IMLebanon

الطاقة النووية خيار استراتيجـي لتنويع مصادر الطاقة المحلية

nuclear-power
«نووي الإمارات» مشروع محلي يتحوّل نموذجاً عالمياً (2 – 2)
حددت الإمارات الطاقة النووية خياراً استراتيجياً، لا عودة عنه، في سبيل تنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على النفط، تلبية للطلب المتنامي على الكهرباء في الدولة.
وعلى الرغم من احتدام الجدل بين مؤيدي ومعارضي التوسع في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، فإن الواقع يشير إلى رجحان الرأي المؤيد، بفضل التقدم التكنولوجي الهائل الذي تحقق في هذا المجال، والمعايير العالية جداً لاحتياطات الأمن والسلامة النووية التي اعتمدتها الدولة في برنامجها، إضافة إلى التدريب المستمر للكوادر على مجابهة الطوارئ، فضلاً عن الوعي المجتمعي بأهمية التوجه لمصادر نظيفة للطاقة في مواجهة تنامي ظاهرتي الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
كيفية إنتاج الوقود النووي
بحسب دراسة أجرتها مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، يتم إدخال الوقود النووي في حبيبة الوقود المصنوعة من السيراميك، وهي تقريباً بحجم رأس الأصبع، وحبيبة واحدة من الوقود النووي تنتج كمية الكهرباء نفسها التي ينتجها 474 لتراً من النفط، وكمية الكهرباء نفسها التي ينتجها طن من الفحم، كما أن الحبيبة الواحدة قادرة على إنارة بيت في الإمارات وتبريده مدة أربعة أشهر كاملة.
وقد طلبت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية معايير سلامة مرتفعة جداً، فحبيبة الوقود النووي مصنوعة من سيراميك مقاوم للحرارة، وهي طبقة حماية قائمة بذاتها، تدخل بعدها في أعمدة الوقود النووي لتدخل بدورها في ما بعد حزمة الوقود النووي، ومن ثم إلى المفاعل نفسه لتوليد الطاقة، موضحة أن جدار المفاعل سمكه 30 سنتيمتراً من الحديد الصلب، لتحمل درجات الحرارة والحوادث، كما أن قبة المبنى فوق المفاعل سمكها 1.5 متر، وهي مكونة بشكل أساسي من الخرسانة المسلحة لحماية العاملين والبيئة.
وتأخذ مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على عاتقها تحدي توفير مصدر موثوق به للطاقة يغطي 25% من احتياجات الدولة بحلول عام 2020، بعقد قيمته 20 مليار دولار (73.5 مليار درهم)، يعد العقد المدني الأكبر على مستوى المنطقة، والثاني في العالم بعد البرنامج النووي الصيني.

3 أضعاف المتوسط العالمي
وبداية، تفيد مؤسسة الإمارات للطاقة النووية بأن الطلب على الطاقة في الإمارات يرتفع بمعدل سنوي يراوح بين 8 و9%، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، ويعد توفير مصدر موثوق به للطاقة الكهربائية أمراً في غاية الأهمية للنمو المستقبلي في الدولة، مؤكدة أنها تأخذ على عاتقها هذا التحدي، وتعمل على تحقيق هدف يتمثل في توفير الكهرباء للشبكة المحلية اعتباراً من عام 2017، متوقعة أن تشكل الطاقة النووية مصدراً لنحو ربع احتياجات الدولة من الكهرباء بحلول عام 2020.
وأكدت أن عنصر السلامة يحظى بالأولوية القصوى في مقدمة هذا الالتزام، إذ إنه لا شيء أكثر أهمية من سلامة العاملين بالمشروع والمجتمع والبيئة.
وأوضحت أنها أنجزت ما نسبته 61% من بناء المحطة الأولى (الوحدة النووية السلمية الأولى)، و37.2% من المحطة الثانية، وبدأت بإنشاءات المحطة الثالثة بنجاح لافت، فيما سيشهد العام المقبل البدء في إنشاء المحطة الرابعة، متوقعة إنجاز المحطات الأربع في مواعيدها الزمنية المحددة سلفاً، إذ سيتم الانتهاء من المحطة الأولى في مايو 2017.
