IMLebanon

الحي المالي في لندن يخشى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

BritishUKEurope
هارييت أجنيو

لندن بوابة أوروبا وموطن 250 مصرفا أجنبيا يعمل فيها 160 ألف شخص. ووفقاً لأحدث الأرقام الرسمية، تمثّل الخدمات المالية خُمس الناتج الاقتصادي السنوي في المملكة المتحدة.

القوة الدافعة وراء هذا هي السوق الموحدة الأوروبية التي توفّر سهولة الوصول إلى 500 مليون شخص في البلدان الأعضاء كافة، البالغ عددها 28 بلدا في الاتحاد الأوروبي.

ومن السهل أن نرى لماذا الأجزاء الكبيرة من الحي المالي في لندن، اليميني تقليدياً، أكثر قلقاً من احتمال سياسي واحد، هو أن يؤدي انتصار المحافظين في الانتخابات العامة المُقرر عقدها في أيار (مايو) يمكن أن يؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فقد وعد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، بإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي قبل نهاية عام 2017، في حال فاز المحافظون في الانتخابات.

ماتس بيرسون، مدير مركز الأبحاث الاستشاري “أوروبا المفتوحة”، قال: “من بين القطاعات كافة، أنا أعتقد أن الخدمات المالية ستكون الأكثر عرضة للتضرر (…) إنها أكثر تنقلّاً بكثير من القطاعات الأخرى. السوق الموّحدة متطورة جداً والمملكة المتحدة ستجد صعوبة في عقد اتفاق متبادل مع الاتحاد الأوروبي، نظراً لعدم وجود حافز للاتحاد الأوروبي حتى يتعاون”.

مايكل شيروود وريتشارد جنودي، الرئيسان التنفيذيان المُشاركان في جولدمان ساكس الدولية، قالا إن المصارف الأوروبية سوف تتحرك “في غاية السرعة” في حال صوتت بريطانيا لمصلحة الخروج.

في عام 2013، الخدمات المالية في المملكة المتحدة، جنباً إلى جنب مع صناعة التأمين، كانتا تملكان فائضا تجاريا يبلغ 19.1 مليار جنيه مع الاتحاد الأوروبي. ومن المستحيل تحديد الأثر الاقتصادي الكامل المترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد، لكن مخاوف الحي المالي في لندن تقع ضمن ثلاثة مجالات رئيسية: عوامل اللبس، والوصول، والنفوذ.

في المجال الأول، لا شيء سيتغيّر. فبموجب المادة 50، توجد آلية لم يتم اختبارها حتى الآن، وهي أن بإمكان البلدان ترك الاتحاد الأوروبي، إلا أن المغادرة تأتي بعد عامين من الإخطار الرسمي.

هذه الفترة من شأنها أن تكون على شكل عامين من الجمود بالنسبة للمملكة المتحدة، يمكن أن تخسر خلالها تمثيلها في المجلس الأوروبي.

وستكون المملكة المتحدة غير قادرة على التصويت على أية صفقة في حال التفاوض. ونظراً للأهمية الاقتصادية والسياسية لصناعة الخدمات المالية، فإن المفاوضات لن تكون مباشرة. وسينظر الحي المالي عن كثب إلى نوع الصفقة التي يتم الاتفاق عليها.

ولا يوجد أنموذج جيد جاهز للاستخدام. وأحد السيناريوهات هو سيناريو النرويج وآيسلندا وليختنشتاين، التي هي أعضاء في المنطقة الاقتصادية الأوروبية والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة.

هنا، المملكة المتحدة قد تدفع رسوم العضوية للاحتفاظ بالوصول إلى السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، لكنها ستخسر النفوذ الرسمي على التشريع، بينما يظل عليها تنفيذ الجزء الأكبر منه.

هناك أنموذج ثان، غالباً ما تتم مناقشته، هو سويسرا. في هذه الحالة بإمكان المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي وتقديم طلب للانضمام إلى الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة فقط. عندها ستوقع صفقات تجارية ثنائية مع الاتحاد الأوروبي.

اتفاقية سويسرا لمرة واحد تعتبر معقدة ويُنظر إليها على أنها ذات عيوب، لذلك من غير المرجح أن هذا سيكون خياراً قابلاً للتطبيق في المملكة المتحدة.

إذا غادرت الاتحاد الأوروبي، ستكون المملكة المتحدة حرّة في تنظيم قطاعها المالي الخاص بها. لكن الانعكاس التام في مجالات التنظيم الأوروبي التي عارضتها المملكة المتحدة – مثلا، فرض قيود على مكافآت المصرفين – ستكون غير مستساغة سياسياً في بروكسل وغير عملية. وللاستمرار في الوصول إلى الأسواق الأوروبية، ستحتاج المملكة المتحدة إلى الحفاظ على تنظيم مالي يُعادل ذلك الذي في الاتحاد الأوروبي لكن دون أن يكون لها أي رأي في طريقة وضعه.

من خلال نظام يُسمى “وثيقة الدخول”، بإمكان المصارف تقديم خدماتها ومنتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي بالكامل من إحدى الدول الأعضاء. فقد جذبت مجموعة المصارف في لندن صناديق التحوّط، وشركات إدارة الأصول، وشركات الأسهم الخاصة، وشركات الخدمات المهنية.

