IMLebanon

العقوبات الغربية ضد روسيا…. من يعض أصابعه أولاً؟

SanctionsRussia
انيس ديوب
بعيداً عن السياسة، وبعيداً عن تطورات الأزمة الأوكرانية وتفاصيلها، من الذي سيركع أولاً، أو بالأحرى من الذي سيكون الخاسر الأكبر في العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا منذ الثاني عشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي؟

بداية، لا بد من القول أن سلاح العقوبات بين الدول يكون فعالاً بقدر كبير، بشرط استخدامه ضد دول صغيرة. لكن هذا السلاح يفقد جزءاً كبيراً من فعاليته، عندما يستخدم ضد دول كبرى جغرافياً وسكانياً واقتصادياً.

ولهذا السبب بالذات فإن سلاح العقوبات الذي سلطته أمريكا ودول الغرب الأوروبي على روسيا لن يكون فعالاً بذات القدر لو أن روسيا دولة صغيرة. فروسيا دولة كبرى مترامية الأطراف وهي دولة صناعية وزراعية، ومنتج بارز للبترول والغاز والمعادن، ويرتبط اقتصادها منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق، مع العديد من دول العالم الثالث والدول الاشتراكية والشيوعية السابقة، بعلاقات قوية واتفاقيات تجارية عديدة.

كما أن روسيا جزء من تحالفات تجارية واقتصادية هامة، فهي جزء من تحالف دول البريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا وروسيا).

وفوق كل ذلك، فإن هذه الدولة التي لا تزال بحجم قارة، على الرغم من خروج العديد من الدول من رحمها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق (تركمانستان وأوزبكستان وجورجيا وأوكرانيا وأرمينيا وغيرها) تستطيع إنتاج وتصنيع كل شي تقريباً دون الحاجة لأحد.

حركة التفافية بسيطة
ففي مجال النفط، وعلى الرغم من أن محللين يرون أن روسيا بدأت تتأثر بالتراجع الراهن لسعر برميل النفط دون حاجز الـ 100 دولار، لأن الميزانية الروسية تحتاج لبقاء أسعار نفط خام الأورال عند مستوى 100 دولار أو أعلى، حتى لا تسجل عجزاً ولكي يستمر اقتصادها في النمو، وهو ما تؤكده تصريحات صحافية لمسؤولين روس في وزارة المالية، فإن روسيا استطاعت وبفعل حركة التفافية بسيطة نحو الشرق أن تضمن لخزينتها مبلغ 400 مليار دولار على مدى 30 سنة جراء توقيع اتفاقية مع الصين لإمدادها بالغاز السيبيري. يذكر أن روسيا تسعر خام الأورال الذي تبيعه، على أساس أسعار خام برنت، ولهذا فإن أي هبوط في برنت يعني هبوطاً في سعر بيع نفط الأورال كذلك.

يقول الخبير في شؤون النفط وائل مهدي أنه «إذا ما وصل النفط إلى 90 دولاراً للبرميل، واستمر على هذا المعدل لفترة أكثر من 3 أشهر، فإن ذلك سيسبب كارثة مالية للحكومة الروسية، وسوف يدخل الاقتصاد الروسي في مرحلة الركود». أما الخبير في شؤون النفط محمد الشطي فيقول أيضاً، إن تراجع النفط عن حاجز الـ 100 دولار من شأنه فعلا أن يضر بالميزانية الروسية التي سوف تتأثر سلبا بتراجع الإيرادات. ويضيف «روسيا، ليست كدول الخليج التي تستطيع تحمل إيرادات بأسعار عند مستوى 75 و80 دولارا للبرميل». ويتفق الشطي مع زميله مهدي بالقول أن «اقتصاد روسيا سيتأثر سلبا بتراجع الأسعار إذا استمرت لأكثر من 4 أشهر وليس لفترة قصيرة أو متقلبة».

لكن يبدو أن روسسيا، ومن أجل التغلب على ذلك، بدأت في تحسين علاقاتها مع الصين حتى تضمن زبوناً مهماً لنفطها، وهذا الأمر بدا واضحاً في زيادة الشحنات في الأشهر الأخيرة إلى الصين.

