IMLebanon

حرب المعدن الأصفر… في ما وراء الستار

GoldReserves
انيس ديوب
خلف المشهد الظاهر من الصراع السياسي الدولي بين روسيا والصين من جهة، وبين الغرب عموما، والولايات المتحدة من الجهة الأخرى على النفوذ، وأيضا، حول ملفات الأزمات، بدءاً من الملف النووي الإيراني مروراً بملف الشرق الأوسط كلل، ووصولاً إلى الأزمة الأوكرانية وغيرها من أزمات العالم، يدور صراع من نوع آخر سلاحه الذهب، حيث يبدو أن احتياطي الدول من الذهب، في طريقه لأن يصبح سلاحاً فتاكاً في ذلك الصراع.

فقد لاحظ مراقبون مؤخراً، كيف تقوم روسيا ببيع نفطها وغازها مقابل سبائك من الذهب، بدل الدولار في الوقت الذي يحاول الغرب ضرب الاقتصاد الروسى بخفض أسعار النفط عالمياً كونه أهم سلعة فى صادرات روسيا للعالم وذلك في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة من أجل خفض اسعار الذهب لرفع قيمة الدولار.
ويشير مراقبون إلى حقيقة لجوء روسيا خلال السنوات الأخيرة إلى شراء الذهب بقوة، الأمر الذي جعل حيازتها من الذهب ترتفع إلى 38.2 مليون أونصة كما فى الأول من ديسمبر، 2014 وفقاً لبيان صادر عن البنك المركزى الروسى الشهر الماضي صعوداً من37.6 مليون أونصة. وخلال نصف العام 2014، اشترت روسيا 54 طناً من الذهب، ما يجعلها متفوقةً على الصين في الحجم الإجمالي لاحتياطي المعدن الثمين. ومع هذا، فلا يزال الذهب يشكّل 10 % فقط من إجمالي الاحتياطيات الروسية.

خيار استراتيجي
فقد أصبحت روسيا سادس أكبر بلد باحتياطي الذهب في العالم، بحجم إجمالي بلغ 1097.7 طناً، وفقاً لدراسة أجراها مجلس الذهب العالمي. ونتيجة لذلك، فقد ارتقت روسيا إلى المرتبة التي كانت تحتلها الصين التي بقي احتياطي الذهب لديها عند مستوى الربع السابق 1054.1 طن.

وبحسب محللين، فإن الاقتصاد الروسي يقلص عبر هذه الاستراتيجية اعتماده على الدولار واليورو، اللذين يحتلان جزءاً كبيراً من الاحتياطيات النقدية والذهبية في البلاد. وقبل فترة، نشرت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» مقالا تحت عنوان «روسيا تشتري ثلث الذهب العالمي» جاء فيه أن البنك المركزي الروسي حطم العام الماضي رقما قياسيا في شراء الذهب حيث اقتنى 171 طنا، ما يشكل ثلث الذهب الذي اشترته المصارف المركزية لدول العالم الأخرى.

وجاء في المقال أن هذا الأمر يفسر بالدرجة الأولى بزيادة حجم استخراج الذهب في روسيا التي شغلت العام الماضي المرتبة الثانية في العالم في هذا المجال، واستخرجت 272 طنا من الذهب، أي ما يزيد بنسبة 9 % عما هو عليه عام 2013، علما أن المرتبة الأولى في هذا المجال تشغلها الصين التي لا تفصح عن حجم إنتاجها من المعدن الأصفر. أما استراليا فتشغل المرتبة الثالثة من حيث استخراج الذهب في العالم.

كما قدم المركزي الروسي دعما واسع النطاق لصناعة استخراج الذهب الوطنية، ففي ظروف الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بدأ المصرف المركزي الروسي، بمنح البنوك التجارية قروضاً مدعومة باحتياطات الذهب. وفي حال عدم مراعاة تلك البنوك لشروط اتفاقية الاقتراض فإن احتياطي الذهب لدى المركزي الروسي سيزداد بضعة مليارات دولار.

