IMLebanon

بكين لن تعتمد على الين الرخيص لدعم النمو

ChinaJapan2
هيني سندر

قبل عام، كثير من صناديق التحوّط كانت تُهنئ نفسها على واحدة من أفضل أفكارها: الاقتراض بالين الياباني الرخيص، والاستثمار في صفقات طويلة الأجل على عملة الرنمينبي الصينية.

كان التداول آمنا ومربحا على حد سواء. العملتان هما من بين أكثر العملات الخاضعة للسيطرة في العالم. الحكومة اليابانية، مع الدعم القوي من بنك اليابان، كانت تفعل كل ما تستطيع لتخفيض قيمة عملتها.

في الوقت نفسه، كانت الحكومة الصينية قد سمحت بأن ترتفع قيمة عملتها بشكل ثابت – نحو 35 في المائة من حيث الوزن التجاري النسبي منذ عام 2005. عملة الرنمينبي التي ترتفع ببطء كانت جزءاً من سياسة بكين لإجبار شركات التصنيع على الارتفاع على سلسة القيمة المُضافة. كما كان ذلك أيضاً جزءاً من سياسة لتدويل استخدام الرنمينبي، خاصة بين شركات التصدير الصينية والزبائن في الخارج.

ومع أن الضوابط على رأس المال تبقى، فإن الهدف من التدويل هو أن يصبح الرنمينبي في نهاية المطاف، عملة احتياط جنباً إلى جنب مع الدولار.

بعد مرور عام، تغيّر الكثير في عالم العملات المتقلّب. انخفضت الروبية الإندونيسية أخيرا إلى أدنى مستوياتها منذ 16 عاماً مقابل الدولار.

كما شهدت البرازيل وروسيا انخفاض قيمة كل من الريال والروبل. عملتا الهند وتركيا، المستفيدتان الأكبر من انخفاض أسعار النفط، كانتا في الأساس مدعومتين من قِبل ذلك التطوّر، لكنهما أيضاً كانتا تنخفضان مقابل الدولار القوي مرة أخرى.

كذلك قررت كوريا الجنوبية تخفيض أسعار الفائدة مرتين منذ شهر آب (أغسطس) في محاولة للحفاظ على عملتها من الارتفاع فوق الحد مقابل الين. وكما توقع محللون فإن الصين ستخفض بالمثل قيمة الرنمينبي. في فصل الربيع، عندما سمحت الصين أو شجّعت (اعتماداً على مدى السيطرة الذي تعتقد أن العملة كانت خاضعة لها) انخفاض العملة بنحو 3 في المائة، بدا هذا الرأي صحيحاً.

مع ذلك، تُشير البيانات الصادرة عن إدارة الدولة للنقد الأجنبي، أن هذه الخطوة كانت نتيجة الرغبة للتقلّب ذي الاتجاهين “وفقاً لمبادئ السوق” في الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى عملة الرنمينبي تماماً كما كانت لدى صناديق التحوّط: رهان آمن ذو اتجاه واحد. محللون في بنك جولدمان ساكس كتبوا في أحد الأبحاث الأخيرة، يرون أن: “عملة الرنمينبي تعتبر بمنزلة معقل للقوة النسبية، في عالم العملات الأجنبية للأسواق الناشئة”. تلك السياسة تبقى على حالها – مع أنه في هذه اللحظة، فإن الموقف يبدو مخالفا للحدس السليم.

قررت الصين أخيرا تخفيض أسعار الفائدة بالتحديد لأن اقتصادها آخذ في التباطؤ في الوقت الحاضر. عبء الديون الحقيقي يُصبح أكبر في الوقت الذي ينخفض فيه معدل التضخم. أسعار المُنتجات، كانت في منطقة انكماشية لمدة 32 شهراً ولا تزال مستمرة. يعترف بنك جولدمان أن احتمالات تخفيض قيمة العملة ربما تكون قد بدأت في الارتفاع. ويذكر التقرير أن “القوة واضحة من حيث الوزن التجاري النسبي، نظراً لخلفية النمو الضعيف، ومعدل التضخم المنخفض وتخفيض قيمة العملات في الدول المجاورة- خاصة الخطوة الكبيرة في سعر صرف الين. كما يبدو أيضاً أن الأسواق تستشعر وجود بعض نقاط الضعف، في الوقت الذي تنجرف الأسعار الفورية للعملة في البر الصيني نحو النهاية الضعيفة لنطاق التداول”.

مع ذلك، في الوقت الذي تتباطأ فيه الصين، فإنها تعمل على إبطاء قاعدة أوسع بكثير. في الوقت الذي يتقدم فيه سكانها في السن، تستطيع أن تبدأ بالتخلص من نموذجها السابق، القائم على القيمة المنخفضة المضافة والمدفوع بالتصدير، الذي اشتعل جزئيا بفعل العوامل الضخمة لاقتصاد وفورات الحجم والرنمينبي الرخيص.

فضلا عن ذلك، لا يعني النمو المنخفض أن يكون النمو ذا نوعية متدنية، وإنما العكس هو الصحيح. تتحرك الصين الآن نحو نموذج مدفوع محليا، بحيث يبتعد عن نموذجها القائم على الاستثمار الكثيف، والذي يستخدم الموارد الطبيعية بكثافة ويؤدي إلى التلوث الكثيف. في الفترة الأخيرة.

وللمرة الأولى، ساهم الاستهلاك بحصة في النمو تفوق مساهمة الاستثمار. كجزء من هذا التحرك، تسمح الصين الآن للأجور بالارتفاع.

حين تكون السوق المحلية في وضع صحي أفضل، فإنها سوف تجعل المجال مفتوحا أمام مصادر جديدة للنمو، وهو ما سيضع الصين على مسار يتمتع بقدرة تنافسية أكبر. رأس المال المادي الرخيص، ورأس المال البشري المثير للإعجاب، سوف يعمل على إثارة الابتكار، وربما حتى يكون مفيدا في إعادة إنعاش قطاع التصنيع عن النهاية الراقية.

التنقيب في البيانات، وعلم الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، هو اليوم ضمن اختصاص البلدان المتقدمة. سوق تعمل الصين على تحدي هذا الاحتكار. منذ الآن نجد أن نطاق صناعة الإنترنت على الجوال لا يسمح للصين بأن تتقدم بخطوات كبيرة فحسب، بل أيضا بأن تتفوق على الولايات المتحدة في بعض المجالات. في هذه الأثناء، فإن الين الياباني الرخيص يعني أن شركات التصنيع في اليابان تتعرض الآن لضغط أقل يدفعها إلى التغيير والابتعاد عن النموذج الذي تتبناه منذ الحرب العالمية الثانية، الذي تستخدم فيه السوق المحلية الأسيرة لها من أجل مساندة المبيعات العالمية. بالمقابل، لم تعد الصين بحاجة إلى الاعتماد إلى هذا الحد الكبير على عملة رخيصة من أجل مساندة مسارها نحو الرفاهية.