قوة سيبيريا
وعجلت العقوبات الناجمة عن أزمة أوكرانيا، في مزيد من التعاون الروسي الصيني في مجال الطاقة. فبعد أيام على بدء العقوبات الغربية، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أكبر مشروع طاقة في العالم» في شرق سيبيريا هو خط أنابيب «قوة سيبيريا» الذي يبلغ طوله 4000 كلم وسيصل بين حقول الغاز الروسية في ياكوتيا بسيبيريا، مع بحر اليابان وكذلك مع الحدود الصينية.

وحسبما أعلن المسؤولون الروس والصينيون فإن هذا الخط العملاق، وابتداءً من عام 2018، سيتيح لروسيا ولأول مرة إمداد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب بموجب عقد قيمته 400 مليار دولار على مدى 30 عاما أي بمعدل دخل إضافي سنوي للميزانية الروسية يقدر ب 13.3 مليار دولار سنويا.
وجاء إطلاق المشروع، في ختام 10 سنوات من المفاوضات الصعبة مع بكين. وقد اعتبر توقيع العقد في مايو/أيار الماضي نجاحا كبيرا لبوتين، الذي أدى قيامه بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية ودعمه للانفصاليين الأوكرانيين في شمال البلاد إلى أسوأ مواجهة بين الشرق والغرب منذ أيام وسنوات الحرب الباردة.
وبذلك تكون موسكو قد سعت بعد خلافها مع الغرب، الى تحويل تركيز صادراتها من الغاز والنفط من أوروبا التي تعتبر سوقها الرئيسي للطاقة، إلى آسيا، كما تكون بذلك قد عكفت، بشكل جدي على بناء تحالف طاقة جديد مع بكين التي تحتاج إلى امدادات اضافية من الطاقة لتغطية استهلاكها المتزايد.

وكانت روسيا أكثر نجاحا في دخول سوق نفط جديد في آسيا بفضل عقد ضخم ابرمته شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» مع بكين في 2013. وصرح وزير الطاقة الروسية الكسندر نوفاك أان صادرات البلاد من النفط لآسيا قد تتضاعف، مضيفا أن موسكو تجري محادثات مع شركات آسيوية مستعدة للاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي المسال في أقصى الشرق الروسي.

اكتشاف الانتصار
وقبل فترة عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصين حصة في حقل فانكور العملاق للنفط والذي يعتبر الاعلى قيمة في شرق سيبريا. وقالت مجموعة «يوراسيا للاستشارات» أنه «اذا تمت هذه الصفقة، فانها ستكون بمثابة تغيير كبير». وأضافت أن «قرار روسنفت العرض على الصين حصة من حقل فانكور النفطي العملاق في شرق سيبيريا يؤشر على أن موقف موسكو التفاوضي زاد ضعفا بسبب العقوبات الغربية، وانها تحتاج الى ضخ جديد لرأس المال».

ومع ذلك فقد أثرت العقوبات الاميركية على شركة روسنفت بشدة حيث أجبرت هذه الشركة التي يرأسها ييغور سيخين حليف بوتين المقرب، على طلب مساعدة من الدولة لتسديد دين تجاوزت قيمته 30 مليار دولار. وعلى الرغم من أنه ليس أمام موسكو خيارات سوى تعزيز تعاونها مع الصين، فإن «ما يصوره الكرملين على انه شراكة استراتيجية ما هو الا مجرد احدى الطرق التي تنوع فيها الصين مصادر امداداتها، وأيضاً ما يجبر روسيا على قبول شروط بكين» حسبما قالت صحيفة «فيدوموستي» الروسية المتخصصة في مجال الاعمال .

وفي خضم أزمة العقوبات مع الغرب، نجحت شركة نفط روسية في استخراج النفط من واحد من أكثر الأماكن النائية في العالم، بمساعدة أكبر شركة طاقة في أميركا، فقد أعلنت «روسنفت» عن اكتشاف مخزون كبير من النفط في القطب الشمالي (بحر كارا المتفرع من المحيط المتجمد الشمالي في شمال سيبيريا) وقد وصف رئيس «روسنفت» ييغور سيشين هذا الاكتشاف بـ «الانتصار المشترك لروسيا وأصدقائها وشركائها» وقال إنه سيطلق على الحقل النفطي اسم «انتصار» لأن المنطقة المكتشفة في بحر كارا قد تحتوي على 87 مليار برميل من النفط.

