IMLebanon

عائدات البلديات من الخلوي: فتش عن النفايات

MinTelecom
ليس من قبيل الصدف أن يتخذ السجال داخل مجلس الوزراء طابعاً مناطقياً وانتخابياً. أصل الخلاف بين الوزيرين بطرس حرب وجبران باسيل هو خلاف بتروني، بكل ما للكلمة من معنى. وهو خلاف أمكن تظهيره بأنصع صورة مع اعتماد مجلس الوزراء مبدأ التوافق الوزاري على القرارات في ظل شغور سدة الرئاسة. لا يمكن فهم الخلاف حول عائدات البلديات من أموال الهاتف الخلوي، الذي عاد إلى الظهور هذا الأسبوع، إلا من خلال الإسقاط السياسي للنزاع بين حرب وباسيل على مختلف الملفات داخل مجلس الوزراء وخارجه ربطاً بنزاعهما القديم ــ الجديد على زعامة البترون والتنافس على كل صوت انتخابي في هذا القضاء.

واحد من الأمثلة على حدة الصراع البتروني على الملف أن الوزير حرب اختار أن ينشر على الموقع الرسمي لوزارته خبراً يقول إن عائدات بلديات قضاء البترون من الهاتف الخلوي بلغت 7.299 مليارات ليرة. لم يكترث «معاليه» لتبيان حصص البلديات خارج نطاق دائرته الانتخابية، فالبترون هو محور الكون ونهايته على ما يبدو!
تقول الرواية التي قدمها الوزير حرب في مؤتمر صحافي، أمس، إن الوزير جبران باسيل «عارض موقف كل الوزراء، ورفض إقرار مبدأ توزيع حصص البلديات من عائدات الخلوي، وفقا للآلية القانونية المتبعة، وهو ما أدى بكل أسف، وبسبب حق الفيتو الغريب العجيب الذي تمسك به فريق معين من الحكومة، إلى منع مجلس الوزراء من تحويل الأموال إلى البلديات، رغم إعادة تأكيده على حقوق البلديات عن السنوات الممتدة من عام 1995 إلى عام 2010».
ولكن رواية الوزير باسيل مختلفة كلياً. قال في اتصال مع «الأخبار» إن للبلديات مستحقات من عائدات الخلوي لم تحصل عليها منذ 21 عاماً. «يريدون الآن تسديد مستحقاتها عن السنوات الثلاث الأخيرة فقط، ويريدون حسم 90% منها لتسديد الديون المتراكمة على هذه البلديات لصالح الخزينة العامّة، بحجّة أنها سددت عن البلديات مستحقات شركات جمع النفايات». يجزم باسيل أن «هذا ما لا نوافق عليه، وما يجب فعله هو تسديد كامل حقوق البلديات».
يقول حرب إنه استند في تحويل الأموال إلى الرأي الذي خلَصَ إليه ديوان المحاسبة في عام ١٩٩٩

يتبين من السجال المفتوح أن المبلغ الذي حوّله حرب الى الصندوق البلدي المستقل هو 673 مليار ليرة، وهو يعود الى السنوات من 2010 الى 2013. في حين يعترف حرب بأن للبلديات في ذمة وزارة الاتصالات نحو مليار دولار عن الفترة من 1995 حتى الآن. وكان وزيرا الاتصالات السابقان شربل نحاس ونقولا الصحناوي قد جمّدا نحو 1700 مليار ليرة في حساب الخزينة الخاص لدى مصرف لبنان لتسديد مستحقات البلديات عن كل تلك الفترة، إلا أن وزارة المال تصر على عدم دفع هذا المبلغ دفعة واحدة، بل على دفعات، وهو ما استجاب له حرب بتحويله كل المبالغ المجمّدة للبلديات الى الخزينة العامّة باستثناء مبلغ الـ673 مليار ليرة الذي حوّله الى الصندوق البلدي المستقل، ما يعني أن هذا المبالغ المستحقة للبلديات التي اعترف بها حرب لم تعد موجودة. أمّا مبلغ الـ٦٧٣ مليار ليرة، فقد وافقت وزارتا الاتصالات والمال على دفعه للبلديات، ولكن بعد اقتطاع ٩٠ بالمئة منه لتسديد ديون خدمات النظافة، أي أن المبلغ الإجمالي الذي سيوزع على البلديات لن يتجاوز ٧٠ مليار ليرة على أبعد تقدير، وأنه بعد دفع هذا المبلغ سيبقى في حسابات البلديات المدينة ما لا يقل عن ١٩٠٠ مليار ليرة، سيتم اقتطاعها تباعاً من مال الصندوق البلدي المستقل أو من مستحقات البلديات من الخلوي، والتي يبقى منها في حال إصدار مرسوم التوزيع العالق حالياً في مجلس الوزراء أقل من ١٠٠٠ مليار ليرة!
