IMLebanon

اليونانيون المعتمدون على الصدقات يحددون مستقبل منطقة اليورو

GreeceEconomy3
كارين هوب من أثينا وتوني باربر

إنها الساعة 1:15 بعد الظهر قبيل رأس السنة الجديدة، حين توقفت سيارة شحن صغيرة لتوصيل الطلبات خارج شقة أرضية في إليوبوليس، حي الطبقة الوسطى في أثينا الذي يمر بأيام عصيبة. يصطف السكان بصبر في الفناء، يعكف متطوعون من “بريد آند آكشن” Bread and Action، وهي مؤسسة خيرية يونانية، على تفريغ صناديق مليئة بالفواكه والخضراوات ومنتجات المخابز التي مر على انتهاء صلاحية بيعها 24 ساعة.

يقول سبيروس أنجلي، وهو عامل بناء ألباني لديه ثلاثة أطفال استقر في اليونان قبل عقدين من الزمن: “نحصل على كيسين كل يوم تقريبا. لا نتمكن من البقاء على قيد الحياة بدونهما”. ويضيف: “لم أزاول عملا منذ نحو ثلاث سنوات، وأخيرا تخلت زوجتي عن وظيفتها الخياطة، لأنها لم تتلق أجرا منذ ستة أشهر. لقد نفدت مدخراتنا تقريبا”.

وفي الأسبوع الماضي فشل البرلمان اليوناني في انتخاب رئيس جديد، ما أدى إلى انتخابات عامة مبكرة من المقرر أن تجري في 25 كانون الثاني (يناير). ويمهد هذا الطريق لعدة أسابيع، إن لم يكن عدة أشهر، مليئة بالمتاعب في مفاوضات ما بعد الانتخابات بين اليونان ودائنيها الدوليين، مع عدم وجود إجابات واضحة على ثلاثة أسئلة.

هل تبقى اليونان في منطقة اليورو أم تتركها؟ هل تستمر في إصلاحات الاقتصاد وإدارة الدولة التي يعتبرها دائنوها شرطا أساسيا للمساعدة في المستقبل، أم هل يعتبر ناخبوها هذه الإصلاحات مرتبطة بشكل وثيق بالتقشف المفروض من الخارج ويقولون بئس المصير لكليهما؟ وهل تصيب متاعب اليونان بقية منطقة اليورو، مثلما فعلت بشكل خطير في الفترة من 2010 حتى 2012؟

بالنسبة لسكان إليوبوليس، ما يهم الآن هو إمدادات المؤسسة الخيرية. ماريا كالوجيروبولو (70 عاما) وهي مدرسة متقاعدة، تقول إن الصدقة اليومية “تبقيني في صحة جيدة (…) منذ قطع معاشي، أستطيع فقط تحمل نفقات المعكرونة وعدد قليل من المنتجات المعلبة”.

عشرات من الجمعيات الخيرية المحلية التي تحاول مساعدة “الفقراء الجدد” في اليونان، أقامت علاقات مع سلاسل محال السوبر ماركت اليونانية تلك المملوكة لأجانب، وكذلك مع بنوك الطعام ومحال البقالة الاجتماعية، في الوقت الذي خفضت فيه الأزمة المتفاقمة متوسط الدخل بمقدار الثلث ودفعت معدل البطالة إلى أعلى، ليصل إلى نحو 28 في المائة من القوى العاملة.

كانت شبكة الأمان الاجتماعي في اليونان تمثل إنجازا كبيرا لعصر الديمقراطية بعد عام 1974 الذي جاء مع رخاء مدعوم بعضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي. لكنها سرعان ما انهارت منذ بداية أزمة الديون في عام 2009 تقريبا، وفرض إجراءات التقشف التي طالب بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في مقابل عمليات إنقاذ تبلغ قيمتها 245 مليار يورو.

وتم تخفيض المعاشات التقاعدية بمعدل 40 في المائة؛ ويتم قطع معظم إعانات البطالة بعد 12 شهرا؛ وارتفعت رسوم وصفات الأدوية أكثر من 30 في المائة. وكثير من العاطلين عن العمل على المدى الطويل يفقدون حق الحصول على خدمات الرعاية الصحية المقدمة من الدولة. وتواجه الطبقة الوسطى اليونانية عبئا ضريبيا إضافيا خانقا من الرسوم الجديدة على العقارات، وهي الاستثمار المفضل نظرا للتضخم المرتفع في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل.

