IMLebanon

نفط لبنان وغازه في مهبِ ريح الاشتباك النفطي بين نيقوسيا وأنقرة

OilLebanon
رائد الخطيب
من المتوقعِ انعقاد اجتماع بين رئيسي الحكومة اليوناني والتركي بين الرابع من كانون الأول المقبل والخامس منه، لمعالجة الموضوع الذي تفاقم مع رسو بارجتين وغواصة من الجانب اليوناني في مواجهة السفن التركية في المنطقةِ الاقتصادية الخالصةِ التابعة لقبرص. هذا الامر محطَ اهتمام الكثير من المهتمين والخبراء بالملفِ النفطي في لبنان، مع استمرارِ «الاشتباكِ النفطي» مع الجانبِ القبرصي. ورغمَ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الى الجزيرة منذ ايام، فإنَّ شيئاً لَمْ يرشحْ بعد سوى إعلان نوايا طيبة. بيدَ ان هذه الزيارة، وبحسبِ تصريحاتِ باسيل للصحافيين، اكتفت بإدانةِ الاستفزازات في المنطقةِ الخالصةِ، فيما أعربَ نظيره القبرصي يوانيس كاثوليديس عن استعداد بلاده لمساعدة لبنان في مجال التنقيب عن النفط والغاز.

وقالتْ مصادر نفطية في لبنان «إنَّ جوَّاً من التكتم أُحيطَ بأجواءِ المفاوضات، ولا نزال ننتظر أن تصلنا الأخبار، لنبني على الشيء مقتضاه». إلّا أن مصادر أخرى كشفَتْ لـ«المستقبل»، أنَّ باسيلَ الذي حاول أن يتقدم بهذا المسار، لم يستطع تحقيق أي خطوة الى الأمام، وانه تصرّفَ كوزير للطاقة أكثر منه وزيراً للخارجية.

أضافت المصادر «نحن نريد ترسيم الحدود البحرية مع القبارصة، إلا أنهم يريدون توقيع اتفاقية اطار مع لبنان، وهي تشمل المناطق المحاذية لخط الوسط الممتد من لبنان الى قبرص، ثم في المرحلة التوقيع بين المشغلين«.

وأوضحت «أن القبارصة متقدمين على لبنان نحو سنتين في مجال الاستكشاف والتنقيب ..لكن لا يمكن توقيع اتفاقية اطار قبل ترسيم الحدود حول النقطة 23، المشتركة بين لبنان وفلسطين وقبرص».

ويشكل ملف ترسيم الحدود البحرية في لبنان عائقا كبيرا يقف بوجه البدء بأعمال التنقيب. فاسرائيل رسّمت حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة انفراديا وهو ما رفضه لبنان عبر الرسائل والاعتراضات التي وجهها الى الأمم المتحدة. والمشكلة تكمن في أن اسرائيل قامت برسم خط عمودي في الناقورة على الخط الذي يجمع بيروت بحيفا، فكان اعتراض لبنان على الآلية المعتمدة في الترسيم والتي تحرم لبنان من حصص في الحقول المكتشفة. وعام 2007، قام لبنان بتوقيع معاهدة مع قبرص لتقسيم الحدود البحرية، الأمر الذي أعطى اسرائيل الحجة لقضم 800 كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخاصة التابعة له، خاصة بعد أن وقعت قبرص معها اتفاقية تنقض وتخالف اتفاقيتها مع لبنان. ولا شك أنه كانت للوساطة الأميركية بعض الايجابيات عندما قامت اسرائيل بالاعتراف بأحقية لبنان بـ500 كيلومتر مربع من أصل 800 متنازع عليها.

فالجزيرة باتت اليوم في مرحلة اكثر تقدما في التنقيب عن النفط والغاز، في المنطقة الاقتصادية الخالصة. تقدم عكسه اكتشاف كميات من الغاز في «البلوك الرقم 10« المعروف بـ»بلوك افروديت»، في وقت تتولى الشركة الايطالية « E&I « التنقيب في نواح اخرى، على ان يتبعها السنة المقبلة الفرنسيون من خلال شركة «توتال».

وتأتي هذه التطورات فيما لا يزال لبنان في المرحلة الاولى من عملية الترخيص، وفي الوقت الذي لم يصادق مجلس النواب اللبناني على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، فيما مواقع المسوحات التركية تقع ضمن الجانب القبرصي من المنطقة الإقتصادية الخالصة والجرف القاري المعترف بهما دولياً. فبحر لبنان يعوم فوق كميات هائلة من الغاز والنفط حسب توقعات المسوحات السيسمية المتعددة التي أجريت قبالة الشاطئ اللبناني. لكن يبدو أن لبنان ما زال منشغلاً حالياً في مشكلاته السياسية والأمنية المتفاقمة، والملف النفطي لديه مؤجل، وليس على رأس جدول أعمال الدولة اللبنانية.

