IMLebanon

صيد السمك في صيدا.. مهنة قلّ فيها الرزق من البحر

SaidaPortFishing

سامر زعيتر

ينطلقون في ساعات الفجر باكراً بحثاً عن رزق السماء في مياه البحر، يتحدّون الأمواج العاتية مع كل عاصفة تضرب الشاطئ الصيداوي، ولكن المغامرة قد لا تعطيهم ما يتمنون…
مشاكل عدّة باتت الخبز اليومي لحياة العاملين في مهنة صيد الأسماك، التي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد آخر، والتي زاد عدد مزاوليها من 30 صياداً في السبعينيات إلى أكثر من 500 صياد في يومنا هذا…
مهنة تكامل مع بيع الأسماك داخل سوق السمك، وما بينهما بيع السمك المستورد، ولكن الأخير يبدو أن لا مكان له في هذا السوق نتيجة قرار اتخذ من قبل البلدية وبدأ سريانه مطلع الأسبوع الحالي، فيما يطالب العاملون في هذا المجال بإيجاد البديل المناسب…
بعد هدوء العاصفة لم تكن آثارها مدمّرة على غرار سابقتها، لكن التوقف عن العمل بسبب الظروف الطبيعية قطع الدخل عن الأسر العاملة في هذا القطاع، الذي يزخر بالمشاكل المتعددة…
«لـواء صيدا والجنوب» يسلط الضوء على مهنة الصيد ومشاكلها، حيث زار ميناء الصيادين في صيدا، وعاد بهذه الانطباعات…

