IMLebanon

معركة واسعة في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك وجرود القلمون واقعة لا محالة

army-lebane-arsal

 

 

 

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

 

يُسمع صدى المعركة المقبلة في القلمون السورية وجرود عرسال اللبنانية المتاخمة لها في كافة أنحاء البقاع الشمالي. تحضيرات لوجستية وعسكرية تتزامن مع استعدادات كبيرة لجمهور «حزب الله» وبيئته للوقوف إلى جانبه في حال استدعت الحاجة وجودهم.

 

كل المؤشرات تدل على أن معركة واسعة في جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك إضافة إلى جرود القلمون واقعة لا محالة، وأولى بشائر هذه الحرب كان أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير خلال مناسبة إحياء ذكرى «القادة الشهداء» والتي دعا فيها بعض الأفرقاء اللبنانيين الى الذهاب معاً لقتال الجماعات التكفيرية في سورية والعراق، محذراً من الربيع، ومشيراً إلى أنّ على «السلسلة الشرقية هناك داعش والنصرة، وعندما يذوب الثلج هناك استحقاق وعلى الدولة أن تحزم أمرها لجهة كيف ستتعامل مع هذا الخطر الموجود على التلال والجبال»، ومطالباً بـ «التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري قبل ذوبان الثلوج، وكذلك بين الحكومتين اللبنانية والسورية».

 

أجواء البقاع «تغلي» على نار حامية على عكس حرارة الطقس المنخفضة إلى ما دون الصفر، إذ إن كل الأنظار متجهة إلى الجماعات المسلحة التي تنتشر داخل بقع جغرافية متفرّقة ضمن مساحة تتجاوز خمسين كيلومتراً على طول الحدود مع سورية وما زالت مصدر قلق كبير للجيش اللبناني و«حزب الله» وأيضاً أهالي البقاع الشمالي الذين باتوا يستشعرون بخطر يتهدد حياتهم أكثر من أي وقت خصوصاً في ظل المعلومات التي ترد تِباعاً عن نيّة هذه الجماعات التحضير لعملية عسكرية باتجاه بلدات لبنانية حدودية كسراً لعملية تضييق الخناق التي يقوم بها النظام السوري و«حزب الله» ضدّها لقفل المنافذ التي تمدّها بالسلاح الواقعة عند أطراف درعا والقنيطرة.

 

أعداد من مقاتلي «حزب الله» داخل البلدات والقرى البقاعية المحسوبة عليه «إداريّاً» ومذهبيّاً تم وضعهم في أجواء المعركة منذ فترة وجيزة، وقد سرت أخبار أخيراً تقول ان قيادة الحزب أصدرت توجيها خاصّاً إلى هؤلاء وتحديداً في منطقة البقاع – الهرمل طلبت فيه ضرورة التحضير للدفاع عن قراهم على خلفية وجود معلومات تفيد عن تحضيرات عسكرية كبرى لدى «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» و«داعش» للقيام بهجوم على عدد من المناطق التابعة للحزب انطلاقاً من الجرود عبر عرسال وصولاً الى رأس بعلبك والقاع، كما تمت دعوة عدد كبير من الشبّان البقاعيين للالتحاق بمراكز التدريب التابعة لـ «حزب الله» تحضيراً للأيام المقبلة وما يمكن ان تحمله على هذا الصعيد. ورغم عدم نفي أهالي هذه البلدات أو تأكيدهم لهذه الدعوات، تجدهم في حال تأهب دائم ومستعدين للذهاب إلى أي معركة يمكن ان يدعوهم «حزب الله» لخوضها.

 

اليوم لا وقت لدى «حزب الله» للالتهاء بالتسريبات الإعلامية التي تتحدث بشكل يومي عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوفه، فالهدف الأساسي بالنسبة اليه هو إنهاء حالة الجماعات المسلحة الموجودة ضمن نطاقٍ لطالما اعتبره هو والنظام السوري نقاطاً إستراتيجية بالغة الأهمية نظراً لمدى ترابُطها وتلاصُقها بالحدود مع دولة إسرائيل، وهذا ما يؤكده سير الأحداث الواقعة منذ اغتيال إسرائيل مجموعة من عناصر الحزب في القنيطرة لغاية اليوم، حيث يُحكى عن زجّ الحزب بأربعة آلاف مقاتل من قواته الخاصّة، بالإضافة الى ألوية أخرى من جيش النظام والحرس الثوري الإيراني لإنهاء وجود الجماعات المسلحة في درعا والقنيطرة بإشراف القيادي في الحزب مصطفى بدر الدين وضباط ايرانيين كبار.

 

لكن ماذا عن الحدود والتحضيرات في الداخل اللبناني لمعركة كهذه؟ وما دور الجيش اللبناني فيها؟

 

المعلومات تؤكد أن الجيش على أهبة الاستعداد لأيّ محاولة يقوم بها المسلحون لإحداث خرق ما للنفاذ منه إلى داخل الحدود اللبنانية، وأن غالبية الأسلحة التي تسلّمها في الفترة الأخيرة من مدافع وذخائر رغم قلّتها استُخدمت لتعزيز الجبهات التي ينتشر عليها في البقاع خصوصاً مواقع المواجهة في مشاريع القاع وجرود عرسال. كما عمد الجيش إلى تدعيم العديد من المراكز التي كانت تُعتبر ضعيفة نوعاً ما كموقع «تلة الحمرا» في جرود رأس بعلبك الذي كان سقط قبل فترة بيد المسلحين قبل ان يعود الجيش ويسترّده.