يأتي ذلك في وقت تتحضر اسرائيل لتكون بكامل الجهوزية للانطلاق في استخراج النفط وتحديداً من الحقول التي تعتبر مناطق تشابكية مع لبنان. فقد اكتشفت منذ خمس سنوات حقلين هما حقل تامار وحقل ليياثان في البحر، وهما أكبر حقلين مكتشفين في المتوسط خلال العقد الماضي وقد عمدت إسرائيل إلى الإستفادة من هذا الغاز وتفكر في تصديره وذلك لتخصيص جزء من إيرادات التصدير لتطوير الإستثمار في البحر وقد بدأت فعلياً بمفاوضات مع دول الجوار مثل الأردن ومصر وقبرص فأرسلت عروضاً لثلاث شركات أردنية وكذلك عرض لشركتين رئيسيتين في مصر وتكلموا مع قبرص ويبقى لديهم العائق الوحيد هو المسؤولون الفلسطينيون وهذا يقلص من فرص لبنان المستقبلية بهذه الدول المجاورة.

وقالت المهندسة النفطية، رنا الزعبي فتّال، «ان لبنان لديه مشكلات من نوع آخر تحول دون إنجاز مبكر لتحضيراته لاستخراج الغاز والنفط وتسويقه والإفادة الإقتصادية والمالية منه فالتنازع على الثروات النفطية سوف يكون في الداخل اللبناني أكبر منه مع الدول المجاورة«.

وإذا كان لبنان، لم يقر الى الآن مرسومي النفط، فإنَّ المشهد تعقد على المستوى النفطي الاقليمي. وقالت فتّال «إسرائيل سوف تقف مع نيقوسيا ضد تركيا في استخراج الغاز، مما سيولد مزيداً من التوتر وهذا المشهد يعطي صورة واضحة عما سيواجه لبنان من تحديات في تشابك المصالح حول استخراج النفط والغاز في مياهه الإقليمية مع كل من اسرائيل وقبرص، خصوصاً وأنَّ النزاع بين تركيا وقبرص اليونانية قد بدأ على خلفية استخراج الغاز من المياه الإقليمية القبرصية مع تشابك المصالح بين تركيا وقبرص«، مشيرةً الى أنه لدى تركيا «فرصة حقيقية للحصول في نهاية المطاف على الفرص اللازمة للإفادة من إمدادات الطاقة مثل بقية الدول الأوروبية، فهي تجد أن لها الحق في نفطها وغازها، لا سيما وأن تركيا قد قامت بتنفيذ مسح بحري قبالة السواحل الجنوبية الشرقية لجزيرة قبرص، لاعتقادها بأحقية الاستكشاف في المنطقة وإعطاء الشرعية القانونية للقسم الشمالي من جزيرة قبرص ويصبح الموضوع أكثر جدية عندما تتدخل اسرائيل لتدعم قبرص في مواجهة التدخل التركي فقد اكتشفت قبرص حقول غاز ضخمة جنوب البلاد مقابل اسرائيل وتتهم تركيا بإرسال بواخر لجمع المعلومات، وهذا النزاع سيؤدي بينهما لتداعيات في دول الجوار مثل لبنان واسرائيل ومصر وسوريا«.

ورأت فتّال أنّه «إذا تم تحويل هذا الصراع إلى عمل إيجابي للاستفادة من هذه الثروة، سيحصل لبنان عندها على حصة جيدة من مخزون النفط، إذا تم الإتفاق على استخراج القبارصة للنفط والغاز في المياه الإقليمية مع لبنان وهذا يتطلب من لبنان ترسيم الحدود مع قبرص وبأسرع وقت لحفظ حقه المستقبلي. فهذا النزاع التركي- القبرصي على الثروة النفطية والغازية في المتوسط جاء لأن هذه المنطقة تضم احتياطاً غازياً ضخماً هو الأضخم والأهم بين الاكتشافات المسجلة خلال السنوات العشر الماضية حيث تم اكتشاف حقلي غاز تقدر طاقتهما من مليارات متر مكعب الى مليارا فضلاً عن مخزون نفطي غير محدد. هذا ما يجعل النزاع يطفو على السطح مؤخراً.. فقد اتفقت كل من اسرائيل وقبرص على تحديد وترسيم الحدود البحرية بينهما مما يسمح لكلا الطرفين بالتنقيب في مناطق غير متنازع عليها».

