IMLebanon

عين التجّار على الضمان الإجتماعي

sécurité-sociale

خضر حسان
ما زال الحديث في أي ملف يعني الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، يستحوذ على القسم الأكبر من إهتمامات اللبنانيين، على مختلف إنتماءاتهم القطاعية، وسواء كانوا مشمولين بضمان الصندوق أم لا. فالمنتسبون للضمان يتابعون تطورات جهتهم الضامنة، ويدعون لها بطول العمر وبالعافية من أي سوء قد يصيبها، وغير المنتسبين، يتمنّون ضماناً يقيهم “مذلّة السؤال لغير الله”.
على الرغم من الفساد المستشري في الضمان، إلا أن الحصول على خدماته، حلمٌ يراود كثيرين من أبناء هذا البلد. وتحقيقاً لهذا الحلم، يعمل الناس فرادى وجماعات لإكتساب بطاقة الضمان. لكن هذا المكسب الذي تستفيد منه الطبقة الفقيرة، التي يتّسع حجمها على حساب الطبقة الوسطى، “طالع بعين كتار، رغم إنو الله منعم عليهم”، على حد تعبير عمّار، أحد عمّال ورش البناء، أو ما يُعرف بعمّال الباطون.
عمّال الباطون وغيرهم الكثير من العمّال لا تشملهم خدمات الضمان الإجتماعي. وعلى الرغم من حقّهم كعمال وكمواطنين لبنانيين بالإنتساب الى الضمان، الا ان الإتحاد العمالي العام، المفترض به تمثيل مصالح العمال في لبنان، لم يرفع الصوت من أجل “عمّاله”. لا بل “رفض رئيس الإتحاد غسان غصن، إثارة ملف ضمان عمال الباطون في إحدى جلسات مجلس إدارة الضمان. علماً أنه كان يترأس تلك الجلسة”، وفق ما يؤكده رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، كاسترو عبد الله، لـ “المدن”.
“اللقمة الصغيرة” التي يأكلها صغار الكسبة من خلال الضمان الإجتماعي، “حليِت بعين التجّار”، يقول عمّار. و”بدل ما يعطو الحقوق لكل العمال، ركضو يطالبو بإنتسابهم الى الضمان”. والركض – كما يراه عمّار – منطقي، لأن “غياب الراعي يشدّ الديب للغنم”، وترجمة هذا القول، هو الإشارة الى غياب الدور الفعلي للإتحاد العمالي العام.
مطالبة التجار بالإنتساب الى الضمان جاءت بشكل صريح من جهة جمعية تجار بيروت وبنك لبنان والمهجر، بإعتبارهما يمثلان أرباب العمل. والمطالبة بورِكَت من وزير العمل سجعان قزّي، خلال لقاء حواري عن “الضمان الاجتماعي واشراك التجار فيه”، دعت إليه الجمعية والبنك، وعقد في غرفة التجارة، اليوم، بحضور رئيس الجمعية نقولا شماس وعدد من رؤساء جمعيات التجار في مختلف المناطق.
والمطالبة تلك، انطلقت من ان “وضع التجار هو الأكثر هشاشة من ناحية التغطية الإجتماعية… لذا بات لابد من إيجاد نظام حماية إجتماعية يؤمّن للتجار الحد الأدنى من الإستقرار الإجتماعي، على صعيد المرض والأمومة”، كما أوضح شماس.
وجهتا النظر المطروحتان عبر الوقوف عند كلام عمّار وشمّاس، تفضيان الى إعادة طرح ملف التغطية الصحية الشاملة لكل اللبنانيين. وهنا، يصبح الموضوع أكثر تعقيداً، لأن هذا الطرح يؤدّي الى ذكر ملفات الفساد في كل القطاعات، فضلاً عن ذكر أسلوب تحقيق المطالب في الشارع اللبناني، أي تسليط الضوء على المطالبة “بالمفرّق”، حيث ان كل قطاع يطالب بمكتسبات له، بمعزل عن حقوق الآخرين، وبالتالي، يسهل على السلطة “التطنيش” طالما ان أصحاب الحقوق لا يتكلمون لغة واحدة.
وعليه، فإن من حقّ التجار المطالبة بتغطية الضمان الإجتماعي لهم ولعائلاتهم، لكن بوصفهم مواطنين لبنانيين لهم الحق في تغطية صحية شاملة، لا بوصفهم أرباب عمل يطالبون بمصلحة قطاعهم، ومن بعدهم فليكن الطوفان. وهذه النظرة تجد مبرراتها في منطق المحاصصات اللبناني، وأسلوب المطالبة بالحقوق بشكل فردي، لا بشكل جماعي عبر الضغط لتبني سياسات عامة لمصلحة المواطنين.
لكن في ظل الوضع الراهن، فإذا تعذّر تأمين التغطية الشاملة لكل المواطنين، من الأجدى تأمين الضمانات لذوي “الجانح المكسور، أي للعمال. ولا يجوز الضغط بإتجاه تأمين الضمان لأرباب العمل في ظل وجود عمال غير مضمونين”، وفق ما أشار إليه عبد الله، الذي لفت النظر الى ان أرباب العمل يملكون القوّة للتأثير على القرارات السياسية، ومن هنا، “إذا ضغط أرباب العمل لصالح إقرار مشروعهم، سيتحقق لهم ذلك، وسيبقى الكثير من العمال خارج الضمان الإجتماعي”.
من جهة أخرى، فإن لعبة شد الحبال من قِبَل كل جهة، هي سياسة لا تصب في مصلحة الفئات الفقيرة، لأن الغلبة بلا شك لأصحاب النفوذ. وهؤلاء يخلقون الفوضى والفساد في مؤسسات الدولة، لتسيير أعمالهم ومصالحهم. أما فتح الباب أمام “تنظيف” المؤسسات، وتأمين مصالح الجميع على قاعدة المواطنية، لا الزبائنية، فهو أشبه بضروب الخيال. ويشمل ذلك مؤسسة الضمان، لأنه، وعلى غرار كل المؤسسات، تحولت الى “دويلة موزعة بحسب الطوائف والأحزاب”، وبالتالي، فإن خدماتها تفيد “الأحزاب والطوائف على حساب المواطن والمجتمع”، وذلك من وجهة نظر قزّي، الذي إعتبر ان “الثورة في الضمان تبدأ بتحرر الضمان من الضغط السياسي”. لكن هذه الثورة “لا يمكن ان تكون فردية”، بل تحتاج الى “قرار من الدولة، أي من مجلس الوزراء”، وهو أمر غير متوفر. وكل ما يمكن فعله في هذا الظرف، بحسب قزّي “لا يتعدّى الحد من الرشاوى والفساد والسمسرة”.

