IMLebanon

من كان يتوقع .. أمريكا منبع الأزمة المالية أول الناجين منها !

FinancialCrisis

جون أوثرز

احتمال ارتفاع أسعار الفائدة لم يثن المستثمرين في الأسهم الأمريكية من الرهان على أن قوة الأسهم سوف تستمر، ولكن هناك علامات مثيرة للقلق أن التهاون بخصوص الوضع الراهن آخذ في الترسخ.

عندما قادت الولايات المتحدة العالم إلى أزمة مالية كارثية منذ ست سنوات، كان عدد قليل فحسب من توقع أنها ستكون أول من ينعتق من الفوضى التي استحدثتها، ولكن ذلك هو ما حدث، فبينما لا تزال البلدان الأخرى في حالة ركود، تندفع الأسواق الأمريكية في رهان لا لبس فيه، من أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن ينمو حتى لو كان الآخرون يعانون من الركود.

ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ أن وصل إلى أدنى مستوياته بعد الأزمة؛ وقد استمر على ذلك لمدة ثلاث سنوات دون أن يعاني مرة واحدة انخفاضا يصل إلى 10 في المائة.

جاء هذا على خلفية الأداء الاقتصادي الذي يرى معظم الأميركيين أنه رهيب، ولكن الشعور لا يزال راسخا أن الارتفاع يمكن أن يستمر.

وقال ريتشارد بيرنشتاين، وهو محلل استثماري ومقره نيويورك “قلنا في 2009 إننا ربما ندخل واحدة من أكبر الأسواق الصاعدة في حياتنا المهنية، وأعتقد أننا لا نزال. إذا نظرتم في جميع أنحاء العالم، فإنه من الصعب جدا العثور على عدد كبير جدا من الاقتصادات التي تتحسن. في الولايات المتحدة، معدل النمو المطلق ليس قويا جدا، ولكن في كثير من الجوانب يتحسن الاقتصاد فعلا”.

المنطق الذي يدفع المستثمرين إلى الأسهم الأمريكية هو منطق لا يوصف، فيني كاتالانو، من شركة بلو ماربل للبحث في نيويورك، يعرض القضية بإيجاز “لقد كانت الدوافع الرئيسية للأسواق الصاعدة هي الأرباح القوية، وأسعار الفائدة التي يجري خفضها بشكل غير عادي، وكمية كبيرة من السيولة. ولا بد لهذه الأموال من أن يتم استثمارها في مكان ما. تسير الأمور بهذا الاتجاه، وعليك أن تتماشى معه”.

مدى عكس التحول مقارنة ببقية دول العالم يشير إلى أن الأمور ربما تكون قد ذهبت إلى مكان بعيد جدا. في أوائل 2008، تجاوزت القيمة الإجمالية لأسواق الأسهم الأوروبية لفترة وجيزة الرسملة السوقية الأمريكية بأكثر من تريليون دولار.

الآن، تبلغ قيمة الشركات الأمريكية عشرة تريليونات دولار أكثر من الشركات في أوروبا.

منذ مارس 2009، فاق مؤشر ستاندرد آند بورز الأمريكي أسواق الأسهم في العالم المتقدم بنسبة 87 في المائة، والأسواق الناشئة – التي كانت قد اندفعت قبل الأزمة – بنسبة 89 في المائة.

وفي الوقت نفسه، يتمتع الدولار بطفرة طويلة في حين لا تزال العوائد على سندات الولايات المتحدة منخفضة بشكل لم يسبق له مثيل، وحتى بعد انتهاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي من برنامج التسهيل الكمي.

هذا يشير إلى ثقة قوية بأن الولايات المتحدة ستتجنب التضخم، حتى في الوقت الذي يستعد فيه المستثمرون لرفع “الاحتياطي الفيدرالي” لأسعار الفائدة.

احتمال ارتفاع أسعار الفائدة، الذي كان يثير الخوف فيما مضى، يتم الترحيب به الآن من قبل المستثمرين باعتباره علامة على عودة الحياة الطبيعية.

وكما يقول بيرنشتاين، لا تحدث الأسواق الهابطة عادة عندما يرفع “الاحتياطي الفيدرالي” أسعار الفائدة، بل عندما يرفعها أكثر من اللازم. عندما تشعر بالقلق من أن هذا على وشك أن يحدث، تشير سوق السندات إلى خوفها من خلال رفع أسعار العوائد قصيرة الأجل فوق أسعار العوائد طويلة الأجل، وهو أمر أبعد ما يكون عن الحدوث في الوقت الحاضر.

الدولار المعزز، الذي تعززه أسعار الفائدة الأمريكية الأعلى، يشجع المستثمرين الأجانب على شراء الأسهم الأمريكية، لأنه يمكنهم أن يستفيدوا من العملة إذا أخذت سوق الأسهم الكامنة تفقد زخمها، ولكنه يخلق أيضا مشكلة.

