IMLebanon

إيكونوميست: مستقبل الاستثمار في أفريقيا… إلى أين؟

AfricaMoneyInvest
طارق عليان
قالت صحيفة “إيكونوميست” البريطانية في تقرير لها إن أفريقيا بحاجة إلى كثير من رأس المال، مشيرةً إلى تجارب سابقة حول كيفية جلب رؤوس الأموال هذه إلى القارة السمراء.

وأشارت الصحيفة إلى أن سوق الأسهم الناميبية – التي كانت حتى وقت قريب تتخذ مقرها خلف حانة ألمانية في الهواء الطلق بجانب أحد مراكز التسوق – لا تضم سوى عدد قليل من الأسهم التي تشهد تداولاً نشطاً. ولا يعتبر تواضع هذه السوق بالشيء الغريب على أفريقيا، إذ نجد أسواق المال في القارة في أغلب الأحوال صغيرة ولا تتسم بالسيولة.
غير أن هذا ليس السبب الوحيد في الصعوبة التي يجدها روّاد الأعمال في جمع رأس المال، فبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن صناديق المعاشات التقاعدية – التي توفر رأس مال طويل الأجل في الأماكن الأخرى – تعرضت للنهب وضُيق عليها الخناق في كثير من البلدان، وقلّما يكون هناك مستثمرون قادرون على البقاء.

وأضافت الصحيفة أن البنوك المحلية تخفق في تلبية الطلب على قروض ميسورة. كما أن معدل انتشار الخدمات المصرفية منخفض، وفي ظل احتفاظ معظم الأسر المعيشية بمدخراتها تحت المرتبة، لا تستطيع البنوك إعادة تدوير الودائع على هيئة قروض. علاوة على ذلك، فإن كثيراً من هذه البنوك خضع للتأميم في سبعينيات القرن الماضي، وأدير إدارة سيئة منذ ذلك الحين، وكان السّاسة يتعاملون معها في أغلب الأحوال كما لو كانت “حصّالات”.

نقص قاتل في الاستثمار
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن أفريقيا تعاني من نقص قاتل في الاستثمار – سواء من جانب السكان المحليين أم المستثمرين الدوليين – إذ أن هناك حاجة إلى 90 مليار دولار إضافي كل سنة للبنية التحتية، ناهيك عن الأنشطة الأخرى. وهذا يخنق التنمية، حيث يُعتقد أن الاختناقات التي تشهدها البنية التحتية وحدها تخفض معدل النمو في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بمقدار نقطتين مئويتين سنوياً. لكن كثيراً من المسارات الطبيعية التي يصل من خلالها رأس المال إلى الاقتصادات مسدودة في أفريقيا.

ووفقاً للصحيفة، فإن الباب الوحيد الذي كان مفتوحاً على مصراعيه هو باب صناديق الاستثمار الخاصة، التي جمعت رقماً قياسيّاً يبلغ 4 مليارات دولار لأفريقيا العام الماضي، مما ساعد الشركات بداية من مصانع معجون الأسنان وانتهاء بمزودي خدمات الهاتف الجوال. فقد كان مديرو صناديق الاستثمار الخاصة دائماً على أتم الاستعداد بالمغامرة في المواقف التي يحجم الآخرون عن المغامرة فيها. وبالنسبة للمستثمرين الذين يريدون مزاولة نشاط تجاري في أفريقيا، تسليم النقد إلى مثل هؤلاء الرواد غالباً ما يكون أكثر جاذبية من حيث العوائد المعدلة حسب المخاطر من استثماره في سوق الأسهم المتخلفة.

وأوضح تقرير الصحيفة أن صناديق الاستثمار الخاصة حظيت باستقبال حميم في أفريقيا على نحو يتناقض مع الاستقبال الذي تلقاه في العالم الثري، إذ لم تكتف بعض الحكومات الأفريقية بفتح أبوابها أمام الأجانب، لكنها قدمت أيضاً عناصر جذب بموافقتها، على سبيل المثال، إخضاع أية نزاعات تثور للتحكيم في الخارج بهدف تخفيف مخاطر الاستيلاء على الموجودات التي يتحملها المستثمرون.

