثها: فى 13 – 2 – 2014 تصريح لرئيس هيئة الأنفاق اسماعيل النجدى بأن تكلفة المتر المربع من الأنفاق هى ربع مليون جنيه، وحيث ان الكيلو متر يحتوى على 9000 متر مربع (1000 متر طول x 9 أمتار عرض)، تكون تكلفة الكيلو متر الواحد 2250 مليون جنيه (ربع مليون x 9000).

و لكن رئيس هيئة الانفاق صرح بأن تكلفة كيلو متر الأنفاق 900 مليون جنيه فقط فى 18 – 10 – 2014، أى أقل من التكلفة فى 2004! وإن الحكومة قررت تمويل ثلاث مراحل لمترو الأنفاق والقطار المكهرب الجديد وأنفاق قناة السويس بمبلغ 80 مليار جنيه، بالرغم من ان تكلفة الثلاث مراحل للمترو “فقط”، بالاسعارالحالية 2250 مليون جنيه للكيلو متر، تصل الى 121 مليار جنيه.

تكلفة المراحل الثلاثة للمترو

فهل هذه التكاليف المنخفضة هى التى يتم عرضها على المسئولين لأخذ الموافقة على البدء بالمشروعات؟ ثم يتم بعد ذلك طلب اعتمادات إضافية وإلا توقفت المشروعات؟

خصخصة هيئة الانفاق بنظام الـBOT

وتخطط هيئة الأنفاق لإنشاء المرحلتين الثالثة والرابعة من الخط الثالث والخطوط الرابع والخامس والسادس بأطوال إجمالية 132 كيلو مترا وتكلفة 297 مليار جنيه (قابلة للزيادة) وذلك قبل 2020، ويتم تمويل مشروعات الأنفاق من الموازنة العامة التى لا تتحمل، ومن القروض الأجنبية التى تزيد المديونية.

و حسب التعديلات المقترحة لقانون هيئة الانفاق التى نشرت فى الصحف المصرية، سيتم فتح الباب للقطاع الخاص لإنشاء وإدارة مشروعات النقل وذلك بنظام

(BOT (Build، Operate، Transferأى ان يتولى القطاع الخاص إنشاء مشروعات النقل ويتولى إدارتها ثم يتم نقل ملكيتها الى الدولة.

حيث تسمح “المادة 2 مكرر 2″ بمنح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين و”غيرهم” لمدة 25 سنة، لإنشاء وتشغيل مشروعات مترو الأنفاق والنقل الكهربائى (قطارات – مترو – ترام)، دون التقييد بأحكام القانون رقم 129 لسنة 1974 بالتزامات المرافق العامة، والقانون رقم 61 لسنة 1958 فى شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار الثروة الطبيعية والمرفق العامة، وهو ما يبدو أنه سيرفع عن الموازنة العامة التكاليف الباهظة لإنشاء الأنفاق.

و لكن تعديلات القانون مليئة بالمواد المثيرة للجدل التى تستحق النقاش:

1 – “المادة 9” تنص على استثناء هيئة الأنفاق من قانون “المناقصات والمزايدات” رقم 89 لسنة 1998!

و أيضا على أن يضع مجلس إدارة هيئة الانفاق اللوائح الداخلية المتعلقة بالشئون الفنية والمالية والحسابية والإدارية “دون التقيد بالنظم واللوائح الحكومية”، وهو ما يعنى عدم خضوع الهيئة لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات!.

2 – “المادة 9 مكرر” تنص على أن تحدد هيئة الانفاق تكلفة التذكرة وفى حالة قيام الدولة بتحديد سعر أقل، تتحمل الدولة الدعم الذى يتم دفعه فى بداية العام المالى الجديد.

3 – “المادة 2” تنص على تولى هيئة الأنفاق القيام بتصميم وتنفيذ وتشغيل مشروعات مترو الأنفاق والنقل الكهربائى (قطارات – مترو – ترام) وتملك الهيئة لأصول هذه الخطوط، وتسمح للهيئة بإنشاء شركاتها الخاصة.

4 – “المادة 2 مكرر 1” تنص على نقل ملكية أصول الخطين الأول والثانى للمترو الى هيئة الأنفاق بدلا من هيئة السكة الحديد!

و هنا توجد بعض الملاحظات كالتالى:

1 – ان تكلفة تذكرة المترو 9 جنيهات تدعمها الحكومة بـ8 جنيهات لتبيعها بجنيه واحد، بغض النظر عمن يتولى إنشاء الخطوط الحكومة أو القطاع الخاص، وفى حالة قيام شركات القطاع الخاص بالانشاء سيتم دفع مبلغ الدعم اليها.

2 – مع عدم خضوع تكاليف مشروعات هيئة الأنفاق لقانون المناقصات ورقابة جهاز المحاسبات، فان الباب يفتح واسعا لزيادة التكاليف بلا أى رقيب، مما قد يصل بتكلفة التذكرة الى 15 أو 20 جنيها، تبيعها الدولة بجنيه واحد وتدفع “الدعم” الى الشركات، وفى هذه الحالة لا يهم القطاع الخاص إن كان المشروع رابحا أو خاسرا ما دامت الحكومة هى التى ستدفع التكلفة التى تتضمن فوائد قروض البنوك وأرباح الشركات.

