IMLebanon

جولاتٌ من الحوار بين الأمس اليوم.. والرابح “حزب الله” (رولان خاطر)

hezbollah

 

بقلم رولان خاطر

تقترب الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذكرى العاشرة لثورة الأرز، وحرية لبنان مقيّدة، وسيادته ما زالت منقوصة، واستقلاله مرتبط بنجاح سياسات إيران التوسعية، ومطوّق بتفوق مشروع “حزب الله” من جهة، أو الجماعات الإرهابية الطارئة على المجتمع اللبناني من جهة أخرى.

وسط هذا الصراع، تدور في المجال السياسي طروحات عدة، منها مسألة الحوار، الذي فرض على الأفرقاء السياسيين إجراء تعديل في الخطاب الإعلامي، ووقف الحملات، وتعميم التهدئة، التي يسعى إليها “حزب الله” داخلياً، المتهم الأساس بتعميم الفوضى الأمنية والسياسية وضرب مؤسسات الدولة.

المؤسف أن صورة الحوار بالأمس لا تختلف عن صورة اليوم، مع وجود عامل مساعد أن الحوار حالياً ثنائي بين المكوّنات السياسية، و”تيار المستقبل” يذهب إلى الطاولة مع “حزب الله” متمسكاً بثوابته ومبادئه، على الرغم من عدم قدرته على فرض أجندة معينة على الحوار. ومع تحديد السقف من قبل الحزب، انطلق الحوار السني – الشيعي من النقطة صفر.

فإعادة ترتيب الأولويات لتتناسب مع ما يجري في المنطقة لا تفرض حواراً غير متكافئ، لا من حيث الشكل ولا بالمضمون، خصوصاً أن الفريق السنّي لا يمتلك سلاحاً، بل سلاماً. فـ”تيار المستقبل” الذي ينطلق من مبدأ “من اجتهد وأصاب فله أجرَيْن، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد”، يورّط قوى 14 آذار في سياسات لم تشتهيها يوماً، ويساهم في مسألة استنزافها بانتظار الوقت المناسب للفظ أنفاسها، كما يجعلها ممراً لكل المشروع الايراني في لبنان والمنطقة.

ظاهرة الارهاب التي تتمثل بانفلاش الجماعات السنية المتشددة الارهابية، أمثال “داعش” و”النصرة” وغيرهم، وخط النار الذي يضرب المنطقة وصولا إلى قلب اوروبا، لا يفرض الذهاب إلى حوار “حزب الله” “عراة” من كل شروط واجندات، ولو ان المسألة في العلن لا تتعلق بعدم التنازل عن الثوابت والعناوين الكبرى، “فمن جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب”، وبالتالي كم من مسألة تكتيكية أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وبدّلت في معطيات وانتجت موازين قوى مغايرة.

ألم يضرب “حزب الله” بعرض الحائط نتائج انتخابات 2009؟.

ألم يدخل الرئيس سعد الحريري في الـ2011 رئيساً لحكومة لبنان إلى البيت الأبيض وخرج منه رئيساً سابقاً للحكومة؟.

ألم يعتبر الحزب أن قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الأرز مسألة تتخطّى أيّ اعتبار أرضي، إنما فلسفة إلهية لا يفهمها إلا قديسي “حزب الله” المجرمين؟.

ألم ينزل “سراياه المقاوِمة” لتعيث الأرض فساداً وقتلاً وإجراماً وحقارةً، من احداث 23 كانون الثاني 2007، الى 7 أيار 2008، ولا نقف عند حدود التعديات على المواطنين، وعصابات السيارات، وتهريب المخدرات، والإمساك بمرافئ الدولة؟.

ألم يعلن “حزب الله” أنه ضد “إعلان بعبدا” وهو الذي وافق عليه على طاولة الحوار مع الرئيس ميشال سليمان؟.

ألم يذهب إلى سوريا خدمة للمشروع الايراني في المنطقة؟ ألم يكن تورطه في الحرب السورية السبب في استيراد الارهابيين إلى لبنان؟ ألم يكن المسبب في وجود جماعات تكفيرية على أرض لبنان، تخطف وتقتل عسكريينا ومدنيينا واقتصادنا وهويتنا؟.

أليس “حزب الله” إرهابياً وهو الذي فجّر في بلغاريا، ويقيم أكبر “كانتون” للتهريب، من بلدان إفريقيا إلى المكسيك. وهو الذي يحرَض في البحرين، وينفذ انقلابات في اليمن، ويقتل الأبرياء في سوريا، ويتسلّط في لبنان.

اللائحة تطول وتطول، ولكن ألا يكفي كل هذا لعدم الذهاب إلى حوار تحت عنوان “تنفيس الاحتقان”، و”حزب الله” المسبّب الرئيسي لهذا الاحتقان، والتشنّج المذهبي، والطائفي، والديني، والسياسي، والأمني، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي…؟. ألا يكفي لعدم الذهاب إلى حوار ممنوع تناول فيه أسباب الاحتقان والعنف والتوتر، فيما المطلوب من “تيار المستقبل” أن يغطي عورات وإجرام هذا الحزب؟.