المرساة الأخيرة للروس
وفي هذه الظروف يبقى الذهب مرساة أخيرة لروسيا، بدليل ارتفاع حصة هذا المعدن في احتياطيات البلاد المالية العام الماضي بنسبة 12 % . وجاء في المقال أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي زادت من احتياطياتها الذهبية، إذ تمارس الصين سياسة مماثلة، وتزيد من احتياطياتها الذهبية عن طريق شراء أطنان من المعدن النفيس بل ومناجم بأكملها.

وهناك معلومات غير رسمية تدل على أن الصين تسعى إلى زيادة احتياطياتها في البنك المركزي من الذهب من ألف طن إلى 10 آلاف طن. وتأتي الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى في هذا المجال حيث تمتلك 8 آلاف طن من الذهب الاحتياطي. أما البنك المركزي الروسي فلديه 1.2 ألف طن من الذهب.
وقد شرح المحلل بافل سيمونينكو أسباب قيام بنك روسيا بزيادة احتياطيات الذهب فقال: من جهة، تقلل الهيئة المنظمة الروسية من المخاطر بسبب العقوبات المحتملة، ومن جهة أخرى تقوم بتنويع استثماراتها. وأضاف أن ذلك يأتي بسبب خطر احتمال فرض عقوبات على معاملات الصرف الأجنبي بالدولار واليورو، وأشار الى أن البنك المركزي سيستمر بتنويع الأصول، وقد ترتفع حصة الذهب في إجمالي الاحتياطيات بحلول نهاية العام إلى 15 %. وأضاف:«وبهذا، يسعى البنك المركزي إلى حماية الاحتياطيات في حالة تدهور الوضع السياسي. وعلاوة على ذلك، فالذهب هو أحد الأصول الدفاعية، ويبدو الاستثمار في هذه الأصول، على خلفية زيادة التوقعات بحلول موجة ثانية من الأزمة العالمية، أكثر من ملحّ بالفعل».

ونتيجة لذلك، انخفضت حصة العملات الأجنبية في الاحتياطيات خلال نصف عام، حسب البيانات الرسمية للبنك المركزي الروسي، من 90 % إلى 87.5 %. وفي هذا الشأن يقول أليكسي كوزلوف كبير محللي UFS IC :«ترتبط الزيادة في احتياطيات الذهب في روسيا، برأينا، بالتغير في هيكل الاحتياطيات النقد – ذهبية. كما تقلل روسيا الاتحادية من حجم الاستثمار في السندات الأميركية والدولار واليورو».

وفي رأيه، فإنه في الوقت الذي يتبع فيه كلّ من البنك المركزي الأوربي ونظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية «سياسة نقدية رخوة للغاية، أي خفض سعر العملة، ومع تزايد احتمال المخاطر الجيوسياسية، فمن المنطقي زيادة نسبة الذهب في الاحتياطيات النقد – ذهبية».

اتجاه عام
يقول الخبراء إنه في السنوات الأخيرة، بشكل عام، شهد منحى نمو احتياطي الذهب في الاحتياطيات النقد – ذهبية في العالم ارتفاعاً ملحوظاً. ويقول ديمتري بيدنيكوف، رئيس قسم التحليل في شركة الاستثمار الروسية «روس إنفست»:«إن ذلك عائد إلى ارتفاع معدل التذبذب في أسواق العملة والسياسة النقدية الليبرالية التي تسود في البلدان الرائدة المصدرة للعملة». وتتكون هذه الاحتياطيات النقد – ذهبية في البلدان النامية ذات التوجه التصديري الواضح، أساساً، من أصول العملات الأجنبية.

فعلى سبيل المثال، إن نسبة الذهب في احتياطي الصين هي 1 % فقط، وفي الهند 7 % وفي روسيا 10 % وفي اليابان 3 % وفي المملكة العربية السعودية 2 % أما في البرازيل فأقل من 1 %. ويوضح بيدنيكوف ذلك، قائلاً: «تقع على الضفة الأخرى، البلدان التي نسبة الذهب في احتياطياتها كبيرة أو مهيمنة. لكن نسبة الذهب في احتياطي الولايات المتحدة هي 72 % وفي ألمانيا 68 % وفي فرنسا 65 % . وبالتالي، يمكن النظر إلى زيادة احتياطيات الذهب كاتجاه إيجابي من ناحية نمو تنويع هيكل الاحتياطيات وموثوقيتها».

