IMLebanon

سلامة الغذاء النباتي… الصرف الصحي يحبط “همّة المزارعين”

Agriculture
إلهام برجس

تشكل الخضار والفاكهة في الفترة الحالية، ربما، السلع الغذائية الأكثر أمناً لسلامة المستهلك. ذلك أنه من أصل 23 صنفاً تم إخضاعها للفحوص، في اطار حملة جمع عينات قامت بها “جمعية حماية المستهلك” قبل 6 أشهر، 4 أصناف فقط، تحتوي على ترسبات أدوية زراعية.
يعتبر رئيس “جمعية حماية المستهلك” زهير برو، في حديث لـ “المدن” أن هذه النتيجة إيجابية. فالجمعية ذاتها سبق أن قامت قبل 4 سنوات بحملة مماثلة، أظهرت وقتها “نتائج أكثر فداحةً بكثير”. ويشير إلى أن الترسبات نوعان، فهي إما أن تنتج من سوء استخدام الأدوية أو من أدوية غير مرخصة. “صنف من أصل أربعة يحتوي على مواد غير مرخصة”، وفقه. أما العينات الثلاث الباقية، فهي ملوثة بفعل سوء استخدام المزارعين للمواد الزراعية، كأن يقوم المزارع بقطاف المحصول قبل مدة الانتظار الواجبة بعد استخدام الدواء، وهي المدة الكفيلة بتحلله كاملاً وعدم ترسبه لكي لا ينتقل إلى المستهلك.

بالرغم من النتائج التي تقدّمها هذه التحاليل، فإنها لا تشمل جميع الأصناف وتبقى ضمن إمكانات الجمعية. من هذا المنطلق يجد برو أن مشكلات الترسبات في الفاكهة والخضار لا تزال قائمة، وهي تحتاج للمزيد من الإهتمام والحساسية من قبل وزير الزراعة أكرم شهيب.
200 ألف مزرعة تتوزع بين المناطق اللبنانية، تعمل فيها نحو 6,3 في المئة من اليد العاملة اللبنانية. تعود هذه الأراضي، أي القطاع الزراعي، بمردود يوازي حوالي 4,4 في المئة من الناتج المحلي. وقد تصل هذه النسبة الى 6 في المئة في بعض السنوات، وفقاً لأرقام وزارة الزراعة. هذه الأرقام التي توضح مكانة قطاع الزراعة “الفرعية” في الإقتصاد اللبناني، يتخذها رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك كدلالة على عدم جدوى الإجراءات التي يتم اتخاذها لإدخال المنتوجات الزراعية الى دائرة السلامة الغذائية.

يجزم حويك في حديث إلى “المدن” أنه “في ظل النظام القائم يستحيل الحديث عن ملاحقة مجدية لـ200 ألف مزرعة”. والحال أن غياب آليات تسمح بتتبع الفاكهة والخضار حتى مصدرها يلغي أي إمكانية للمحاسبة. فوفقاً لحويك، “سلامة المنتوجات الزراعية تعتمد اليوم على همّة المزارع وضميره”.
يعتبر حويك أن قانون سلامة الغذاء، لا يكفي وحده للتخلص من مشكلة الترسبات في الخضار والفاكهة. الحاجة اليوم هي لإقرار “إقتراح قانون إنشاء غرف زراعية وسجل زراعي، العالق في اللجان النيابية منذ العام 2002”. فالمأخذ على قانون سلامة الغذاء، أنه يلزم المزارع بتقديم السجلات من دون أن يقدم له أي ضمانات في المقابل. وهو أمر لا يجوز من وجهة نظر حويك، لأن “المزارع يستحق أن يحصل أقله على ضمان صحي عندما يُطالب بتنظيم سجلات زراعية”. وهذا الأمر بطبيعة الحال غير منظم في قانون سلامة الغذاء، الذي لا يعنى بحالة العاملين في القطاعات، ما يستدعي تنظيم أوضاع هؤلاء بقانون آخر خاص بهم.