3 – عدم خضوع مشروعات هيئة الأنفاق لرقابة جهاز المحاسبات وقانون المناقصات، يفتح الباب واسعا “للفساد القانونى”.

4 – يشكل تولى هيئة الأنفاق القيام بأعمال “تصميم وتنفيذ وتشغيل” مشروعات خطوط النقل الكهربائى (قطارات – مترو – ترام) وتملك الهيئة لأصول هذه الخطوط، سابقة فريدة فى نوعها ان يقوم “مقاول حفر” بتصميم وتنفيذ وتشغيل مشروعات النقل!.

5 – مع السماح لهيئة الأنفاق بإنشاء شركاتها الخاصة، صرح نائب رئيس الهيئة، إنه يتم دراسة إنشاء شركة لإدارة كل خط من خطوط المترو، بدلا من اقتصار ادارة وتشغيل خطوط المترو الثلاثة على شركة واحدة، بما يؤدى الى “تعظيم الإيرادات” وهو ما يعنى ان يكون كل خط بتذكرة منفصلة وزيادة فعلية فى ثمن التذكرة.

مترو الكبارى هو الحل

تحقق شبكات مترو الأنفاق فى العالم، وباستثناءات قليلة، خسائر ويتم دعمها من الحكومة، وقد قامت الهند بتجربة قصيرة فى إنشاء مترو الأنفاق اثبتت عدم جدواها اقتصاديا بسبب التكلفة الباهظة لحفر الأنفاق ووجود سقف لسعر التذكرة لا يمكن تجاوزه بسبب فقر المواطنين، لذا تحولت العديد من المدن الهندية الى إنشاء شبكات المترو على كوبرى التى حققت ارباحا بالرغم من تدنى سعر التذكرة لتناسب المواطن الفقير هناك، وهى تجربة يجب ان نحتذى بها (الهند صعدت الى المريخ بتكلفة 74 مليون دولار أو 555 مليون جنيه مقارنة بـ671 مليون دولار تكلفة الرحلة الأمريكية الى المريخ).

و فى مدينة شيكاغو توجد أكبر “شبكة مترو كاملة على كوبرى” فى العالم تضم 8 خطوط، وفى مدينة فانكوفر كندا شبكة من 3 خطوط، وفى مدينة دبى شبكة من 3 خطوط، والخط السادس فى مترو باريس، والعديد من الخطوط فى لندن وبرلين. فهل مصر أغنى من هذه البلاد؟

تبلغ تكلفة الكيلو متر الواحد من المترو 2250 مليون للأنفاق، و100 مليون للكوبرى (4.50% من تكلفة الأنفاق)، و50 مليونا للسطحى للكيلو (2.25% من تكلفة الأنفاق)، وهو ما ينعكس على تكلفة تذكرة المترو حيث تبلغ 9 جنيهات للأنفاق و40 قرشا للكوبرى (4.50% من تكلفة الأنفاق) و20 قرشا للسطحى (2.25% من تكلفة الأنفاق). وبكلمات أخرى، فإن إنشاء المترو على كوبرى أو سطحيا يحقق أرباحا – مثلما حدث بالهند – مع الإبقاء على سعر التذكرة بجنيه واحد.

تخطط هيئة الأنفاق لاستكمال شبكة مترو الانفاق بتكلفة 297 مليار جنيه. نفس هذه الخطوط يمكن إنشاؤها بتكلفة 13، 2 مليار جنيه على كوبرى (4.50% من تكلفة الأنفاق) أو 6.6 مليار جنيه عند تجديد الخطوط السطحية القديمة (2.25% من تكلفة الأنفاق) التى تتم إزالتها لحفر أنفاق بدلا منها، بالرغم من اقتراح هيئة الجايكا اليابانية

تجديد خطوط المترو السطحية القائمة.

و لكن هيئة الأنفاق تعتبر أن حفر الأنفاق هو “الحل الوحيد” لأزمة المرور لأن المترو السطحى يصدر ضوضاء والمترو على كوبرى يشوه المنظر الجمالى! وبالقطع فإن الوضع يختلف كثيرا لو كانت “هيئة الكبارى” هى المسئولة عن تصميم وتنفيذ شبكات المترو.

فى دبى يقومون بعمل كوبرى حرف T فى الجزيرة الوسطى للشارع، وهو حل ممكن تطبيقه فى العديد من الشوارع الرئيسية بالقاهرة التى تمثل محاور مرورية مهمة مثل شارع الهرم (الذى توجد به جزيرة وسطى) بدلا من حفر نفق المرحلة الأولى للخط الرابع التى تمر تحت الشارع، بتكلفة 40.50 مليار جنيه منها 7.2 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) قرض يابانى، ولو تم تنفيذ المرحلة الأولى للخط الرابع على كوبرى (بأيدى مصرية وبدون قروض) ستكون التكلفة 1800 مليون جنيه فقط.