وكما يلاحظ الخبراء، فبالإضافة إلى الزيادة في احتياطيات الذهب في هيكل احتياطي البلدان النامية، يتم إعادة توجيه كلي للاقتصاد الروسي من الدولار إلى الأصول البديلة، حيث يقول المحلل في الشركة الاستثمارية القابضة «فينام» أنطون سوروكو: «تكتسب عملية الاستغناء التدريجي عن العملة الأميركية في روسيا زخماً يمكن ملاحظته من خلال القرارات السياسية وإجراءات أكبر الكيانات الاقتصادية».

يقول ألسدير ماكليولد، رئيس الأبحاث لدى بورصة السبائك أن الرئيس فلاديمير بوتين قد يلجأ إلى نظام «معيار الذهب» النقدى لدعم اقتصاد بلاده. وأن روسيا كانت، ولا تزال قادرة على تبنى معيار الذهب. ويضيف «ليس هناك شك فى أن روسيا والصين، إضافة إلى دول يوراسيا الأخرى، تقوم بتكديس الذهب، وهناك مؤشرات على أنها تراه محورياً للحلول مكان الدولار الأمريكى فى تجارتها العابرة للحدود».

أسلحة دمار شامل مالية
وأضاف: «أما إذا كانت روسيا ستفعل ذلك حقاً، فتلك مسألة أخرى» لكنه توقع أن يفتقد بنك روسيا المركزى الجرأة لفعل ذلك. وقال إنه إذا أثير بوتين بما يكفي، فقد يحكم بأنه الأفضل لمصالح روسيا، ومن ثم يقوم بقمع كل الأصوات المعارضة داخل البنك المركزى. وتابع قائلاً إن من مصلحة روسيا أن تنأى بنفسها عن العملات الغربية المتضخمة، وأن تؤسس اقتصادها على عملة سليمة مثل الذهب.

بيد أن الدول المدينة التى توفر رفاهاً حقيقياً لمواطنيها ستكون الأكثر عرضة للتهديد عند أي عودة إلى تحويل الذهب، ولذلك يرى ماكلويد أن روسيا ربما تعمل بالتالي على بناء «أسلحة دمار شامل مالية». فلقد تم اطراء إدارة الرئيس الأمريكي الراحل نيكسون، عندما كسرت الرابطة بين الذهب والدولار فى بداية سبعينات القرن الماضي، وسط تضخم جامح وتصاعد فى التكاليف نتيجة لحرب فيتنام، وأزمة النفط. وقبل ذلك، كانت هناك كمية ثابتة من الذهب، قابلة للتحويل مباشرًة إلى الدولار وبالعكس. ويعني ذلك من الناحية النظرية أن عرض النقود يتم تحديده بكمية الذهب التى تدعمه٬ بينما كانت أسعار الصرف تبنى على الفرق فى سعر أونصة الذهب بين الدولار وعملة أجنبية أخرى.

بوتين والصين
وقبل أكثر من عام قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تصريحات صحافية خلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرج، إن بلاده والصين في حاجة إلى التأكد من أن احتياطياتهما من الذهب والعملة آمنة. وأضاف بوتين:«من المهم بالنسبة إلينا (روسيا والصين) أن نودع تلك الاحتياطيات (احتياطيات الذهب والعملة) بطريقة رشيدة وآمنة. ونحتاج سويا إلى التفكير في كيفية عمل ذلك، واضعين في اعتبارنا حالة الاقتصاد العالمي المضطربة».

ويدور احتياطي روسيا من النقد الأجنبي في حدود 520 مليار دولار، فيما نما احتياطي الصين من النقد الأجنبي، وهو الأكبر في العالم، بواقع 130 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، 2014، ليسجل مستوى قياسيا عند 3.95 تريليون دولار.