في انتخابات هذا الشهر، سيواجه الناخبون خيارا: إما قبول مزيد من تدابير التقشف في مقابل وعود بالاستقرار المالي والانتعاش التدريجي تحت حكم حزب الديمقراطية الجديدة المنتمي ليمين الوسط، أو دعم سيريزا، حزب المعارضة اليساري الراديكالي الذي يتصدر استطلاعات الرأي بفارق أربع نقاط مئوية بعد أن تعهد بالمطالبة بشروط خطة إنقاذ لينة واستعادة المنافع الاجتماعية.

ولمعالجة ما يسميه “أزمة إنسانية”، وضع أليكسيس تسيبراس، زعيم سيريزا، برنامجا بتكلفة تبلغ ملياري يورو لليونانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر. ويشمل البرنامج معاشات أعلى وكهرباء مجانية لنحو 300 ألف أسرة (عدد سكان اليونان 11 مليونا)، وعلاجات مجانية، ورعاية صحية في المستشفيات للعاطلين عن العمل، ودعم إسكان لـ 25 ألف أسرة من ذوي الدخل المنخفض في أثينا. كل هذا يتم الدفع له من قبل حملة على الإنفاق المسرف والتهرب من دفع الضرائب من قبل الأثرياء، كما يؤكد تسيبراس لليونانيين.

ويعد سيريزا أيضا برفع الحد الأدنى للأجر الشهري بما يقارب 50 في المائة، ليصل إلى 750 يورو، وهذه كما يقول أرباب العمل، خطوة مؤذية للشركات التي نجت من الركود لمدة ست سنوات من خلال خفض التكاليف.

وتقول إيمانويلا بابازوجلو، التي تدير فندقا على جزيرة كريت: “لقد نجحنا في المرور من خلال الأزمة لأن الموظفين قبلوا بأجور أقل من الحد الأدنى، وعمل جميع أفراد العائلة خلال موسم الصيف”. وتضيف: “الحجوزات تبدو جيدة لعام 2015، لكنني خائفة مما يمكن أن يحدث إذا تولى سيريزا السلطة”.

من جانبهم، شركاء اليونان في منطقة اليورو لا يعترفون بأنهم يشعرون بالخوف من تولي تسيبراس. لكنهم أصبحوا معتادين كثيرا على تقديم المشورة وتوبيخ إدارة اليونان على مدى السنوات الخمس الماضية، عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، إلى درجة لم يعودوا يكترثون بإخفاء ميولهم.

وقال بيير موسكوفيتشى، مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين الماضي: “الالتزام القوي بأوروبا والدعم الواسع بين الناخبين اليونانيين والقادة السياسيين لعملية الإصلاح السهلة واللازمة، ضروريان لليونان من أجل أن تزدهر مرة أخرى داخل منطقة اليورو”.

ومغزى رسالته على النحو التالي: يجب على الناخبين الحذر من وعود تسيبراس الكاذبة بشأن ما يمكن أن تحققه حكومة يقودها سيريزا. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهو واثق تماما أنه لن تكون هناك حكومة يونانية قادرة على تحدي مطالب الدائنين الخاصة بتنفيذ الإصلاحات باعتبارها ثمن المساعدات المالية، التي لولاها لكانت آفاق بقاء اليونان في منطقة اليورو تنزلق مثل الرمال من خلال أصابع السياسيين الدائنين.

إحدى البطاقات القوية الموجودة في أيدي الدائنين هي أن التمويل في اليونان يحتاج في 2016/2015 إلى نحو 28 مليار يورو. وقدرة أثينا على الاستفادة من الأسواق المالية العالمية ضعيفة بحيث لن يكون أمامها أي مكان تقريبا للجوء إليه سوى الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وكلما ازداد تطرف السياسة من قبل الحكومة التي يقودها سيريزا، فإن مزيدا من المستثمرين من القطاع الخاص سيتجنبون شراء السندات اليونانية.

البطاقة الثانية القوية هي أنه إذا كان سيصبح تسيبراس رئيسا للوزراء بعد 25 كانون الثاني (يناير)، فقد يكون لديه أكثر قليلا من شهر واحد للتفاوض مع الدائنين قبل أن ينتهي مفعول القسم الخاص بالاتحاد الأوروبي في صفقة إنقاذ اليونان، الذي تم تمديده في الشهر الماضي حتى 28 شباط (فبراير). ومع حلول أجل أكثر من 4.5 مليار يورو من السندات والفوائد المستحقة لدائني بنهاية آذار (مارس)، وما مجموعه 6.5 مليار يورو في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، يمكن أن يكون تسيبراس تحت ضغط هائل للتوصل إلى صفقة. وعلى الرغم من إدراك مفاوضي الاتحاد الأوروبي، المزعج، بأنه ما من حكومة يونانية في مرحلة ما بعد عام 2009 عملت على تحديث الدولة وتحرير الاقتصاد بالقدر المطلوب، إلا أنهم يصرون على مزيد من الإصلاحات الهيكلية وعلى – إذا ما تولى تسيبراس السلطة – قدر من الإنفاق العام الجديد يقل كثيرا عما يعد به.