لكن صناديق الاستثمار الخاصة وحدها لا تستطيع تلبية كل حاجات أفريقيا الاستثمارية، تقول الصحيفة، وحتى إذا تمكنت من جمع رأس المال الكافي، فإن هذه الصناديق تريد على وجه العموم بيع الشركات التي تستحوذ عليها في غضون خمس سنوات، فيما تحتاج أفريقيا على وجه التحديد إلى مستثمرين أطول أجلاً لدفع تكاليف السكك الحديدية وخطوط نقل الكهرباء وما شابه ذلك. كما أنها تحتاج أيضاً إلى كثير من القروض لمنشآت الأعمال الصغيرة، لأن البنوك في أجزاء كبيرة من القارة أثبتت أنها سيئة جدّاً في توفير هذه القروض.

عوائد هائلة للمستثمرين
وإذا أخذنا في اعتبارنا النقص الهائل في رأس المال، فإن العوائد التي يحصل عليها المستثمرون الذين يملكون الجرأة للمغامرة بالاستثمار في أفريقيا يمكن أن تكون هائلة، حيث يحصل المساهمون في شبكة الكهرباء الأوغندية التي تمت خصخصتها (وتم إدراجها الآن في سوق الأسهم)، على سبيل المثال، على عائد مضمون من الدولة بنسبة 20 % سنوياً بالدولار على كل رأس المال المستثمر في الشبكة. كما أن القصة الاقتصادية الكلية قصة جذابة، حيث نما كثير من الاقتصادات الأفريقية بنسبة 5 % سنوياً أو أكثر على مدى العقد الماضي. كما أن سكان أفريقيا هم الأكثر شباباً في العالم، وبحلول عام 2060، يُتوقع أن يتضاعف حجم الطبقة الوسطى في القارة ثلاثة أضعاف ليزيد تعداد أبنائها عن المليار.

آفاق مستقبلية جذابة .. ولكن
ولفت تقرير الصحيفة إلى أنه في ظل هذه الآفاق المستقبلية الجذابة، ينبغي أن نجد المستثمرين يتهافتون على القارة، لكنهم لا يفعلون، وأحد الأسباب وراء ذلك هو القيود المفروضة على رأس المال في بلدان العالم الثرية. فهناك على سبيل المثال قواعد جديدة لشركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية في أوروبا تفرض عقوبات على الاستثمارات غير السائلة طويلة الأجل، مثل الطرق والموانئ والسكك الحديدية التي تحتاج إليها أفريقيا حاجة ماسة. كما أن الحكومات الأفريقية تتحمل نصيبها من اللوم، إذ لم ينس المستثمرون نوبة التأميمات التي شهدتها ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. ولا بد لتلك الحكومات التي تخلفت عن سداد ديونها (أو أُعفيت من سدادها) من أن تعمل بجد كبير لاستعادة الثقة الدولية.

تحفيز الاقتصاد
وللوصول إلى تدفق رأس المال بحرية، يرى تقرير المجلة أنه لا بلد أن تراجع البلدان الثرية لوائحها التنظيمية. وثمة نقطة بداية هنا هي القواعد التي تفرض عقوبات على حيازة موجودات طويلة الأجل. ومثلها أيضاً القواعد مفرطة الصرامة ضد غسل الأموال، التي تثني المدخرين الشرفاء عن استخدام النظام المصرفي، مما يقلل من رأس المال الذي تعيد البنوك تدويره على هيئة قروض تمنحها للشركات.

وأخيراً، فإن بمقدور الحكومات الأفريقية فعل المزيد لتشجيع نمو أسواق رأس مالها الوليدة. وقد ساعد إصدار العديد من البلدان مؤخراً سندات دين افتتاحية على وضع الأسس، مثل تحديد أسعار فائدة مرجعية وإيجاد سوق سندات للشركات. لكن هناك حاجة إلى فعل المزيد، ومن شأن إقامة أسواق أسهم إقليمية أكبر أن يوفر السيولة والأمن وسهولة الوصول، وهي الأشياء التي يتوق المستثمرون إليها. ولكي يحدث هذا، سيكون على قادة دول القارة أن ينحّوا الغرور الوطني جانباً ويركزوا بدلاً من ذلك على إثراء الغذاء الرأسمالي للجميع، وفقاً لـ”إيكونوميست”.