خطر التجمد برداً
ويبدو أن روسيا ستواصل التحكم في إمدادات الغاز إلى قارة أوروبا خلال السنوات المقبلة، ولا تواجه روسيا في السوق الأوروبي على المدى المتوسط، سوى منافس واحد هو إيران، غير أن العلاقات المتوترة بين إيران والغرب تحول دون منافسة إيرات لصادرات الغاز الروسية في المرحلة الراهنة.

ولا توجد في أوروبا باستثناء النرويج أي احتياطيات واعدة للغاز. بل وحتى النرويج لن تستطيع زيادة إنتاجها للغاز بحلول عام 2015 إلا بمقدار 30 مليار متر مكعب، في حين ستحتاج أوروبا بحلول ذلك العام إلى 140 مليار متر مكعب من الغاز. وبمقدار روسيا، حتاما تشعر باثر العقوبات الغربية أن تحكم على دول الاتحاد الأوروبي بالتجمد برداً إن هي قررت وقف إمدادات الغاز إلى تلك الدول.

ومن شأن وقف إمدادات الغاز الروسي أن تضع أوكرانيا في أزمة كبيرة، لا سيما أن الغاز يشكل عجلة اقتصادها وتعتمد عليه بنسبة 70 % على الأقل. وبما أن الغاز الروسي يصل إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، فإن المراقبين يرون أن قطع الإمدادات سيشكل أزمة كبيرة للاتحاد الأوروبي الذي يستورد ثلث احتياجاته الغازية من روسيا.

وقبل فترة كتبت صحيفة التايمز البريطانية أن «الغاز هو السلاح السياسي» لموسكو في الحرب الباردة الجديدة، وأن العبرة واضحة بالنسبة إلى أوروبا، حيث لا يجب أن تكون مواردها في مجال الطاقة متوقفة على روسيا أبدا. وأضافت تقول «أن بدء حرب باردة جديدة يدل على أن الأنابيب هي السلاح الجديد أمام كرملين غاضب وفي مواجهة صعوبات».

منافذ عربية بديلة
وبموازاة التوجه نحو الصين في مجال النفط والغاز لجأت موسكو لفرض حظر على استيراد المنتجات الغذائية من الغرب، والاتجاه إلى بعض الدول العربية لتعويض احتياجاتها.

كما واجهت روسيا تضييق الغرب الخناق عليها بتسريع الخطى إلى خلق منافذ بديلة عربيّاً لتقليص أثر هذه العقوبات، وعملت على فتح قنوات تواصل مع منطقة شمال أفريقيا، وعلى استبدال السلع الأوربية، ولا سيما الغذائية التي فرضت موسكو حظراً عليها للرد على العقوبات بسلع عربية. ووافقت روسيا على منح تونس قرضاً بشروط ميسّرة قيمته 500 مليون دولار، بهدف توطيد العلاقات والاستفادة من منتجاتها الزراعية.

كما جرت زيارات متبادلة بين المسؤولين بين روسيا ومصر والاتفاق على زيادة التبادل التجاري والسياحي. وتسعى روسيا إلى تفعيل التبادل التجاري مع المغرب التي تصدّر إليها بنحو 16 مليار درهم (1.87 مليار دولار) معظمها من الغاز والنفط الخام، وفي المقابل بلغت وارداتها 267 مليون دولار، معظمها من الخضر والفواكه والأسماك.

وفي أوج الأزمة هددت موسكو وبلسان رئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف بحظر الفضاء الجوي الروسي أمام حركة الطائرات الأوروبية الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا لحركة الملاحة الجوية، ويكلف شركات الطيران الغربية عشرات المليارات من الدولارات بسبب اضطرار تلك الشركات على استخدام ممرات جوية أكثر كلفة من حيث استهلاك الوقود لطائراتها.

وقال ميدفيديف «أن ذلك سوف يؤدي إلى إفلاس الكثير من هذه الشركات التي تواجه أصلا مشاكل كبيرة».