يوضح رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان أن الفقرة (2) من المادة (55) من قانون الضريبة على القيمة المضافة تنص على تأدية كامل عائدات البلديات إلى مستحقيها دون مقاصة أو اقتطاع. ولذلك كان الاعتراض على نص المادة الرابعة من مشروع توزيع مبلغ الـ673 مليار ليرة الذي حوّله الوزير حرب إلى وزارة المال، حيث يصل الاقتطاع بموجب هذه المادة إلى 90% من عائدات البلديات لتغطية أكلاف شركات النظافة، وفي مقدمها سوكلين من دون أي سند قانوني. ولو سلمنا جدلاً بإمكانية الاقتطاع فيجب أن تجرى عند حصول البلديات على كامل عائداتها من الهاتف الخلوي، أي كامل مبلغ الـ1503 مليارات ليرة المستحق باعتراف حرب».
بحسب تقرير عن وضعية البلديات واتحادات البلديات في الصندوق البلدي المستقل، أعدّته محتسبة الصندوق البلدي المستقل نورما نصير والمحاسب بالتكليف في وزارة المال حسين رماني، يتبين أن البلديات التي لزمت أعمال النظافة في نطاقها العقاري لشركات القطاع الخاص سجل في حساباتها المودعة في الخزينة رصيد مدين بقيمة ٢٠٢٨ مليار ليرة لبنانية! حتى نهاية عام ٢٠١٢، علماً بأن تقريراً رفعه وزير المال الى مجلس الوزراء يبين أن القيمة الإجمالية لديون البلديات المتوجبة لصالح الصندوق البلدي المستقل عن خدمات النظافة بلغت حوالى ٢٤٠٠ مليار ليرة حتى نهاية عام ٢٠١٤. وتؤكد مصادر الوزارة لـ»الأخبار» أن وزارة الداخلية والبلديات ووزارة المال أعدّتا مشروع مرسوم لتوزيع هذه العائدات على اعتبار أن هذه الأموال دخلت في ذمة الصندوق البلدي المستقل، وبذلك أمكن لوزارة المال الاستناد الى نص المادة ٦٩ من قانون الموازنة العام لعام ٢٠٠٤ التي تنص على اقتطاع خدمات النظافة من عائدات الصندوق البلدي سنوياً قبل توزيعها على البلديات.
يرفض النائب كنعان في اتصال مع «الأخبار» هذا الإجراء ويعتبره مخالفة قانونية فاضحة، مؤكداً أن الأموال الناتجة من عائدات الخلوي لا تدخل في حسابات الصندوق البلدي المستقل ولا يجوز اقتطاع أي مبلغ منها، سواء لخدمات النظافة أو لغيرها من الخدمات. ويضيف «خلال اجتماعات لجنة المال والموازنة حصلنا على تعهد من الوزير حرب بأن يطلب رأي هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل حول هذه النقطة، علماً بأن القاضي محمد رعد ممثل وزارة العدل في اجتماعات اللجنة أعطى رأي الوزارة الرسمي لأحكام الفقرة (2) من المادة (55) من قانون الضريبة على القيمة المضافة، التي أناطت بوزارة الاتصالات (بوصفها الإدارة المختصة) صلاحية وواجب تأدية عائدات الاتصالات الهاتفية مباشرة إلى البلديات المستفيدة، من دون أي تمييز بين عائدات هاتف ثابت وعائدات هاتف خلوي.
