IMLebanon

الشركات الكبرى ليست أكبر ضحايا النفط الرخيص

EuropeOilPetrol

جون جابر

لو أن البلدان المنتجة للنفط التي وقعت في مأزق بإمكانها الاندماج، والإتيان بإدارة جديدة، والاستغناء عن المواطنين، وتخفيض التكاليف وإعادة هيكلة عملياتها، فعند تلك النقطة في دورة الطاقة، ربما يكون استثمارا جيدا أن يراهن المرء على موجة من عمليات الاندماج المماثلة لتلك الموجة من الاندماجات في قطاع الشركات، التي ولدت كيانات عملاقة مثل “إكسون موبيل” و”بريتيش بتروليوم” في أواخر التسعينيات.

يمكن أن تندمج البرازيل مع فنزويلا، للمساعدة على حل كل من فضيحة “بتروبراس” وتوجه الأخيرة نحو الهبوط. ويمكن أن تستحوذ الإمارات والسعودية على نيجيريا وروسيا. وتستحوذ النرويج على اسكتلندا من المملكة المتحدة.

لكن البلدان ليست شركات، سواء كان ذلك جيدا أم لا. وعمليات الاندماج السلمية نادرة الحدوث. وتميل عمليات الانفصال لأن تكون أكثر شيوعا، جنبا إلى جنب مع الاستحواذ العدائي وعناق الدب الروسي. وخلافا لحملة الأسهم الذين يميلون لأن يكونوا فئة محايدة، يتمتع المواطنون بروابط عاطفية.

لذا إليكم فرضية استثمار أخرى: بيع البلدان وشراء الشركات. وبشكل دقيق، بيع البلدان المصدرة الهشة على المكشوف، خاصة التي تعاني الفساد ولعنة الموارد، وشراء الشركات الكبيرة. فكلتاهما تبدوان عرضة لتأثيرات مؤلمة بسبب هبوط أسعار النفط والغاز (وفي حاجة ماسة إلى ارتفاع الأسعار الذي حدث الأسبوع الماضي)، لكن الشركات تعتبر أفضل من حيث التكيف مع تغير الظروف.

لقد قامت كل من شركة بريتيش بيتروليوم وبريتيش غاز، شركتي النفط والغاز في المملكة المتحدة، بفعل ذلك الأسبوع الماضي. فقد طبقتا قيودا صارمة على خطط الاستثمار الرأسمالي، وأعلنتا أن التحول في دورة السلع الأساسية يشبه ذلك الذي حدث عام 1986، عندما انخفض سعر النفط الخام إلى عشرة دولارات للبرميل الواحد، بعد أن ظل مستقرا على 30 دولارا للبرميل خلال السنوات الثلاث السابقة. وأعلنتا أن هذا ليس وقت الانتظار والرجاء أن يحدث انتعاش في أسعار الطاقة.

قام بوب دادلي، الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم، بعمل جيد بصناعة حكاية متفائلة من خلال حالة أليمة مر بها. قال للصحافيين “علينا أن نجعل رصيد دفتر الشيكات في توازن، وإذا كنت في حالة إنكار، كلما تأخرت في الاستجابة، زاد الأمر صعوبة”. مبيعات شركة بريتيش بتروليوم التي بلغت 40 مليار دولار من الأصول لتغطية التكلفة البالغة 43 مليار دولار (حتى الآن) جراء التسرب النفطي في خليج المكسيك عام 2010 تبدو بعد المراجعة المتأخرة أنها كانت تنبؤية.

حتى الآن، تعتبر كل من شركة بريتيش بتروليوم وبريتيش غاز على حافة الاستجابة العدوانية للانخفاض في أسعار نفط خام برنت من أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد في شهر حزيران (يونيو) الماضي إلى نحو 56 دولارا يوم الأربعاء الماضي. وتتقدم “إكسون” مثل ناقلة نفط عملاقة، بينما أعلنت شركة شل الهولندية عن تخفيضات متواضعة فقط في النفقات الرأسمالية هذا العام، قائلة “إنها لا تبالغ”.