اضافت «لكن لبنان اعترض على الاتفاق لأن اسرائيل لم تحترم الحدود في مياه المتوسط وانتهكت الجزء اللبناني من تلك الحدود، ودخلت تركيا على الخط باعتبارها طرفاً ولها الحق بذلك.. وجاء اكتشاف الثروات الطبيعية في جرف بحر إيجة ليزيد الوضع القائم تأزماً لا سيما بعد إعلان اليونان عن وجود كميات كبيرة من الغاز والنفط في هذا البحر وأبدت تركيا مخاوفها من احتمالات نجاح اسرائيل في بناء تحالف اسرائيلي – يوناني يؤثر على حسابات أنقرة في ملفها للجزر البحرية المتنازع عليها في المتوسط كذلك فإن شروط الإنضمام للإتحاد الأوروبي الذي اشترط على تركيا حل النزاع سلمياً وعدم الاعتراض على دخول قبرص بشقيها إلى الاتحاد الأوروبي وحل خلافاتهم حول جزر بحر إيجة«.

وتطمح قبرص الى أن تصبح مركزاً اقليميا لتسييل الغاز وتصديره منذ اكتشاف أول حقل غاز في 2001 يمكن ان يبلغ الاحتياطي فيه ما بين مئة و170 مليار متر مكعب من الغاز. وتراهن قبرص على احتياطها من المحروقات للخروج من ازمة ارغمتها في العام 2013 على القبول بخطة انقاذ بقيمة 10 مليارات يورو بشروط صارمة جداً.

وتؤكد المهندسة النفطية «إن بطء عمل الحكومة اللبنانية في موضوع النفط والغاز، وعدم إعطاء شركات التنقيب المهتمة تأكيدات لزمن محدد لإقرار التراخيص هذا كله يجعل الشركات تفقد اهتمامها، فهي لن تنتظر للأبد فقد وضعت ميزانية لاستكشاف النفط والغاز في لبنان ولكن البطء بالموضوع سيجعلهم يتراجعون ليوظفوا ويستثمروا أموالهم في بلدان أخرى، ومن هذه الشركات شركة spectrum التي أوقفت العمل حالياً في لبنان لحين إقرار الحكومة بالتراخيص«.

ورأت أنه في النهاية لبنان أمام تحديات كثيرة ولكن لديه فرصة لإنهاء نزاعاته الداخلية وبأسرع وقت وإقرار التشريعات اللازمة للنهوض بالبلد وستسهم في إنهاء عبء الدين العام وإنعاش الإقتصاد، خاصة وأن لبنان بلد فقير ويرزخ تحت دين عام يثقل كاهله وتترتب عليه فوائد تؤدي لرفع تكاليف المعيشة ومضاعفة الأزمة في البلاد، يجب إنهاء عقلية المحاصصة والتقاسم بين أطراف الطبقة السياسية، الذي يعمل على إعاقة عملية تلزيم البلوكات البحرية العشرة للشركات التي قدمت عروضها«، وتختم فتال «التأخير والمماطلة في لبنان سببها سياسي بامتياز داخلي وخارجي ولكن لبنان أمام فرصة تاريخية إما أن يغتنمها وإما تذهب إلى أجل غير مسمى«.

لبنان الـ10 إقليمياً والـ121 عالمياً في معوقات استثمار النفط والغاز

أصدر معهد «فريزر« الكندي الرائد في مجال السياسة العامة للأبحاث، مسحاً حول النفط العالمي للعام 2014، يقوم من خلاله بتصنيف 156 دولة حول العالم بحسب الفرص الواعدة التي تتيحها للاستثمار في قطاعات النفط والغاز.

وبحسب التقرير الأسبوعي الصادر عن «بنك الاعتماد اللبناني» والنشرة الأسبوعية الصادرة عن «بنك بيبلوس» (Lebanon This Week)، سجل لبنان نتيجة 73.66 في عام 2014 لجهة حواجز الإستثمار في القطاع النفطي، محتلاً بذلك المركز 121 عالمياً والمركز العاشر إقليمياً.

أما فيما يختص بحواجز الإستثمار في قطاع النفط في لبنان، إعتبر حوالى 19 في المئة من المستطلعين أن عدم الإستقرار السياسي في البلاد يشكل رادعاً بسيطاً للإستثمار في قطاع النفط، في حين صرح أكثر 60 في المئة منهم بأنً غياب الإستقرار السياسي هو رادعٌ أساسي للإستثمار.

من بين العوامل الاُخرى التي تم تصنيفها من قبل المستطلعين كرادعٍ بسيطٍ للإستثمار في قطاع النفط والغاز في لبنان، نذكر الأنظمة البيئية (حوالى 23 في المئة من المستطلعين) وتكلفة الإلتزام بالتشريعات (حوالى 32 في المئة من المستطلعين)، والحواجز التجارية (حوالى 36 في المئة من المستطلعين)، على سبيل المثال لا الحصر.