(بقلم رولا حداد)
تنتهي سنة الـ2014 على إنجاز وحيد تحقق في لبنان منذ زمن طويل، وهو الإنجاز الذي يأمل اللبنانيون باستمراره، وأعني بطبيعة الحال إنجاز الأمن الغذائي في لبنان، والذي أطلق شرارته ويتابعه باهتمام بالغ وزير الصحة وائل بو فاعور.
وإذا كان لا بدّ من الثناء على ما تحقق في الأسابيع الأخيرة على الصعيد المذكور، فإن ثمة أسئلة واجبة عملياً، وأهم هذه الأسئلة: لماذا لم يتم فتح ملف الأمن الغذائي على مصراعيه في السابق؟ ولماذا حين كان يتم فتح طاقة صغيرة فيه كان يُعاد إقفالها بسرعة قياسية؟ والأهم أين المحاسبة المطلوبة لجميع المسؤولين عن هذا الملف؟
المفارقة الأساسية تكمن حين نستمع الى وزيري الحزب “التقدمي الاشتراكي” وائل بو فاعور وأكرم شهيّب، ووزيري حركة “أمل” علي حسن خليل وغازي زعيتر، اذ نبدو وكأننا أمام وزراء نفذوا انقلاباً عسكرياً على السلطة السياسية التي كانت قائمة منذ “الطائف” وحتى اليوم، وهم يتولون كشف فضائح هذه السلطة!
من يستمع إليهم يظن للوهلة الأولى أنّ الحزب “التقدمي الاشتراكي” وحركة “أمل” يشاركان للمرة الأولى في حكومة منذ الـ1990، لا بل ربما منذ الاستقلال وحتى اليوم!
ولإنعاش الذاكرة فقط، فإنّ “أمل” و”الاشتراكي” لم يغيبا عن أي حكومة أقله منذ “الطائف” وحتى اليوم، وشاركا في مختلف الوزارات، وتحمّلا المسؤوليات في كل القطاعات، وطبعاً بالشراكة مع “تيّار المستقبل” الذي غاب عن عدد من الحكومات (حكومة الرئيس سليم الحص في مطلع عهد الرئيس إميل لحود 1998-2000 وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي 2011-2014) ومع القوميين و”المردة” وبقية حلفاء النظام السوري الذي شكّل وصاية مطبقة على أنفاس اللبنانيين.
ولذلك فإنّ الأسئلة الكبيرة المطروحة: من هو المسؤول عن كل التسيّب الذي حصل؟ ومن كان يؤمّن الحمايات السياسية على جميع المرتكبين؟ وهل كان السياسيون شركاء في الفساد وفي التغطية على الفاسدين؟
وهل ما يجري من إنجازات تستحق التنويه ستُستكمل بكشف كل المستور وكشف جميع الفاسدين وجميع الضالعين أم ستقتصر المحاسبة على صغار الموظفين؟
وهل التأكد من “المواصفات المطابقة” على صعيد الأمن الغذائي سيتم تعميمها على كل القطاعات ليتم التأكد من تنفيذ مشاريع البنى التحتية من مجارير وشبكات مياه وكهرباء وإنترنت وطرقات بشكل مطابق للمواصفات؟ هل سيتم التأكد من تنفيذ كل الحفريات ومن ثم ردمها وتزفيتها بشكل مطابق للمواصفات فلا “تخسف” الطريق بعد أيام على تزفيتها؟!
وهل سيتم إقفال الخطوط الخاصة بـ”المقاومة” في المرفأ والمطار وعلى الحدود البرية فلا تعود تدخل بضائع تحت مسمّى “المقاومة” مهرّبة من الجمارك والضرائب لتنافس البضائع المماثلة في السوق اللبنانية والتي تخضع لكل الضرائب؟!
وهل سيتم التأكد من معمل الذوق الحراري على سبيل المثال لإلزام مؤسسة “كهرباء لبنان” أن يتم وضع الحمايات اللازمة ليصبح هذا المعمل “مطابقاً للمواصفات” ولا يعود ينفث السموم في أجواء منطقة الذوق؟
وهل سيشرف الوزراء المعنيون على التأكد من فواتير المدارس والمستشفيات والمختبرات لتكون مطابقة لمواصفات الحد الأدنى من المنطق المقبول؟
والأهم هو، هل سننتقل الى حكومات “مطابقة للمواصفات” الديمقراطية بحيث تكون تمثل الأكثرية البرلمانية أو تحالفاً يمثل الأكثرية وتبقى الأقلية في صف المعارضة ليتمكن مجلس النواب من أداء دوره في الرقابة على عمل الحكومة عوض أن نبقى في حكومات هجينة تشكل برلماناً مصغراً وتلغي النظام الديمقراطي البرلماني؟
الثابت أننا لا نعيش في ظل انقلاب لا عسكري ولا سياسي، والثابت أننا محكومون من الطبقة السياسية نفسها التي أغلبيتها لن ترضى يوماً بتطبيق قانون “من أين لك هذا؟” لكي يعرف اللبنانيون علناً من هم أركان شبكة الفساد التي حكمتهم لعقود طويلة!