تستطيع الشركات الرئيسية الأخرى تغيير المسار في أي وقت تريده وسيكون لديها حافز واضح للقيام بذلك إذا بقيت أسعار الطاقة ضعيفة وبدأت الناقلات المليئة بالنفط ترسو في المرافئ كمخزون. وكما أكد دادلي، الحفاظ على أرباح الأسهم لصناديق الاستثمار يعتبر “الأولوية الأولى” – أي أن تطوير الحقول في خليج المكسيك أو قبالة سواحل البرازيل يمكنه الانتظار.

في الواقع، من حيث التدفق النقدي، بإمكان شركات النفط أن تكون ذات أداء أفضل خلال فترات الكساد وليس فترات الازدهار، عندما يأخذ الجميع بدءا من الحكومات إلى العمال وشركات خدمات النفط جزءا من العمل. فحين تهبط أسعار النفط، تكون في موقع أفضل للمساومة. يقول مارتيجن راتز، محلل الطاقة لدى بنك مورجان ستانلي “خلال الدورة الصاعدة يعتقد الجميع أن العوائد ستكون رائعة، لكن ذلك لا يحدث أبدا”. الصناعة النفطية لو حصلت على نصف فرصة، فإنها تعتبر غير فعالة ومبذرة، لأنها تحب وضع النقود في مشاريع جديدة، وتدفع كل ما يلزم من أجل ضخ النفط، فقط ليتم إخضاع العائدات للضريبة بشكل كبير من قبل الحكومات الانتهازية.

ويقدر بنك مورجان ستانلي أن الشركات الكبيرة دفعت تكلفة بلغت 72 دولارا لقاء تحديد موقع كل برميل، وتطويره، وإنتاجه، ودفع الضريبة عنه في عامي 2012 و2013 – وهذا يزيد على مبلغ 69 دولارا حققتها في شكل إيرادات. وعلى مدى العقد الماضي، ارتفعت الضرائب، وفاقت الأجور متوسط القطاع الخاص بنسبة 35 في المائة، وانخفضت إلى النصف إنتاجية العمل في مجال الاستكشاف ـ تطلب الأمر ضعف عدد العمال لإنتاج كل برميل من النفط.

وكلما كان الهدر أكبر، كان خفض الإنفاق أكثر سهولة. فالشركات الكبرى تستطيع تخفيض النفقات الرأسمالية ليس عن طريق إيقاف المشاريع فحسب، وإنما عبر المطالبة بشروط أفضل. وتتعرض شركات الخدمات النفطية للتقليص، ويتم إخبار الحكومات بأن الحقول الجديدة لن يتم فتحها من دون إعفاءات ضريبية.

مثل هذه القدرة على تقليل التكاليف بسرعة ليست متاحة لمعظم البلدان، حتى تلك التي لديها شركات نفط مدارة بشكل جيد من الدولة واحتياطيات قليلة التكلفة. فالهبوط في أسعار النفط يستنزف عائداتها الضريبية ويدمر الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على صناعة الطاقة، التي لا يمكنها التكيف بسهولة عن طريق خفض الخدمات العامة والحد من عدد السكان.

ويقدر دادلي أن هبوط السعر يعادل تحولا قيمته 1.6 تريليون دولار في القيمة من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة. ولا يمكن للبلدان المصدرة للنفط الهروب من أثر ذلك، إذ عليها التعايش معه إلى حد كبير.

في البلدان التي تعاني الفساد، بوجود مسؤولين يأخذون رشا من شركات النفط، تعتبر المشكلة أكبر. لقد استقالت الرئيسة التنفيذية لشركة بتروبراس، ماريا داس جراساس فوستر، بسبب فضيحة أضرت بالنمو الاقتصادي في البرازيل. أما تقديرات مودي فتشير إلى أن فنزويلا ستواجه فجوة تمويلية تبلغ 39 مليار دولار في ديونها الخارجية هذا العام.

في الأوقات الجيدة تكون كل من الشركات والدول على حد سواء عرضة للعنة الموارد – هناك ما يكفي من النقود لإعطائها إلى طالبي الريع دون وجود خطر لأن تنفد. من المغري جدا التضحية بالكفاءة من أجل مزيد من النفط. في الأوقات العصيبة تقوم الشركات بإصلاح الضرر، والبلدان تكون عالقة معه.