IMLebanon

لماذا مي؟ (بقلم الدكتور جورج شبلي)

may-chidiac

كتب الدكتور جورج شبلي

الى التي علَمتنا أن نستمرَ في رفع شعار الحريَة، ولو بتنا اليوم لا نهمس بها الاَ حين نحسد الطيور. الى التي كنَا، عندما نستمع اليها، نهيَئ أنفسنا لعجب، فهي لا بدَ آتية بحدث. الى هذه الهوجاء في عبق الفكر، كما القلائل الذين، وهم يلتفتون الى الأبعاد، يحيون الحجر. الى التي ريشتها من عصبها، وكلماتها من خبايا العروق. الى معلَمة الذوق، المتنقَلة من قمَة الى قمَة من دون أن تستعجل في صدرها النبض. الى التي أتقنت صناعة العمق ببراعة غريبة. الى التي تخفق ولا تحكي، وتمشي على بركة المحبة أسمى الفلسفات. الى مي العنفوان على حدَ الكلمة.

ليس هيَنا أن يحلم أنسان بأعجاب جيل، فأذا بقي لبعضهم أن يضيئ في هذا الغمر، فللجبابرة وحدهم، وأنت من هؤلاء. تدخلين الى الألباب من دون معاملة، كما يدخل الجمال أعيننا بالرغم منَا. فاذا تكلَمت، ارتفع لك حجاب السمع، وأذا حلَقت أدهشت فكأنَك تنامين على الضوء، أو تبحثين في مناجم الذهب لترصَعي للفكر جبهة.

يا صديقتي مي، لكم سعينا الى مآدبك في مجاعات العقول. فأنت أيام الآحاد في اسابيع الناس، وواحدة من الأقطاب الذين رفعوا الصوت كما يصلَي الكهَان في المعابد، فكأنهم يشاهدون الله في كل مرة ترتفع بهم التقوى الى سرَ التقدمة. أنت على الكلمة كلمة ثانية، امتزت بجرأة بلغت أحيانا حدَ التحدَي، فأحدثت للجرأة مدرسة، وكنت كما غضبة الآلهة في ثورتها. أنت شكوى النضج، لذلك يصفَق لك في الأعماق لا بالأكفَ.

كلماتك ترياق للوجع المناسب، لأنه قيل: حيث الأسقام يهرع الطبيب. ايتها الغنية بأيمانك، القويمة في ولائك، الثابتة في وقفتك، الرافضة السجود للأوثان، أنت بطل متواضع يكرز بشجاعة ماهرة لا تشبه الاَ نفسها. أنت تجربة لأنتصار العين على المخرز. سقطت بوقار وخشوع، لكنَ الله تابع وعده لك، فعاودت النهوض كما الراكع أمام المذبح. تمرَدت على حكمهم بأعدامك، لأنك دائمة الصلة بالحق. أرادوا رميك في المحرقة ضحيَة يشربون فوق رمادها كؤوس غدرهم والجبانة، لكنَ الفينيق فيك صدَ سكينهم بشموخ. نطقوا باطلا في حضرة أشلائك، فارتدَ كفرهم عليهم مجهضا شهوة الألغاء. وكنت، عن حق، شهادة تعلن لله عن مقدار حبَنا له.

لماذا أنت؟ لأنهم يريدون قتل النغم في الوتر، والعطر في شذا الورود، والحرية في حناجر البلابل. ولا عجب فمن الأشرار لا يخرج الاَ الشر. لكنهم لا يعلمون بأنَ الخيط المثلوث لا ينقطع سريعا، وأنَ الباني مدينة للدماء يبتلعه الجحيم بخطيئته، وأنَ طريق الحياة لا تفسح في المجال كثيرا للاعنيها. خافوا منك  لأنك الأقوى، فحجَتك أكثر فتكا من سمَهم، وأيمانك أشدَ تحصينا من أصنامهم، وجرأتك أصلب من غدرهم. أعلمي، مي، أنَ من يجرؤ كما فعلت فأنَه يساهم في القضاء على نسل الشياطين.