خارج الاتحاد الأوروبي، من غير المرجح أن تحتفظ المملكة المتحدة بحقوق وثيقة الدخول نفسها. وهذا ربما يُجبر المصارف على نقل أجزاء من عملياتها إلى المراكز المالية في الاتحاد الأوروبي، مثل فرانكفورت أو باريس أو دبلن أو أمستردام، التي قد تكون عاملا مساعدا في خطوات أكبر.

السوق الموّحدة أيضاً تسمح بحرية الحركة للعمالة، لذلك خروج بريطانيا من الاتحاد يمكن أن يعمل على تعطيل القوة العاملة في الحي المالي، الذي يوظّف كثيرا من مواطني الاتحاد الأوروبي.

ولا يوجد ما يُشير إلى أن لندن سوف تتفكك على الفور باعتبارها مركزاً مالياً. مثلا، قد تعيد ابتكار نفسها أكثر مركزا ماليا خارجيا (أفشور) لتداول الرينمينبي أو التمويل الإسلامي أو التكنولوجيا المالية.

مع ذلك، في حال نقل بعض الشركات أجزاء من عملياتها، ربما تنخفض مع مرور الوقت أهمية الحي المالي وقدرته على التنافس. وبحسب مصرفي بارز: “بمجرد أن يقع الشد على بعض أجزاء نسيج الخدمات المالية، ولو قليلاً، عندها مع مرور الوقت ستضعُف بنية النسيج بالكامل”.

نظرات قطاعية

• إدارة الأصول: صناعة إدارة الصناديق القائمة في المملكة المتحدة تمثّل ثُلث جميع الأصول التي تتم إدارتها في أوروبا. وأساس النمو لهذه الصناعة هو قدرة الشركات البريطانية على “إدخال” صناديقها إلى أوروبا باعتبارها أعضاء في الاتحاد الأوروبي. لذلك، خروج بريطانيا من الاتحاد يمكن أن يُثير تساؤلات بشأن قدرة المجموعات القائمة في المملكة المتحدة على بيع صناديق التجزئة في أماكن أخرى في أوروبا.

• صناديق التحوط: ستكون صناديق تحوط المملكة المتحدة أيضا غير قادرة على تمرير أموالها إلى الاتحاد الأوروبي. لكن التأثير لن يكون كبيرا جدا، لأن صناديق التحوط التي مقرها لندن تكسب المال إلى حد كبير من المستثمرين خارج الكتلة. وهناك مجال أساسي لن يتغير بالنسبة لمديري صناديق التحوط يتعلق بالقيود على البيع على المكشوف وجوانب معينة من مقايضة العجز عن سداد الائتمان التي كانت خاضعة للقانون التنظيمي منذ الأزمة المالية. وذلك لأن القواعد تتعلق بمكان إدراج الأسهم أو الصكوك، وليس حيث يكون مقر مدير الصندوق.

• التأمين: سوق التأمين في أوروبا محلية للغاية وليست هناك سوق متطورة واحدة. ومن المعتقد أن خروج بريطانيا لن يكون له تأثير مباشر أو فوري يذكر على صناعة التأمين في المملكة المتحدة، التي لديها عجز تجاري بقيمة 2.8 مليار جنيه استرليني مع الاتحاد الأوروبي.

• الأسهم الخاصة: كما هي الحال مع صناديق التحوط، المستثمرون الأوروبيون لا يعتبرون مساهمين كبارا في تمويل مديري الأسهم الخاصة في المملكة المتحدة. وبحسب جون مولتون، مؤسس شركة الأسهم الخاصة بيتر كابيتال، أكبر تأثير لخروج بريطانيا في الأسهم الخاصة ربما يكون في مجال رأس المال المغامر. وقال: “صندوق الاستثمار الأوروبي [وكالة في لوكسمبورج توفر التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة] هو أكبر مستثمر بفارق كبير في شركات رأس المال المغامر في المملكة المتحدة. ومن المحتمل أن يوقف الاستثمار في المملكة المتحدة”.

• التداول والتسوية والمقاصة: لندن واحدة من مراكز العالم لسوق واسعة تبلغ قيمتها 700 تريليون من المشتقات خارج البورصات الرسمية، وهي الأدوات المالية التي تم إلقاء اللائمة عليها في تعميق الأزمة المالية.

والقواعد الدولية تضمن أن قدرا أكبر من هذه السوق التي تهيمن عليها المصارف سوف تدار من خلال غرف المقاصة، وذلك بهدف الحد من المخاطر.

وإذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن للبنك المركزي الأوروبي زيادة الضغط من أجل مزيد من الإشراف المباشر على جميع عمليات المقايضة المقومة باليورو التي تتم معاملاتها حاليا من خلال غرف المقاصة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها. وقد تضطر شركات مثل LCH.Clearnet وICE إلى نقل المزيد من الأعمال التجارية إلى كيانات تتخذ من منطقة اليورو مقرا لها، ما يعمل على إضعاف مكانة لندن في النظام المالي.