IMLebanon

بطالة خريجي الجامعات نتيجة لغياب الاصلاحات الاقتصادية في تونس

TO GO WITH AFP STORY IN FRENCH BY Hamida
يعمل سليم السحيمي (36 عاما) منذ تخرجه من الجامعة سنة 2009 نادلا في مقهى بالعاصمة تونس لأنه كغيره من عشرات الآلاف من الخريجين لم يجد وظيفة تتناسب مع دراسته.
وقال السحيمي الحاصل على شهادة البكالوريوس في الجغرافيا “اعمل نادل مقهى ومتخرجون آخرون مثلي يعملون باعة ملابس متجولين أو في التهريب. ليس أمامنا خيارات أخرى”.
وتضم تونس اليوم أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل بينهم نحو 240 ألفا من خريجي مؤسسات التعليم العالي وفق الإحصائيات الرسمية.
وسنويا يتخرج من جامعات تونس 60 ألف خريج جديد بينهم اعداد ضئيلة تعثر على عمل يتناسب مع تخصصاتهم الدراسية.
ولا تزال البطالة في تونس عند مستويات مرتفعة رغم أنها كانت من بين الاسباب الرئيسية للثورة الي أطاحت في 14 كانون الثاني/يناير 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ويبلغ المعدل العام للبطالة في تونس اليوم 15 بالمئة مقابل أكثر من 13 بالمئة في 2010 وفق الاحصائيات الرسمية.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في تونس جراء ما شهدته البلاد من اضطرابات امنية واجتماعية وأيضا بسبب تواصل حالة الركود الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي الشريك الاقتصادي الاول لتونس، ما فاقم من معدلات البطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات.
ويعتقد سليم السحيمي ان “الدولة” هي “المسؤولة” عن بطالة الخريجين لأنها “لم تتحسب (للامر) منذ عشرات السنين” للارتفاع المتواصل في اعدادهم.
وتخصص تونس سنويا نحو 20 بالمئة من موازنتها وحوالي 7 بالمئة من ناتجها الاجمالي المحلي للتعليم بمختلف مراحله، لتكون بذلك من بين دول المنطقة الاكثر انفاقا على التعليم.
ويوصف خريجو الجامعات في تخصصات مثل الجغرافيا والعلوم الانسانية واللغة العربية بأنهم “الأصعب إدماجا في سوق الشغل”.
وقال سليم السحيمي لفرانس برس وهو يعصر “قهوة سريعة” لأحد الزبائن “اليوم أصبحت كل التخصصات صعبة الإدماج. عودوا إلى هنا بعد العصر وستجدون عاطلين يحملون شهادات في الهندسة والمعلوماتية والاتصالات (..) وهي من المفروض تخصصات مطلوبة اليوم في سوق الشغل”.
وأمام “عجز” القطاع الخاص عن توفير فرص عمل لحاملي شهادات التعليم العالي، أصبح القطاع العام “المصدر الوحيد لتوظيف الخريجين” في تونس بحسب تقرير أصدره البنك الدولي في ايار/مايو الماضي.
وأرجع جون لوك برناسكوني الخبير الاقتصادي الرئيسي بمكتب البنك الدولي في تونس أسباب هذا “العجز” بالأساس إلى “عدم تلاؤم” تأهيل خريجي الجامعات مع فرص العمل المتوفرة بسوق الشغل و”ضعف القيمة المضافة” للانشطة الاقتصادية في تونس و”انغلاق” الاقتصاد التونسي وضعف تنافسيته بسبب “الحمائية” التي تمارسها الدولة.
وقال الخبير لفرانس برس “هناك مشكلة في عدم التلاؤم بين مؤهلات خريجي الجامعات وعروض الشغل المتوفرة”.
واشار من ناحية إلى محدودية عروض العمل في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية التي تحتاج عمالة مؤهلة علميا وتقنيا، ومن ناحية أخرى إلى “تشكّي شركات من نقص المهارات” اللازمة في القطاعات المذكورة.
وشدد على انه يتعين على تونس “إصلاح أنظمة التعليم والتدريب المهني” لتوفير المهارات اللازمة للقطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية القادرة على توظيف الخريجين.
وفي هذا السياق، قال محمد شوشان الذي يدير شركة لانتاج وتطوير التطبيقات الرقمية “بالنسبة الى شركتنا، لم يكن خلق القيمة المضافة أمرا سهلا إذ تعيّن علينا تكوين المهندسين بأنفسنا حتى أصبحوا قادرين على تطوير تطبيقات ذات قيمة مضافة”.
وتأسست الشركة التي يعمل فيها محمد شوشان سنة 2006 وقد انطلقت بخمسة موظفين وهي تشغل اليوم حوالى سبعين موظفا اغلبهم من المهندسين.
وأضاف شوشان “نتمنى أن تتكفل السلطات بتدريب (الخريجين) وتوفر الموارد المالية اللازمة لذلك”.
ويرى الباحث الاجتماعي طارق بلحاج محمد أن الجامعة التونسية “تخرج اليوم أصحاب شهادات وليس أصحاب كفاءات” نتيجة “الخلل في المنظومة التعليمية التونسية بمختلف مراحلها من المدرسة وحتى الجامعة”.
وقال الباحث لفرانس برس ان “هذه المنظومة تقوم على تلقين الطالب معارف لا تنفعه في سوق الشغل، وتقفز على المهارات الأساسية وهي القراءة والكتابة والحساب، والنتيجة هي ضعف مستوى خريجي الجامعات خصوصا في اللغات بما في ذلك اللغة العربية الأم”.
وأضاف ان “الحل هو في ربط منظومة التعليم والتكوين بسوق الشغل والاقتداء في ذلك بتجارب الدول الرائدة في هذا المجال”.
ولاحظ جون لوك برناسكوني ان القيمة المضافة للانشطة الاقتصادية في تونس (الصناعة والزراعة والخدمات..) “ضعيفة” لذلك يقتصر الطلب فيها على عمالة بسيطة وزهيدة الأجر.
واضاف أن توفير فرص عمل في القطاع الخاص لخريجي الجامعات يستوجب الاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية.
لكنه لاحظ ان القطاع الخاص في تونس ليس بامكانه خلق فرص عمل للخريجين ما لم ترفع الدولة “القيود” و”المكبلات” الادارية والبيروقراطية امام المستثمرين سواء التونسيين أو الأجانب.
ولفت الى أن السياسات “الحمائية” التي تتبعها الدولة جعلت “نحو نصف الاقتصاد” التونسي “مغلقا” امام المستثمرين وبالخصوص في قطاعات الاتصالات والنقل والخدمات التي تحتكرها شركات عمومية او “عدد قليل” من الشركات الخاصة.
وسنويا، يكلف “انغلاق” الاقتصاد التونسي وغياب الاصلاحات الاقتصادية والمالية البلاد أكثر من ملياري دولار ويحرمها من 100 ألف فرصة عمل جديدة وفق تقرير البنك الدولي الصادر في ايار/مايو الماضي.
وأضاف جون لوك برناسكوني ان “الاعباء البيروقراطية تمثل مشكلة كبيرة للمستثمرين في تونس إذ يقضي مسيرو الشركات 25 بالمئة من وقت عملهم وينفقون حوالى 15 بالمئة من رقم معاملات شركاتهم للاستجابة للاجراءات الادارية والتنظيمية”.