الدولار الأقوى يضعف بشكل مباشر قيمة أرباح الشركات الأمريكية في الخارج، التي انخفضت من الثلث إلى الخُمس من إجمالي الأرباح، منذ سجل الدولار أدنى مستوى له خلال الأزمة.

وكما يقترح جون هيجينز من “كابيتال ايكونوميكس” ومقرها لندن “على الرغم من أن قوة الدولار في الآونة الأخيرة قد تعتبر جزئيا دلالة على الصحة النسبية للاقتصاد الأمريكي، إلا أنه يمكن القول إنه سبب حذر أكثر بشأن احتمالات الأسهم الأمريكية”.

ويتم تسعير الأسهم منذ الآن على افتراض أن الولايات المتحدة هي الجزء المهم في الأمر. وهي تبدو مكلفة مقارنة بتاريخها، ومكلفة جدا مقارنة بالدول الأخرى.

ومؤشر ستاندرد آند بورز يبيع الآن عند مضاعفات الرقم 27 لمتوسط أرباحه في السنوات العشر الماضية. هذا أعلى بكثير من المتوسط لأجل عشر سنوات، حيث كان عشية أزمة الائتمان.

ولدى كل سوق من الأسواق المتقدمة الرئيسية مضاعِف نسبة السعر إلى الربح على المدى الطويل بمستوى أقل من المتوسط التاريخي، وفقا لشركة ريسيرتش أفيلييتس. تبدو الأسهم الأمريكية أكثر تكلفة لوجود العديد من شركات التكنولوجيا لديها، التي تحظى بمضاعِفات أعلى، ولكن الفجوة واسعة وصارخة.

وثمة مسألة أخرى مع التقييم، تتعلق بالأرباح. أرباح شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للسهم الواحد تعتبر قياسية، وكسبت أكثر من 10 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث.

تعززت تلك الأرباح بسبب التيسير الكمي، التي مكنت الهندسة المالية، مثل الاقتراض لإعادة شراء الأسهم. تتمتع الشركات أيضا بارتفاع هوامش الربح، وربما غير المستدامة التي تأتي من خفض التكاليف ونفقات الفائدة المنخفضة وقوة العمل المتوافقة.

الأرباح قبل الفوائد والضرائب وإطفاء الديون والإهلاك لا تزال دون ذروتها التي كانت عليها في عام 2007. وكانت عملية تعافي الإيرادات أبطأ بكثير من الأرباح – حتى لو كانت تنمو بوتيرة أكثر من 5 في المائة في الربع الأخير، بمجرد أن يتم استبعاد شركات الطاقة.

هذا يعني أن الأرباح اعتمدت بشكل كبير على هوامش الربح، التي هي الآن في أعلى مستوياتها التاريخية وتميل إلى أن تكون دورية. وكونها قد بقيت عالية طوال فترة ما بعد الأزمة ربما يعكس نمو الأجور المنخفض بعناد، فالاقتصاد الأمريكي لا ينمو بالسرعة الكافية لمنح العمال الكثير من القوة التفاوضية.

في الواقع، يقول بعض محللي الأسهم إن قلقهم الرئيسي يكمن في العودة إلى نمو صحي في الأجور. سيكون ذلك جيدا للاقتصاد العام ولكن ليس لسوق وول ستريت.

الشركات الأمريكية تعيد شراء أسهمها بمعدل قياسي. حتى الآن هذا العام، عادت أكثر من 90 في المائة من أرباحها المعلنة إلى المساهمين، إما من خلال إعادة شراء الأسهم أو كتوزيعات أرباح – وهو ما يشير إلى أن التنفيذيين لا يرون فرصا استثمارية واعدة تذكر.

في الواقع، أكبر مشتر للأسهم الأمريكية، حتى الآن، هو الشركات الأمريكية. عمليات إعادة الشراء أغرقت المجموع المستثمَر من قبل صناديق الاستثمار المشترك وصناديق التقاعد مجتمعة، في الوقت الذي تعمل فيه شركات مثل أبل وإنتل وبوينج، وغالبا ما يكون ذلك تحت ضغوط من الناشطين، على تقليص عدد أسهمها الصادرة.

أخيرا، معظم الحماس حول “اشتروا البضائع الأمريكية” أساسه نظرة مفادها أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يعمل على نحو مختلف عن البنوك المركزية الأخرى.

يتحدث البنك المركزي الأوروبي عن تسريع محاولته لتحفيز التضخم، وصعّد بنك اليابان مشترياته من السندات، كما أن البنك المركزي الصيني فاجأ المستثمرين بتخفيض أسعار الفائدة – في حين أن المحاضر من آخر اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تشير إلى أن البنك يستعد لرفع أسعار الفائدة في السنة المقبلة. كل هذا ينبغي أن يعمل على إبقاء الأموال تتدفق في الولايات المتحدة.

