IMLebanon

حتى لا تتكرّر مأساة جبل محسن! (بقلم رولا حداد)

TRIPOLI LEBANON-ATTACK

كتبت رولا حداد

التفجيران الانتحاريان اللذان استهدفا مقهى في جبل محسن أقل ما يُقال فيهما إنهما يشكلان عملاً إرهابياً بكل المعايير، وهذا أمر مرفوض ومدان.

لكن الكلام لا يكفي. وفي حالة العمل الانتحاري لا يمكن معاقبة الفاعل بطبيعة الحال بعدما يكون تحوّل أشلاءً. ما العمل إذن؟ العمل يجب أن ينصبّ على اتجاهين:

ـ الاتجاه الأول أمني، ويقضي بتعزيز الأمن الوقائي والاستعلامي للحد قدر الإمكان من “مفاجآت” العمليات الانتحارية والتفجيرات وكل العمليات الإرهابية.

ـ الاتجاه الثاني سياسي- اجتماعي لمحاولة معالجة الأسباب الحقيقية التي دفعت بشابين لبنانيين الى تفجير نفسيهما في هكذا عملية.

وإذا كان الجانب الأمني من اختصاص المعنيين الذين يقومون بجهود جبّارة، فإن المستوى السياسي- الاجتماعي لا يزال بعيداً جداً عن المطلوب إنجازه.

وهنا لا بدّ من التوقف عند وقائع محددة لتسليط الضوء على ما أوصلنا الى عملية جبل محسن المزدوجة:

ـ أولاً: بقيت جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس في آب 2013 من دون عقاب، وبقي المطلوبون “فارين” من وجه العدالة. لا بل شكل سقوط أحد المطلوبين الأساسيين في تفجير المسجدين، في انفجار مقهى جبل محسن دليلاً ساطعاً على أن المطلوبين في كل الجرائم، حين يكونون من أنصار النظام السوري و”حزب الله” فإنهم يصولون ويجولون تحت أنظار القوى الأمنية من دون أن يتم توقيفهم. وعندما يغيب منطق الدولة والقانون تسود شريعة الغابة ويصبح الأخذ بالثأر أمراً مفهوماً وإن كان غير مقبول.

ـ ثانياً: كل التسويات السياسية التي أدت الى إنهاء سنوات من النزاع بين جبل محسن العلوي وطرابلس السنية، بقيت في الإطار النظري ولم يتم استكمالها بمصالحات فعلية على الأرض. لا بل إن التسويات السياسية التي حصلت، وأمّنت “تهريب” مطلوبين ومسؤولين، أدت الى مزيد من الاحتقان وشعور بالغبن لدى جمهور الطائفة السنية في لبنان، وخصوصاً في طرابلس، وتحديداً بعد كل ما حصل من عبرا مروراً بعرسال ووصولاً الى طرابلس.

ـ ثالثاً: يشكل استمرار “حزب الله” في القتال في سوريا عنوان فتنة مذهبية كبرى، ضارباً عرض الحائط كل المطالبات اللبنانية له بالانسحاب من سوريا. لا بل إن العناوين التي تتظهر من خلال مشاركته في الحرب السورية، سواء لناحية حماية نظام بشار الأسد أو لناحية قتل أبناء الطائفة السنّية، إنما يزيد تسعير الاحتقان المذهبي في مواجهة “حزب الله” وحلفاء النظام السوري في لبنان، وفي طليعتهم الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن الذي يصرّ على رفع صور بشار الأسد، آخذاً من أبناء جبل محسن رهينة فعلية في المواجهة القائمة.

ـ رابعاً: إن إصرار “حزب الله” على البقاء بسلاحه حرس حدود لنظام الملالي الإيراني على حدود البحر الأبيض المتوسط. هذا السلاح المتهم حتى إشعار آخر من أعلى سلطة قضائية دولية باغتيال الزعيم السني الأول في لبنان، وحتى في المنطقة، الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبالتالي فإن استمرار هذا السلاح خارج الشرعية سيظل سبباً للفتنة وسبباً للبحث عن “توازن ما” يلجأ إليه البعض من خلال العمليات الانتحارية.

ـ خامساً: يكفي النظر الى منزلي الانتحاريين ليدرك الجميع كيف ان البؤس الاقتصادي والاجتماعي يشكل الدافع الأول للذهاب نحو التطرّف الديني والمذهبي وتنفيذ العمليات الانتحارية. فلا شيء يخسره من لا يملك فعلياً أي شيء!

بناء على كل ما تقدّم، ثمة الكثير لفعله سياسياً وإنمائياً، والأهمّ وضع الإصبع على الجرح ومعالجة الأسباب الحقيقية للمشكلة عوض الاكتفاء بوهم حوار لا يجرؤ حتى على الخروج بصورة!