يوضح حويك مضمون إقتراحهم، الذي يرمي الى الزام المزارعين التسجيل في سجل خاص بهم، يشبه السجل التجاري حيث تسجل المؤسسات التجارية مثلاً. يؤدي تصريح المزارع عن عمله في هذا السجل الى حصوله على رقم، يلتزم بلصقه على كل المنتجات التي يوزعها في السوق اللبنانية. ويؤدي اتباع هذه الطريقة، وفقاً لحويك، إلى تسهيل تتبع المنتجات حتى مصدرها. إضافة إلى أنها تدفع المزارع إلى الإلتزام بمعايير السلامة أكثر.
لا ينكر حويك على وزارة الزراعة دورها، وإن وجده غير كاف، في مسألة سلامة المنتوجات الزراعية. فالمشكلة وفقاً له، لا تتعلق بوجود أدوية زراعية مهربة، بل “المشكلة في إدارة الملف”. والواقع أنه “لو كانت النية بتغيير واقع القطاع وسلامته موجودة، لكانت الوزارة قد أجرت الفحوص اللازمة للمواد الزراعية التي تدخل عبر المرفأ”.
في مقابل جزم حويك بغياب الرقابة، يؤكد مستشار وزير الزراعة نبيل أبو غانم لـ”المدن” أنه “لا يمكن أن يدخل أي منتج زراعي الى لبنان ما لم يخضع لكل الفحوص اللازمة”. في الإتجاه نفسه يشرح مدير الثروة الزراعية محمد أبو زيد لـ “المدن” أن الوزارة تدرس آليات جديدة للسيطرة على استخدام الأدوية الزراعية، كأن يتم ربطها بوصفة شبيهة بالوصفة الطبية. كما يلفت أبو زيد الى تكثيف الوزارة لرقابتها في ظل حملة سلامة الغذاء. من جهة أخرى، يلفت أبو غانم الى امكانيات الوزارة المحدودة (1% من الموازنة العامة). “لكن أين الاموال المقدمة من المنظمات المانحة، وأين مشاريعها؟”، سؤال مشروع يطرحه حويك. في مطلق الأحوال، كيف يمكن الحديث عن سلامة المنتجات الزراعية، في ظل تلوث مياه الري نفسها؟ أين هي مشاريع الري ومن المسؤول عن انشائها؟
يتحدث أبو غانم عن “مشاريع للبرك التلية”، (أي إنشاء برك على التلال)، تعمل الوزارة على إتمامها، وعددها 9. كما تعمل الوزارة مع الجهات المانحة على إنشاء محطات تكرير. إضافة الى مشروع يهدف الى تحديد الملوثات في مجرى نهر الليطاني. هذا التعداد، وإن كان يبعث على التفاؤل، الا أنه لا يجد صداه لدى حويك، الذي يستغرب التغني بالبرك التلية، على إعتبار أن “المشروع الأخضر لطالما أنجز بركاً تلية وعددها لا يساوي شيئاً أمام عدد المزارع الموجودة”.
خلاصة القول بالنسبة للمنتجات الزراعية، أنها تتحسن لناحية انخفاض مستوى الترسبات فيها. وهو أمر يسجل للمزارعين، ذلك أن امتناعهم عن الإلتزام بمعايير السلامة لا يكلفهم شيئاً في ظل عدم وجود أي آلية لتتبعهم. أما عن المياه الملوثة بالصرف الصحي، فهذا أمر خارج عن قدرات هؤلاء، وهم يتناولون خضارهم ملوثة مثلما يتناولها الجميع. هذه الحال ستدوم حتى تنفذ الدولة على الأقل مشروعاً واحداً لتجميع المياه النظيفة أو تكرير المياه الآسنة، أو أي مشروع من المشاريع التي سبق أن مولت من دون أن تنفذ. وحتى ذلك الوقت لا تفيد كل القوانين المتعلقة بسلامة الغذاء في شيء.