وفي إطار “الثورة” والتغيير، تجدر الإشارة الى ان قزي أحال الى الضمان اقتراح القانون الرامي الى إفادة المضمونين المتقاعدين الذين انهوا خدماتهم، لبلوغهم سن التقاعد (64 سنة) من تقديمات العناية الطبية في حالتي المرض والامومة في الصندوق، وذلك بعد ان تبلغت وزارة العمل ملاحظات وزارتي العدل والمالية ومجلس الخدمة المدنية.
الإقرار بعدم إمكانية إجراء الإصلاح الشامل، يُبقي الباب مفتوحاً أمام “سياسة النَتْش”، أي أن يقوم كل طرف بقضم ما يستطيع من المزايا في هذه الدولة، على حد تعبير وزير العمل السابق شربل نحاس، الذي انتقد في حديث لـ “المدن”، خطوة جمعية التجار. وردّ على الخطوة بذات الحجّة، معتبراً ان جميع المواطنين في هذه الحالة يجب ان يستفيدوا من الضمان الإجتماعي، لأن “الجميع تجّار، وكل من يبيع ويشتري هو تاجر”.
إذن، أرباب العمل تحرّكوا لضمان أمنهم الصحي والإجتماعي، ويوجب هذا التحرك التذكير بأن الكثيرين منهم لا يصرّحون للضمان عن عدد الأجراء والعمال لديهم، أي أنهم يحرمون عمالهم من نعمة الضمان التي يطالبون هم بها. وأيضاً، يوجب هذا التحرك، التوجه نحو أهل السلطة الذين ينسّقون – على أقل تقدير – مع أرباب العمل، بالسؤال حول سياساتهم تجاه إرتفاع نسبة البطالة الى ما بين 23 و25%، وحول الهوّة بين عدد الوظائف المتوفرة في سوق العمل، وبين الحاجة الأساسية لهذه السوق.
والى حين إيجاد الحلول، يبقى منطق “اللقمة بتمّو وعينو على لقمة غيرو” سائداً.