كيف يمكن الحديث عن الأمن، و”حزب الله” ينافس المؤسسات الأمنية في لبنان، ويتجاوز كل الحدود، وينشر زعرانه “المقاوِمة” في شوارع بيروت والبقاع ومناطق عدة من لبنان؟.

كيف يمكن الحديث عن تهدئة، “وسرايا المقاومة” خط أحمر؟.

كيف يمكن الوصول إلى اتفاق على رئيس، طالما يحدّد السيد حسن نصرالله أن أي مراجعة بهذا الموضوع تكون في الرابية، وأن عون باق اليوم وغداً مرشح مشروع الايراني – السوري لرئاسة الجمهورية في لبنان؟. وهل يمكن البت بهذا الموضوع، وقد بات ملف الرئاسة بيد طهران تفاوض من خلاله على حضورها كقوة إقليمية على المسرح السياسي الدولي؟.

كيف وكيف يمكن تحقيق نتائج من حوار “حزب الله”، و”تيار المستقبل” يذهب خالي الوفاض. لا رئيسا متمسكاً به، لا جدول أعمال يفرضه، لا أفق لأي تساهل في مسائل يعتبرها الحزب مقدسة؟.

هذه هي الصورة اليوم. “حزب الله” هو الرابح الوحيد من كل حوار، أكان بالأمس أو اليوم، والخوف من المزيد من التنازلات، التي سبّبت انكسارات، وخيبات أمل، وإحباطا، لكل مشروع ثورة الأرز. ما بدأ يخلق فعلا اشتياقاً إلى رجالات هذه الثورة، وما يؤكد أن ما أراد الفريق الآخر تحقيقه من هدف الاغتيالات تحقق.

صورة الأمس، في الـ2005، كانت مليئة بالتفاؤل، والأمل، والرؤية، والثبات، والصمود، والايمان، والالتزام. صورة الأمس، فيها رفيق الحريري، باسل فليحان، بيار الجميل، جبران تويني، سمير قصير، جورج حاوي، وليد عيدو، انطوان غانم، وسام عيد، وسام الحسن، وفيها سمير جعجع وسعد الحريري ووليد جنبلاط يداً واحدة، وقلباً واحداً وقراراً واحداً. اما اليوم، فالصورة بائسة، حزينة، لا أبطال فيها، سعد الحريري فاقد الرؤية، وليد جنبلاط فاقد الالتزام، وتقتصر بعض المواقف الصلبة على “القوات اللبنانية” التي تقاتل وحيدة في ميدان الحفاظ على امانة 14 آذار وكل الشهداء. وهو امر ليس غريباً عن قاموسها، وهي التي بقيت متمسكة رغم تبدل الظروف والمعطيات بثوابتها ومبادئ شهدائها.

هي صرخة تطلق اليوم لكل من نسي، أو تناسى ويتناسى، حقبة مليئة بالنضال والدم، أن لا يعيدوا عهود ولّت. فتبدّل الظروف والمعطيات السياسية، لا تحتّم عودة صورة إميل لحود، وعدنان عضوم، ومصطفى حمدان، وعلي الحاج، وجميل السيّد، وكل رموز النظام الأمني اللبناني – السوري.

رفضنا الاحتلال السوري، وقدمنا الشهداء على مذبح الوطن من أجل “لبنان أولاً”، ورفضنا النظام الأمني اللبناني – السوري، ونرفض اليوم احتلالاً بديلاً، ونظاماً أمنياً لبنانياً – إيرانياً.

نرفض اليوم الحوار مع الارهاب، فنحن نريد كسر الارهاب، وأسباب الارهاب، وكل ما له صلة بهذا الارهاب.

لا يجب السماح بكسر مبادئ 14 آذار، وتطويق ثورتها، وروحيتها، وعنفوانها، وأبطالها. فتلك الحكاية لم تكن وليدة حاجة ظرفية أو مرحلية عابرة أو محطة تاريخية مسلوخة عن الزمان والمكان، 14 آذار حكاية عمرها من عمر النضال والمقاومة، حكاية تتغير فيها التسميات مع تبدل الأزمنة والعصور، لكن روحيّتها تبقى وتستمر حتى انقضاء الدهور.

عملية تحقيق الاستقلال، والعيش الحرّ، والحفاظ على الكيان، مشروع طريقه مملوءة بالدماء والشهادة. شهداؤنا كتبوا سيرتهم بدمهم، ورسموا الطريق لكي تبقى الشعلة مضاءة، لذلك، المطلوب إنتاج مواقف تتناسب مع خطر المرحلة. المطلوب من القوى الاستقلالية العمل الكثير، وتحديد الاستراتيجيات، فمرحلة الـ2005 انتهت، ومرفوض البكاء والاستسلام، وأن نتحوّل إلى نواطير لذاكرة وطن يحتضر. المطلوب عمل دؤوب ومنظّم، فلا تنتهي مرحلة، إلا لتبدأ أخرى، حكايات كثيرة رويت وتروى، وحكايات كثيرة يجب أن تُكتب من جديد.