IMLebanon

أزمة اليورو : تفكك ام تماسك لاوروبا؟

EURO1

عزة الحاج حسن
تشخص أنظار العالم إلى أوروبا، أو إلى القارة العجوز كما يحلو للبعض تسميتها، بعد أن تأرجحت عملتها الموحدة بين الإستقرار والخطر، حتى وصل بها الأمر إلى شفير الهاوية، كما يرى بعض المراقبين.
فبعد انتكاسة اليورو ووقوعه من جديد في براثن الأزمة المالية، التي عادت لتعصف في بعض أعضاء الإتحاد الأوروبي، وبعد تراجع قيمته الى أدنى مستوى منذ إطلاقه في العام 1999، توالت التوقعات والتكهنات حول مستقبله، فإنقسم المحلّلون بين مقتنع بقتامة مستقبل اليورو، وبين رافض لفكرة انهياره.

كثيرون من المراقبين الدوليين يعتقدون إلى حد الجزم، أن انهيار اليورو بات أمراً حتمياً، أو مسألة وقت لا أكثر، مستندين إلى الخطر الذي يحيط باليورو حالياً، نتيجة الأزمات المتتالية التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي، والتي تدفعها واحدة تلو الأخرى إلى طلب المساعدة المالية، أو الدخول في مفاوضات من أجل تأمين حزمة للإنقاذ المالي حتى لا تتعرض لمخاطر الإفلاس.
وقائمة الدول الأوروبية التي تحتاج إلى المساعدة المالية، والتي ترتفع تكاليف الإقتراض بالنسبة إليها على نحو واضح تميل نحو التزايد، وهي اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وايرلندا.
ويعتقد أصحاب النظرة المتشائمة حيال اليورو، أن انهياره سيؤدي الى تفكك الإتحاد الأوروبي بشكل حتمي، وهو أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تدفع بها أزمة الديون السيادية. وعلى الرغم من صعوبة حدوث هذا السيناريو إلا أن خطر حدوثه يتزايد بإضطراد، حتى بات من الصعب على الباحثين والمحللين استبعاد سيناريو تفكّك الاتحاد من خريطة السيناريوهات المستقبلية للعالم.

ويقابل سيناريو انهيار اليورو، سيناريو المراقبين المتفائلين وهم من يؤمنون بأن لا خوف على مستقبل العملة الموحدة، ويقولون بأن الأزمة المالية التي أجبرت الدول الضعيفة في منطقة اليورو، مثل اليونان وأيرلندا والبرتغال، على إعتماد خطط الإنقاذ، يجب أن تدفع زعماء أوروبا نحو مواجهة الأزمة بجدية، “لأن الأزمة باتت حرجة”، بحسب أحد المراقبين الدوليين.
وعلى الرغم من بعض الآمال بخروج منطقة اليورو من أزماتها، غير أن حقيقة دخولها مرحلة الخطر لا يمكن تجاهلها، ما دفع أصحاب وجهتي النظر الى التحذير من مواجهة “أزمة تآكل الثقة”، إذ بات من الضروري التعامل مع هذا الأمر من طريق “تطويق” البلدان التي لديها مشكلة وعدم السماح بانتشار عدوى الديون، لاسيما بعد أن فشلت خطط القضاء على أزمة منطقة اليورو في طمأنة الأسواق، التي لا تزال تشعر أن المشكلة يمكن أن تمتد الى اقتصادات أكبر من اليونان وإيطاليا وأسبانيا.

ولم ينكر الطرفان التراجع اللافت في معدل النمو في دول منطقة اليورو، وارتفاع مستوى البطالة، وهبوط أسعار النفط الذي أدى الى انخفاض تكاليف الإنتاج وتراجع الأسعار، وهو ما ينبىء بدخول المنطقة في مرحلة كساد اقتصادي، الأمر الذي استدعى من البنك المركزي الأوروبي ضخ كميات كبيرة من الأموال في شرايين اقتصاد دول اليورو، لزيادة الأسعار وإنعاش الطلب، على الرغم من أن تلك الخطوة ستؤدي الى مزيد من هبوط قيمة العملة، مع زيادة المعروض منها في الأسواق بدرجة كبيرة.

“أزمة تآكل الثقة باليورو” التي باتت تتوسع في العالم يعتبرها الخبير الإقتصادي الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ “المدن”، نتيجة مبدئية لأزمة العملة الموحدة. إذ ذهب غبريل أبعد من ذلك بكثير، عبر القول بأن “أزمة اليورو باتت أزمة بنيوية، فالإتحاد الأوروبي يعتمد عملة واحدة وسياسة نقدية واحدة ولكنه يحوي أكثر من 17 سياسة مالية مختلفة من بلد الى آخر وهذا هو مكمن الخلل، وإذا قارنا منطقة اليورو مع الولايات المتحدة نجد أن الأخيرة أكثر استقراراً لأنها تعتمد عملة واحدة وسياسة نقدية واحدة وسياسة مالية واحدة على الرغم من احتوائها نحو 50 ولاية”.
وإذ أبدى غبريل تشاؤمه حيال مستقبل اليورو، معتبراً انه “في حال لم تُعالج منطقة اليورو مشاكلها البنيوية بشكل جذري، فإنها ستفقد وحدة عملتها بعد سنوات، وكأبعد تقدير في العام 2020”.
وما يزيد الخطر على استمرار وجود اليورو هو عدم التزام دول الاتحاد الأوروبي بسقف العجز المالي، أي 3% من الناتج المحلي، وهو ما يجذّر المخاطر البنيوية، أضف إلى ذلك الخلل في تنافسية الدول الأعضاء في الإتحاد.
وأوجز غبريل وضع الإتحاد الأوروبي واليورو بـ “عدم نجاح التجربة”، لاسيما أن تراجع اليورو ومستقبله باتا متعلّقين بتحسن أداء الدولار فحسب.