وزير الاتصالات يعترف بأنه التزم باستشارة هيئة القضايا والاستشارات، إلا أنه برر تراجعه عن ذلك بكسب الوقت بعدما تبيّن له أن ديوان المحاسبة أدلى برأي في تقريره السنوي رقم 1/99 تاريخ 30/03/1999 لجهة وجوب تحويل علاوة فواتير الخلوي إلى رصيد حساب الصندوق البلدي المستقل، ما يؤكد وجوب تحويل حصص البلديات من عائدات الهاتف الخلوي إلى وزارة المال (الصندوق البلدي المستقل) لتوزيعه على البلديات المستحقة. و»هذا ما قمت به».
يقول النائب كنعان إن «الخوف كل الخوف أن تكون الحكومات المتعاقبة قد صرفت جميع الأموال التي تم تحويلها قبل عام ٢٠١٠ وأن يكون مصيرها كمصير عائدات البلديات من الصندوق البلدي المستقل المتراكمة لدى وزارة المال ما بين عامي 1980 و1992 ضمناً. وسيكتشف الوزير حرب أنه ارتكب خطأ تاريخياً بتحويل الأموال التي كانت مجمدة لدى وزارة الاتصالات والتي فاقت ١٧٠٠ مليار ليرة الى وزارة المالية وأضاع فرصة ذهبية بتحويل الأموال الى البلديات مباشرة.
يدافع حرب عن خطوته مؤكداً أنه يوم تسلّم مهماته في وزارة الاتصالات، كان على بيّنة من أن وزيري الاتصالات السابقين رفضا تحويل عائدات الهاتف الخلوي إلى وزارة المال، ما حرم البلديات من حصصها في هذه العائدات، وأنهما عمدا إلى تجميد مداخيل الهاتف الخلوي في حسابات خاصة في مصرف لبنان بحجة دفعها مباشرة إلى البلديات دون مرورها في وزارة المال، معتمدين في ذلك على تفسير شخصي لنص المادة 55 من قانون الضريبة على القيمة المضافة، ما أدى عملياً إلى حجب أموال طائلة عن البلديات كانت قادرة على إطلاق حركة إنمائية تشمل كل المناطق اللبنانية».
إلا أن وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي أوضح أنه منذ عام 1994 لم يتم إرسال الأموال المخصصة للبلديات من عائدات الهاتف الخلوي، ولم يصر الى الاعتراف بتلك الحقوق، الى حين وصول وزراء تكتل التغيير والإصلاح الذين خصصوا حساباً في مصرف لبنان لمصلحة البلديات لحفظ وتأكيد هذه الحقوق. وقال «إن أبسط ما يمكن فعله اليوم هو توزيع المستحقات الماضية والسنوية وفقاً للقانون، فالحل جاهز وهو توقيع مشروع المرسوم الذي يحدد آلية توزيع تلك الأموال وقد أعدّه كل من وزراء الاتصالات والداخلية والمال في الحكومة السابقة معتمدين بذلك على النص الواضح للمادة 55 من قانون الضريبة على القيمة المضافة الذي لا يحمل أي تأويل. وجاءت موافقة الوزراء المذكورين أعلاه بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 52 تاريخ 9/1/2013 الذي بتّ عموماً مبدأ آلية التوزيع، وهو 80% على أساس عدد السكان المسجلين، و20% على أساس عدد السكان الفعليين، تحقيقاً للإنماء المتوازن الذي نص عليه الدستور».