إذا سار كل هذا على ما يرام، فإن هناك خطرا حقيقيا للغاية في أن الدولار– المكلف أصلا– سيستمر في الاندفاع إلى الأعلى إلى أن يصبح متسارعا فوق الحد.

وعلى حد تعبير روب أرنوت من شركة ريسيرتش أفليلييتس “الهروب إلى بر الأمان يدفع بالمال إلى هذا الاقتصاد، وهو ما يدفع بالأسواق إلى الأعلى. لذلك هناك عدد كبير من الأسباب. وهذا لا يعني أنه يستحسن الشراء من السوق، كل ما في الأمر أنها كانت وقودا للأسواق الصاعدة، وهي لا تنبئنا متى ستتوقف هذه الجولة السريعة”.

لعل أكثر ما يثير القلق هو الثقة شبه المنتظمة في الولايات المتحدة. أقرب مسافة إلى التصحيح حدثت هذا العام، حين أدى التشنج في سوق السندات في الشهر الماضي إلى التراجع بنسبة 9.8 في المائة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وجاءت بعد أن أشارت بعض نقاط البيانات إلى أن الاقتصاد الأمريكي كان في حالة تراجع.

من الواضح أن كثيرين كانوا مكشوفين للغاية أمام مفهوم النمو الأمريكي القوي.

قوة الإجماع تعتبر مقلقة حتى بالنسبة إلى الذين يصفون أنفسهم بأنهم من المؤمنين بالسوق الصاعدة للدولار، مثل مارك تشاندلر، من شركة براون براذرز هاريمان.

وهو يقول “لقد أنهيتُ لتوي رحلة عمل ضخمة أخذتني عبر الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، ولم ألتقِ بمدير أموال واحد لم يكن متفائلا حول الدولار، أو لم يكن متفائلا حول الأسهم الأمريكية، أو لم يكن متفائلا حول قصة التباعد، الأمر الذي يمكن أن يختل ليس أن يختل الوضع في أوروبا أو في اليابان، ولكن أن يفقد الجانب الأمريكي من الحكاية بريقه”.

• الأسهم الأمريكية – السيولة وأسعار الفائدة المنخفضة تدفع النمو

بعد أن قادت العالم إلى الأزمة المالية، سجلت الأسهم الأمريكية أدنى مستوى لها في آذار (مارس) 2009، لكن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ ذلك الحين تفوق على بقية أسواق الأسهم في البلدان المتقدمة بنسبة 87 في المائة، في حين تستمر الأسواق الناشئة في التخلف بمسافة بعيدة.

• التصنيع – الاستطلاعات تزيد من تعزيز قصة الانتعاش

تعزز المزاج العام للمستثمرين من خلال استبيانات شركات التصنيع، التي تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي يتعافى بصورة لا يستهان بها، في حين أن الاقتصادات في أوروبا والصين واليابان إما أنها على حالها أو في تراجع.

الاستثمارات المكلفة، نسبة الأسعار إلى الأرباح المعدلة دوريا هي الآن أعلى من ذروتها في خريف 2007. بدأت السوق الأمريكية تبدو مكلفة، حيث إن نسبة الأسعار إلى الأرباح المعدلة دوريا هي الآن أعلى بكثير من متوسطها على الأمد الطويل، وهي أغلى مما كانت عليه عشية الأزمة في خريف 2007. كل سوق أخرى في البلدان الكبيرة في العالم، هي الآن أرخص من متوسطها على الأمد الطويل.

•البنوك المركزية – المستثمرون يستعدون لرفع الفائدة الأمريكية

المستثمرون مقتنعون بأن “الاحتياطي الفيدرالي” سيبدأ برفع أسعار الفائدة في السنة المقبلة، ليكون ذلك دلالة على تحسن الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي، في حين أن المركزي الأوروبي لا بد أن يلجأ إلى سياسات نقدية أكثر تساهلا. وهذا يعني أن العوائد على سندات الخزانة الأمريكية ستتجاوز العوائد على السندات الحكومية الألمانية بأعلى معدل لها منذ 1999، ما يدفع الدولار إلى الأعلى.

• الرسملة السوقية – الولايات المتحدة تتفوق على أوروبا

القيمة الإجمالية للأسهم الأوروبية تجاوزت الأسهم الأمريكية بأكثر من تريليون دولار في 2008. الآن تساوي قيمة الأسهم الأمريكية نحو عشرة تريليونات دولار زيادة على أسهم أوروبا، حيث إن معظم الفجوة توسعت في السنوات القليلة الماضية.

• مخاوف حول النوعية

هناك خوف من نوعية الأرباح الأمريكية. الأرباح لكل سهم تعافت بصورة عجيبة، لكن الارتفاع في الإيرادات كان أبطأ بكثير. وهذا ينطوي على أن الشركات تعتمد على هوامش أرباح أعلى، وعلى الهندسة المالية، مثل الاقتراض من أجل شراء أسهمها. هل هذا قابل للاستدامة؟