IMLebanon

منتجو الحليب في عكار.. ضحية التهريب والمضاربة

MilkCow
ساندي الحايك

يوماً بعد يوم تتفاقم معاناة منتجي الحليب في عكار، جراء المضاربات في أسعار الحليب والألبان والأجبان المستوردة من الخارج. فنحو ألفي عائلة في عكار تعاني من كساد إنتاجها من الحليب، ولم يبق أمامها، على ما يبدو، سوى التحرك في الشارع للفت الأنظار إلى مشكلتها.
يبلغ عدد رؤوس الأبقار الحلوب في عكار خمسة عشر ألفاً، فيما يصل حجم إنتاج الحليب في المحافظة إلى نحو 40 طناً. يشكو المزارعون من عدم قدرتهم على تصريف إنتاجهم بسبب المضاربات الناجمة عن إستراد كميات كبيرة من الحليب من الخارج، من جهة، وعدم دعم الدولة اللبنانية لهذا القطاع من جهة ثانية.

يشير رئيس تعاونية إنتاج الحليب في منطقة الدريب- عكار جوزيف عبدالله، إلى أنّ “شركات عديدة تستورد حليب البودرة من دول أوروبية، نظراً لتدني سعره، وتستخدمه لإنتاج الأجبان والألبان بعد تحويله إلى سائل، حيث أن كيلوغراماً واحداً من حليب البوردة ينتج 10 كليوغرامات من الحليب السائل. من جهة ثانية، تستورد الدولة اللبنانية سنوياً نحو 7 ملايين ليتر من الحليب السائل المبرد من السعودية، بينما تبلغ قيمة الإستهلاك المحلي من الحليب البارد نحو 12 مليون ليتر، ننتج منها محلياً 5 ملايين فقط. في حين أننا قادرون على تأمين نحو 10 ملايين ليتر، إذا فرضت الدولة اللبنانية ضريبة على الحليب المستورد. ويُباع هذا النوع من الحليب بسعر بخس جداً مقارنة مع أسعارنا، وذلك يعود لكون إنتاجه مدعوماً ومعفى من الضرائب في السعودية”.

يتابع عبدالله: “على الحكومة اللبنانية أن تلتفت إلى ما يجري على نقطة الجمارك في محلة العبودية، عند الحدود اللبنانية السورية من فساد وسمسرات. إذ يدخل عبرها يومياً ما يناهز الطن ونصف الطن من الجبنة المعروفة بالعكاوي، والتي لا يتخطى سعر الكيلوغرام منها الـ4 آلاف ليرة، بينما تتجاوز كلفة الجبنة المصنعة يدوياً من الحليب الطازج الـ8 آلاف ليرة. وهو فارق أدى إلى كساد أطنان هائلة من الأجبان في المزارع اللبنانية”.
ويشير صاحب إحدى مزارع الأبقار في عكار مرعب الأحمد إلى أن “المشكلة الكبرى في مسألة دخول الأجبان السورية إلى أسواقنا هي في تواطؤ موظفي الجمارك مع التجار. ينشط في هذا المجال خمسة أشخاص، يؤمنون دخول سيارات الأجرة المحملة بالأجبان المصنعة في سوريا. وغالباً تكون البضائع موضبة بطريقة عشوائية، في أوانٍ غير مطابقة أو في أكياس من النايلون، داخل سيارات وليس في برادات خاصة. ولتمريرها يلجأ السماسرة إلى عرض قطع جبنة من خارج البضائع الموضبة، على المفتشين في نقطة الجمارك. وتباع الأجبان بسعر الكلفة، ما يؤدي إلى كساد منتوجاتنا بسبب عدم قدرتنا على منافسة الأسعار المعتمدة”.

ويؤكد الأحمد أن “بعض أصحاب المعامل المعروفين يلجأون إلى شراء كميات كبيرة من هذه الأجبان وتوضيبها بعلب خاصة مع لصق اسم الشركة عليها. وتباع داخل السوق اللبنانية على أنها منتج محلي”.
من جهة أخرى يلمح نائب رئيس التعاونية الزراعية في حلبا بكر نعيم إلى أن “عدداً كبيراً من الجمعيات والتعاونيات الزراعية في عكار، حاولت مساعدة منتجي الحليب والألبان والأجبان عبر شراء منتوجاتهم، ولكننا لا نستطيع حل كل المشكلة في ظل المضاربة الحاصلة على الانتاج المحلي”. ورأى أن “الإنتاج المحلي لا يكفي لسد حاجة البلاد، ولكن الإستيراد المبالغ فيه سيقطع أرزاق المزارعين”.

ويؤكد المزارعون أن “وزارة الزراعة كانت قد وحدت سعر الحليب بألف ومئتي ليرة لليتر الواحد، لكن أحداً من أصحاب المعامل لا يلتزم به، حيث يباع الليتر الواحد من الحليب بأقل من 800 ليرة”. في حين توضح وزارة الزراعة أن “السعر التوجيهي لبيع الحليب وُضع لحماية المزارعين ولكننا لا نستطيع إلزام أصحاب المعامل بالتقيد به عندما يعانون من التراجع والخسارة”. ويؤكد مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة إلياس إبراهيم لـ “المدن” على أن “سوق الحليب في لبنان سوق موسمي، يتعرض للكثير من التقلبات بحسب نسبة العرض والطلب. ومنذ نحو ثلاثة أشهر إرتفعت نسبة عرض الحليب، بينما تدنت نسبة الطلب عليه وانخفضت أسعاره”. ويضيف: “لا شك أن مسألة تهريب الحليب والأجبان من سوريا إلى لبنان أدت إلى ضرب محاصيل المزارعين ولاسيما القاطنين في مناطق حدودية نائية، إلا أن الوزارة أصدرت العديد من التوصيات للجهات الأمنية في هذا الإطار، بغية العمل على ضبط الحدود، خصوصاً أن معظم البضائع التي تدخل إلى لبنان بسبل غير شرعية، لا تحترم أدنى معاير النظافة”.

أما من جهة إستراد الحليب من الدول الأوروبية، فـ”إن بعض الأنواع من حليب البودرة لا يمكن أن نتوقف عن استيراده بسبب الطلب المتزايد عليه محلياً، كالـنيدو مثلاً. وبالرغم من ذلك فقد وضعت وزارة الزراعة العديد من الشروط على استيراده، إذ يخضع لفحوص عديدة للتأكد من مطابقته للموصفات المعتمدة. ولا نعتقد أن لإستيراده دوراً في أزمة الكساد لأن نسبة الإستيراد في العام 2014 متقاربة جداً مع النسبة المستوردة في العام 2013، لكن تدني سعره عن السنوات السابقة دفع بأصحاب معالم الألبان والأجبان إلى استخدامه كبديل عن الحليب الطازج”، وفق ابراهيم.
وعن استيراد الحليب المبرد من السعودية يشير إبراهيم إلى أن “عدد المعامل التي تنتجه في لبنان قليل جداً. وإنتاجنا منه لا يكفي استهلاكنا المحلي. فضلاً عن أن إنتاج هذا النوع من الحليب يتطلب توافر معامل ذات مواصفات عالمية”.

لم يبق أمام مزارعي عكار سوى التهديد بالتصعيد لعدم قدرتهم على تحمل المزيد من الخسائر. وعليه يؤكد عبدالله أن “اللجوء إلى الشارع خيار حتمي، إن لم تساهم وزارتا الإقتصاد والزراعة بحل المشكلة”.