وأضافت أن طاقة كل محطة من المحطات النووية الأربع تبلغ 1400 ميغاواط، وستوفر المحطات الأربع طاقة آمنة ونظيفة وفاعلة تصل إلى 25% من احتياجات الدولة من الطاقة الكهربائية، وستجنب الدولة إنتاج ما يصل إلى 12 مليون طن سنوياً من الانبعاثات الكربونية الضارة.
مشروع استراتيجي عربي
وقال المدير العام للهيئة العربية للطاقة الذرية، الدكتور عبدالمجيد المحجوب، إن «المشروع النووي الإماراتي مهم واستراتيجي، ليس للإمارات فحسب، بل للمنطقة العربية أيضاً، نظراً للحاجة إلى توليد الكهرباء من مصادر مستدامة، إضافة إلى إمكانية تحسين جودة المياه المحلاة»، مشيراً إلى أنه «بحلول عام 2017 يبدأ إنتاج الكهرباء وفق المعلن من قبل إدارة المشروع، ما يعني وجود نموذج يمكن الاستفادة منه عربياً وإقليمياً».
وأوضح لـ«الإمارات اليوم»، أنه «مع بدء الإنتاج، ستغدو الإمارات أول دولة عربية تستفيد من التطبيقات السلمية للطاقة النووية»، لافتاً إلى أنه شاهد خلال زيارات عدة لدول غربية وآسيوية شباباً إماراتيين يتدربون ويدرسون برامج الطاقة النووية، سيمثلون بدورهم خبرة كبيرة للعالم العربي يمكن الاستعانة بها.
وأكد أن «وجود شبكة ربط كهربائي خليجي يمثل بنية تحتية جاهزة تمكن الإمارات والدول المحيطة من الاستفادة من فائض الكهرباء الناتج عن المشروع».
حقائق نووية
وأضاف المحجوب، في دراسة حديثة أعدها، وحصلت «الإمارات اليوم» على نسخة منها، أن «الطاقة المنطلقة من انشطار أنوية بعض العناصر، استخدمت ــ بعيد اكتشافها ــ للأغراض العسكرية في أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن في خمسينات القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب العالمية، تم الانتباه إلى الاستخدام السلمي للانشطار النووي، وتحديداً في توليد الطاقة الكهربائية، إذ أنشئت مفاعلات القوى النووية لأغراض توليد الكهرباء، حتى أصبح العالم ينتج الآن كهرباء من الطاقة النووية، بما يعادل مجموع الطاقة الكهربائية المتحصل عليها من جميع المصادر مجتمعة عام 1960».
ووفقاً للدراسة، تولد الطاقة الكهربائية حالياً نحو 14% من كهرباء العالم بواسطة 436 مفاعلاً نووياً في 31 بلداً، بقدرة إجمالية تصل إلى 376 ألف ميغاواط كهربائي، وهناك نحو 17 بلداً تعتمد على الطاقة النووية في توليد أكثر من ربع حاجتها من الكهرباء.
ويشير المحجوب في دراسته إلى أن «فرنسا ــ على سبيل المثال ــ تولد 78% من حاجتها من الكهرباء باستخدام الطاقة النووية»، لافتاً إلى أن «الطاقة النووية كمصدر للكهرباء تعد الأسرع نمواً بين مصادر الطاقة الرئيسة الأخرى، إذ يوجد نحو 71 مفاعلاً تحت الإنشاء، كما أن هناك مخططاً لإنشاء 174 مفاعلاً أخرى، وهذه المفاعلات يزداد أمانها وكفاءتها يوماً بعد يوم».
طاقة المستقبل
وتابع المحجوب في دراسته أنه «من خلال النقاش المحتدم بين مؤيدي توليد الكهرباء من الطاقة النووية، ومعارضيها الذين يتحفظون على قضايا خاصة بإدارة النفايات النووية واقتصادات الكهرباء النووية وأمانها، مقارنة بغيرها من المصادر، وعلاقتها المحتملة بالأسلحة النووية، وموقف الجمهور منها، أصبحت الكفة تميل بشكل واضح لمصلحة المؤيدين، نتيجة الجهود الجبارة والحلول المبتكرة لمعظم هذه التساؤلات، لذا يمكن القول إن الطاقة النووية هي المصدر المستقبلي الأكثر ضماناً».
