IMLebanon

الأزمة تثبت أن الرأسمالية والديموقراطية ليستا نهاية التاريخ!

FinancialCrisis
جاسم المناعي

إن التطورات السياسية والاقتصادية الأخيرة تفند الخلاصة التي استنتجها فوكوياما في بداية التسعينات على إثر انهيار الشيوعية، والتي مفادها أنه لم تعد هناك انظمة اقتصادية أو سياسية لادارة شؤون العالم عدا الرأسمالية والديموقراطية. وقد ظل هذا الاستنتاج مقنعا الى حد كبير الى ان حلت بالعالم الازمة المالية فى عام 2008. ومنذ ذالك التاريخ والعالم يمر بتحولات اقتصادية وسياسية على اثر ما ترتب على الازمة المالية من تداعيات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فعلى الصعيد الاقتصادي، وجدنا ردات فعل قوية ومهمة تستهدف ممارسات الجشع والتهور والفساد وعدم الشفافية وضعف الحوكمة التي كشفت عنها تداعيات الازمة المالية، خصوصاً في القطاع المالي والمصرفي. وقد تم على اثر ذلك وضع قوانين جديدة اضافية تتحكم اكثر في مثل هذه السلوكيات، خصوصاً ما يتعلّق بالحوكمة ومحاربة الفساد وتضارب المصالح وغيرها، للحد من ممارسات شابت الانظمة الرأسمالية حتى وقوع الازمة المالية.

على صعيد آخر، اضطرت السلطات المعنية لزيادة التدخل لتصويب مسار اقتصادات السوق، وبعكس المسلمات المتعارف عليها بعدم التدخل في قوى السوق، فقد انتهجت السلطات المعنية مجموعة من الاجراءات استهدفت ما ترتب على الازمة المالية من ضعف النمو والكساد وارتفاع معدلات البطالة والتفاوت الكبير في توزيع الدخل، بل إن بعض السلطات ذهب الى ابعد من ذلك بانتهاج سياسات نقدية غير معتادة مثل التيسير الكمي والتي ادت الى ضعف اسعار الفائدة ووصولها إلى الصفر، الامر الذي وان استهدف النهوض بالنمو الاقتصادي، فإنه حسبما يبدو يتناقض مع المبادئ الرئيسية للرأسمالية والتي تقوم على حصول المستثمر على عائد مقبول. هذا، فضلا عن ان مثل هذه السياسات تتعارض مع كثير من المسلمات الأخرى والتي تقضي بألا تعمل السياسة النقدية على تمويل عجوزات الميزانية.

في الواقع، هناك أمور ومسلمات كثيرة قد تغيرت ولم تعد الرأسمالية على اثرها كما تصورها آدم سميث بأن قوى السوق تسيّرها أياد خفية. الوضع لا يقتصر فقط على الرأسمالية التي تمر كما نشهد بمتغيرات مهمة وكبيرة، ولكن الديموقراطية تشهد كذلك متغيرات لا تقل أهمية. إن تداعيات الأزمة المالية وما خلّفته من بطالة متفشية وتفاوت كبير في توزيع الثروة ادت الى مزيد من التطرف والراديكالية تجاه سياسات الحكومات القائمة، كما نشهده الآن في الدول الاوروبية على اثر صعود شعبية الأحزاب اليسارية واليمينية المتطرفة، سواء فى اليونان أو أسبانيا أو فرنسا أو حتى في ألمانيا. إن نتائج انتخابات اليونان الأخيرة تقلب من دون شك المعادلة المعتادة في النظم السياسية الاوروبية. إن مجيء حزب يساري في اليونان الى الحكم يشكل تحدياً كبيراً للثقافة السياسية الأوروبية، إذ ان هذا الحزب وان كان يشكل تناقضاً مع الاحزاب السياسية في المجموعة الاوروبية، فإنه أتى إلى الحكم وفقا للعبة الديموقراطية. هذا وإذا ما استطاع الحزب اليساري اليوناني اخضاع المجموعة الاوروبية لشروطه باعفائه من ديونه والتخلص من سياسة التقشف المفروضة عليه، فإن ذلك سوف يشجع أحزاباً أوروبية متطرفة أخرى سواء في أسبانيا أو البرتغال أو فرنسا أو إيطاليا على انتهاج السلوك نفسه، وبالتالي تكون المجموعة الأوروبية في ورطة كبيرة قد تؤدى الى تفكك الاتحاد الأوروبي. ان شعبية الاحزاب المتطرفة في أوروبا، سواء يسارية أو يمينية تزداد بشكل كبير، وبالتالي احتمال وصولها إلى السلطة وفقا للعبة الديموقراطية ليس بالأمر المستغرب.

السؤال المطروح على ضوء هذه التطورات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، هو: هل نظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ بالنسبة للرأسمالية والديموقراطية ما زالت صالحة، أم أن الأمر أصبح يحتاج إلى إعادة نظر؟