تدهور الأحوال
انحسار العاصفة لم يتكشّف عن أضرار كبيرة، على غرار بقية المناطق كون السنسول البحري بات يحمي مرفأ الصيادين، لكن الخسائر الناتجة عن تقطيع الشباك أمر لا بد منه.
عائلة سنبل التي تضم ما يقرب من 25 بحاراً تُعد أحد العائلات العاملة في مهنة الصيد، إلى جانب عائلات وهبي وبوجي والنقيب، فيما يترأس نقابة الصيادين في المدينة إبراهيم النقيب، التي لها مقرّها على مقربة من المرفأ، ولكن تحلو جلسات الصيادين في المقهى بالقرب منه.
وفي مرفأ الصيادين، حيث ترسو المراكب الصغيرة التي يعتاش منها العاملون في مهنة الصيد، ترى الأحوال قد تبدّلت ولم تعد كما كانت عليه، فضلاً عن ضراوة العواصف التي تشكّل عبئاً يعيق عمل الصيادين.
{ جمال سنبل، الذي يعمل في المهنة منذ نعومة أظافره، كان يرافق والده منذ كان في سن الثالثة، وقد أمضى فيها 50 عاماً، قال: «لم نتمكن خلال العاصفة من الخروج إلى العمل لأن ارتفاع الموج حال دون ذلك، ولكن هذه العاصفة لم تكن سيئة كسابقتها، ولكن كان هناك ضرر على صعيد تقطيع الشباك من خلال الأوساخ التي علقت بها، كما أن البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى العمل يشكّل ضرراً للصياد الذي يعيش كل يوم بيومه. أما العاصفة السابقة فكانت أضرارها جسيمة، لذلك تم تقديم مساعدة للصيادين من قبل البلدية بعد طلب النقابة من فاعليات المدينة مساعدتهم وتعويض الصيادين عن هذه الأضرار، وهذا ما تم فعلاً».
وعن واقع المهنة اليوم قال: «كانت مهنة جيدة في السابق، ولكنها اليوم لم تعد كذلك، فمنذ 15 عاماً كانت تعطي ثمارها، ولكن اليوم خفّت الأسماك بسبب كثرة الصيادين، الذين كان تعدادهم ما يقارب من 30 بحرياً في السبعينيات، لكن اليوم هناك ما يقارب من 500 بحري، ويعمل معي حالياً ولد واحد من أولادي الثلاثة، وأنا لا أشجع الأولاد على مزاولة مهنة الصيد، لأنها لم تعد مصلحة بل قطعة من العذاب للحصول على قوت يومه، فمنذ 50 عاماً وحتى اليوم لم استطع انجاز أي شيء يذكر سوى تأمين الرزقة اليومية».
مهنة الصغار والكبار
مهنة لم تعد مرضية للكبار، فيما الصغار لا يزال البعض منهم متعلق بها، ربما لأنها تعطي له دخلاً كبيراً مقارنة باحتياجاته الصغيرة أو لعدم رغبته متابعة الدراسة، فيما البعض الآخر فضّل العلم على العمل مبكراً نظراً لما خبره من معاناة العاملين في هذا القطاع.
{ فعلى مقربة من المكان، كان نجله بلال سنبل يقوم بمهنة والده بدءاً بتنظيف الشباك بعد انحسار العاصفة، وعن حبه للعمل قال: «أبلغ من العمر 14 عاماً ونحن 7 أفراد في العائلة، ولقد شاركت والدي في المهنة لمساعدته، إضافة إلى أنني لم أحب المدرسة».
{ أما شقيقه عمر سنبل فقال: «لا أزال أتابع الدراسة، ولكن في العطلة أقوم بمساعدة العائلة في الصيد».
{ بدوره محمد عفيف بوجي قال: «أتابع تعليمي ولا أحب مهنة الصيد، واكتفي بالتفرّج عليهم لأن العمل المبكر هو جهل، ولا يستطيع الصياد إلا الحصول على شختورة مكركعة».
{ أما السعادة في الحصول على الرزق فعبّر عنها وليد ومحمد بوجي بالقول: «سعداء لأننا حصلنا اليوم على صيد سنقوم ببيعه في المزاد، لأن السمك الطازج أمر نادر اليوم».
السكوت عن الخطأ!
ما بين فرحة الصغار وهمّ الكبار من مهنة باتت مرهقة، فإن تعدد الأسباب وعدم إيجاد حلول لها يبقى الحال على ما هو عليه.
{ جمال بلباسي، البالغ من العمر 58 عاماً أمضى منها 45 عاماً في الصيد، عبّر عن واقع المهنة بالقول: «اليوم المهنة عدم شرعي، ولكن نستمر بها لأنها كل ما نعرف، ففي السابق كنا نعتاش منها ونعيش بكرامة، ولكن اليوم بوجود الجاروفة ذات الفتحات الضيقة، فإن الثروة السمكية لم تعد موجودة، وللأسف يتم إلقاء الأسماك الصغيرة بعد اصطيادها في المهملات بدلاً من بقائها في البحر، فالشباك عينها 2 ملم بينما المفروض أن تكون 20 ملم، فالمطلوب من الدولة الرقابة على عملية الصيد ومنع الشباك الضيقة، حيث يتم استخراج سمكة السلطان إبراهيم أو حبة القريدس أصغر من عود الكبريت، وهذا أمر خاطئ».
وعن سبب عدم التدخّل أو القيام بالتوعية من قبل الصيادين أنفسهم قال: «للأسف إذا كان هناك توجيه من شخص لأخر، فإن الأمر يصوّر على غير حقيقته، فإما تصبح المسألة سنّي – شيعي، أو خلاف بين تابع لتيار سياسي دون آخر في مدينة صيدا، لذلك ودرءاً للفتنة تبقى الأمور كما هي عليه، ويسكت الإنسان عن الغلط خوفاً من حدوث ما لا تحمد عقباه».
وعن سبب عمل أولاده في المهنة قال: «أولادي الثلاثة يعملون في المهنة وذلك بسبب الظروف الصعبة والأحوال الفقيرة التي تجبرنا على العمل كعائلة لكي نعتاش ونؤمّن رزقتنا اليومية».
بيع الطازج ومنع المبرّد!
وتكاملاً مع مهنة الصيد تأتي مهنة بيع الأسماك بالجملة أو المفرّق، وهنا يأتي دور المزاد لتحقيق أفضل سعر لمن يشتري الأسماك الطازجة بالجملة من قبل مجموعة من التجار العارفين بهذا المجال وعلى رأسهم الحاج خالد نضر وحسن بوجي.
{ فادي نضر قال: «عملية البيع تتم من خلال المسمكة لمن يريد الشراء بالمفرّق وفي نفس المكان يتم البيع بالجملة من خلال المزاد العلني الذي يمكن الناس من الحصول على سعر أفضل.
وخارج سوق السمك، يوجد 4 بسطات أنذرتها بلدية صيدا بضرورة إخلائها منعاً للخلط بين الطازج والمستورد».
{ حسن القرص البالغ من العمر 45 عاماً قال: «أعمل في بيع الأسماك منذ 30 عاماً ولم أتزوج، فالمصلحة تتراجع يوماً بعد أخر، والرزقة لا تعتمد على الأسماك القادمة من البحر مباشرة بل على المستورد أيضاً، ولكن يأتي بعضها يوماً واحداً من تركيا، ولقد قامت البلدية بإصدار قرار بمنعنا من البقاء بالقرب من المسمكة لأننا نعدّ بسطات كي لا يؤثر السمك المثلج على السمك الطازج، لكن يمكن التمييز بين السمك العادي والطازج، فالأجنبي الذي يعتمد على التربية في البرك، أسعاره أرخص ويمكن معرفته من خلال سواد العين، فيما الأسماك الطازجة مرتفعة السعر وفيها فائدة غذائية أكبر».
المطالبة ببديل مناسب
{ بدوره حسن شعبان قال: «نحن لدينا عائلة ونقوم بدفع إيجار للمنزل، ونعتاش من وراء هذه البسطة، فكيف نستطيع كلبنانيين العيش إذا تم إزالة بسطاتنا، فهل نسرق أو ماذا نفعل؟! فوالدي يعمل صياداً أما أنا فأبيع السمك المبرّد وليس الطازج، ولا يمكن الخلط بينهما لأننا خارج المسمكة ولسنا في داخلها، فنطلب إيجاد بديل مناسب لنا كي نستمر في العيش».
مشاكل متعددة تواجه العاملين في صيد الأسماك وبيعها، يضاف إليها الواقع الاقتصادي الضاغط، الأمر الذي يزيد العبء على الصيادين وبائعي الأسماك.