البطاقة الثالثة هي أنه إذا كانت اليونان ستستفيد من برنامج شراء السندات الحكومية الذي يتوقع على نطاق واسع أن يكشف البنك المركزي الأوروبي النقاب عنه في 22 كانون الثاني (يناير)، قد لا يكون لدى حكومة يقودها سيريزا أي خيار سوى أن تلتزم بمسار الإصلاح. ومن غير المتصور للبنك المركزي الأوروبي أن يشتري السندات اليونانية، إلا إذا توصلت الحكومة في أثينا أولا إلى اتفاق بشأن هذه الشروط مع الدائنين الرسميين.

من الناحية النظرية، يمكن لتسيبراس الذهاب إلى الخيار النووي، وهو إعلان الإفلاس، والعجز عن سداد الديون. من الناحية العملية، يبدو هذا أمرا مستبعدا تماما، لأنه سيثير مرة أخرى مسألة مكانة اليونان في منطقة اليورو، وحتى في الاتحاد الأوروبي نفسه. النخبة من رجال الأعمال والسياسيين المؤيدين لأوروبا في اليونان يعتبرون مثل هذه النتيجة بمثابة كارثة. وفي الوقت الحاضر، حتى تسيبراس نفسه لا يدعو لمثل هذه الخطوة الجذرية.

الأمر الأكثر احتمالا هو تسوية نشهد فيها الحكومة اليونانية المقبلة وهي تعِد بالإصلاحات في مقابل الإعفاء من الديون، الذي تستطيع ألمانيا والدائنون الآخرون تقديمه إلى الناخبين في بلادهم باعتباره شيئا مختلفا عن التراجع عن الديون. وإذا تمت الموافقة على تأجيل دفع الديون، إلى جانب تمديد تواريخ استحقاق جزء من الديون الرسمية لليونان 50 أو 60 سنة أخرى، فربما ينجح هذا في تحقيق الغرض.

المبادرة المنتظرة من البنك المركزي الأوروبي بخصوص شراء السندات، على الرغم من أنها تثير الجدل في ألمانيا في أعلى المستويات في البنك المركزي نفسه، هي أحد الأسباب التي تفسر لماذا لم تعمل هشاشة اليونان على زعزعة الاستقرار في بقية منطقة اليورو. وبصورة عامة، وجهة نظر الأسواق المالية هي أن هناك ضعفا خطيرا في الطلب في اقتصاد منطقة اليورو، وأن إجراءات البنك المركزي الأوروبي ستفعل شيئا لعلاج هذا الأمر.

سبب آخر وراء الهدوء النسبي للأسواق هو أن الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2010، كان يسلح نفسه بأدوات مختلفة من أجل التصدي للجيشان المالي، بما في ذلك صناديق الإنقاذ المدعومة من الحكومات، واتحاد مصرفي جزئي، ومراقبة ميزانيات البلدان، وجهود الإصلاح من بروكسل.

لكن الأحداث في 2015 و2016 ربما تُظهِر تحديا أكبر أمام استقرار أوروبا، يتمثل في احتجاج أحزاب اليمين واليسار، وبعضها معاد لليورو وللإنجازات الأساسية للاتحاد الأوروبي، مثل السوق الموحدة، وهي أحزاب تكتسب القوة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

في 2012، حين هزم حزبُ الديمقراطية الجديدة حزبَ سيريزا بفارق ضئيل في انتخابات متتالية، درست ألمانيا والبلدان الأخرى في الاتحاد الأوروبي بصورة جادة إمكانية أن تُترَك اليونان لتغادر منطقة اليورو. وكان الجو العام في أثينا متوترا وينذر بالشر.

الآن يقول نائب اشتراكي سابق: “المزاج العام حاليا مختلف عن 2012. فهو أقل شعورا بالهلع. لكنه سباق مشدود، ونواجه القضية نفسها مثل المرة الماضية: هل ستأتي الانتخابات بحكومة مستقرة، أم أننا سنواجه فترة أخرى من اللبس مع انتخابات أخرى؟”.