وقالت الدراسة إن «حادثة فوكوشيما في اليابان مثلت فرصة لتحسين متطلبات أمان المفاعلات النووية والاستعداد والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعات النووية، إذ أجريت مراجعات جوهرية على أنظمة السلامة وتقدير المخاطر والتهديدات المحتملة»، منوهة بأن «العالم بات يشهد تطوراً سريعاً في التقنيات النووية والحلول المبتكرة في مجال الأمان والتخلص من النفايات، ودورة الوقود المشع، ما يجعل منها داعماً رئيساً لأمن الطاقة الوطني والعالمي، إذ تم إدارة النفايات المشعة بنجاح في نصف القرن الأخير، وتم بناء عشرات منشآت التخزين وتصريف المواد المشعة ذات الإشعاع العالي والمتوسط».
تدريب الكوادر الوطنية
خرّجت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في أكتوبر الماضي الدفعة الأولى من مهندسي صيانة محطات الطاقة النووية، الذين سيشرفون على عمليات الصيانة وضمان تنفيذها وفقاً لأعلى معايير السلامة، وذلك عند تشغيل أولى هذه المحطات في عام 2017.
وضمّت الدفعة 40 مهندساً ومهندسة من الشباب المواطن، ممن التحقوا ببرنامج «رواد الطاقة» لتنمية الموارد البشرية، التابع للمؤسسة، واستكملوا برامج ودورات متخصصة لمدة 18 شهراً، كانت 10 أشهر منها تحت إشراف مدربين متخصصين تابعين لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية في معهد التكنولوجيا التطبيقية بأبوظبي، وتبعها ثمانية أشهر في أحد مراكز التدريب للشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) في كوريا الجنوبية، المقاول الرئيس للمؤسسة.
وسينضم الخريجون إلى فريق عمل المؤسسة، إذ تتلخّص مهامهم الرئيسة في إدارة سلامة العمليات الميكانيكية والكهربائية وأجهزة القياس والتحكم والإشراف على عمليات الصيانة اليومية في أولى محطات الطاقة النووية السلمية بالدولة، التي ستباشر عملياتها التجارية في عام 2017.
وأضافت المؤسسة أنه يوجد حالياً أربع مجموعات من مهندسي الصيانة الذين يخوضون مراحل مختلفة من التدريب في برنامج «روّاد الطاقة»، وهذه الدفعة من مهندسي الصيانة هي إحدى هذه المجموعات الأربع، وسينضم معظم خريجوها إلى فريق الصيانة في المؤسسة، المسؤول عن ضمان عمل جميع معدّات المحطات على نحوٍ سليم ووفقاً لأعلى معايير السلامة الصارمة التي حددتها المؤسسة، في حين سينضم ستة منهم إلى قسم التخطيط والجدولة للإشراف على عمليات الصيانة والتخطيط لعمليات إيقاف التشغيل المؤقت في المحطات بهدف الصيانة.
وأوضحت المؤسسة أنها تلتزم بتطوير مهارات الكوادر الوطنية في مجالات العلوم والهندسة وتكنولوجيا الطاقة النووية، حتى يكون لهم أدوار أساسية وحاسمة في قطاع الطاقة النووية بالدولة، مشيرة إلى أنها ستقدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مجموعة من المنح الدراسية للطلبة الإماراتيين في برنامج «رواد الطاقة».
وأكدت أن عدد الموظفين في المؤسسة وصل إلى أكثر من 1200 موظف، 62.5% منهم من مواطني الدولة، وبذلك حققت المؤسسة مسعاها في الحفاظ على نسبة توطين لا تقل عن 60%.
وتتوقع المؤسسة حاجتها إلى 2500 موظف لتشغيل محطات الطاقة النووية الأربع، وتالياً توفير طاقة نووية آمنة وفعالة وصديقة للبيئة.