 

وعن دعوة نصرالله إلى التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمواجهة الإرهاب، تتقاطع المعلومات عند أن «حزب الله» يُدير في غالبية الأحيان التنسيق الميداني بين الجيشين اللبناني والسوري من خلال غرفة عمليات ميدانية يُديرها هو لكن بالتعاون والتنسيق بين الجهتين. كما أنه خلال المعركة الأخيرة التي وقعت في جرود رأس بعلبك والتي سقط للجيش اللبناني فيها خمسة جنود، كان لطيران النظام السوري دور فيها اذ شن مجموعة غارات متتالية ضد المسلحين سقط فيها العديد منهم وأجبر البعض الآخر على الانسحاب.

 

…أين عرسال من هذا الصخب؟

 

تمتدّ الحدود اللبنانية – السورية في جرود عرسال وحدها على مسافة تراوح بين أربعين وخمسين كيلومتراً. وتبعد عرسال عن أقرب بلدة سورية وهي بلدة «قارة» حوالي عشرين كيلومتراً (خط نار). ومساحة عرسال مع جردها هي التي يُقال إنها تساوي واحداً على 22 من مساحة لبنان ككل، ولذلك يتباهى «العراسلة» ببلدتهم التي تبلغ مساحتها 5 في المئة من أصل مساحة لبنان الإجمالية اي 10452 كيلومتراً مربعا.

 

داخل هذه البلدة القلقة على الدوام يتردّد صدى التجهيزات والتحضيرات العسكرية التي يقوم بها «حزب الله» بشكل علني في محيطها والجيش اللبناني بشكل غير مُعلن لغاية اليوم. والاهالي هنا يؤكدون على الدوام وقوفهم أمام مؤسسة الجيش وليس إلى جانبها فقط، لكنهم يستشعرون بخطر يدهمهم وهم البلدة البقاعية الأقرب إلى مرمى نيران الإرهاب. وانطلاقاً من خوفهم هذا، يُخبر «العراسلة» عن مدفعية الحزب التي تساند الجيش وعن راجماته التي أُعيد منذ ايام توزيعها بين القرى المحيطة بهم مثل «اللبوة»، «القاع»، «العين» و«النبي عثمان». ويُخبرون ايضاً كيف يتحضر الحزب للمعركة وكيفيّة نقل أسلحته من صواريخ وراجمات ودبّابات باتجاه المناطق الحدودية.

 

لا يُبدي رئيس بلدية عرسال علي الحجيري خوفه على البلدة رغم الخطر الذي يتهددها على الدوام ويقول لـ «الراي»: «نحن في حماية الجيش وندعمه بجميع الوسائل المتاحة لنا. واذا سألتَ الاطفال هنا عن مستقبلهم سيقولون لك ان أمنيتهم أن يُصبحوا جنودا في الجيش»، معتبراً أن الوضع لغاية الآن مقبول نوعاً ما، لكننا نخشى تطوّر الأمور لاحقاً في ظل الحديث المتكرّر عن فرضيّة توسّع رقعة الاشتباكات، وعندها سيكون الجميع هنا تحت التهديد والخطر خصوصاً أن هناك جهات تتمنى لا بل تنتظر حصول أمر كهذا لتُشفي غلّها من عرسال».

 

ويتمنّى الحجيري أنه «في حال قرر الجيش اللبناني فتح معركة مع الجماعات المُسلّحة ألا تكون عرسال نقطة الانطلاق في هذه المعركة، اذ في رأيه هناك مناطق كثيرة يمكن أن يصل الجيش و«حزب الله» الى الجرود ومنها: طريق بعلبك ونحلة والقاع، وبهذا يتم تجنيب عرسال فتنة وحده الله يعلم الى اين يمكن ان توصلنا؟»، مشدداً على «وقوف الأهالي الى جانب الجيش والتعويل عليه وحده في المحنة التي تمرّ بها عرسال، كونها المؤسسة الوحيدة الضامنة والقادرة على حماية عرسال وأهلها من كل متربّص سواء كان في الداخل أو الخارج».

 

وليس بعيداً عن الجبهات المشتعلة وتلك التي بدأت تتحضّر ليوم الحسم، تعود قضية العسكريين المخطوفين الذين تم أسرهم في الثاني من اغسطس الماضي إثر المواجهة الأولى بين الجيش اللبناني والجماعات المسلحة الموجودة في جرود عرسال لتطرح نفسها مجدّداً وبقوّة خصوصاً بعد إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق «أن تقدماً حصل في هذا الموضوع من دون ان يُعلن عنه بانتظار التصور النهائي حوله».

 

الشيخ مصطفى الحجيري أحد أهمّ الوجوه البارزة التي عملت على هذا الملف الشائك والذي يتولّى عملية التفاوض بين الدولة اللبنانية و«النصرة» كشف في حديث لـ «الراي» من منزله في عرسال عن «انفراجات جديدة طرأت على صعيد هذا الملف تمثّلت ببعض التنازلات بين الحكومة اللبنانية وجبهة «النصرة»، لكنه رفض الإفصاح عن مضمونها «ريثما تتبلور الأمور بشكل جيد»، مؤكداً أن «غالبية العقبات قد جرى تذليلها ولم يعد هناك سوى بعض التفاصيل المتعلّقة بآلية عمل الحكومة».

 

وأكد الحجيري أنه خلال زيارته للجرود في الأيام الماضية حيث التقى مسؤولين في «النصرة» لمس تعاطياً جدياً من قبلهم لإنهاء هذا الملف، موضحاً ان المطالب التي حمّلوه إيّاها «ليست تعجيزيّة ويمكن البناء عليها لطي هذه الصفحة المؤلمة وعودة العسكريين إلى أهاليهم بخير وسلامة»، ومعتبراً ان «كلام نصرالله الأخيرحول الدعوة إلى شنّ حرب على المسلحين في الجرود لن يؤثرعلى عملية التفاوض الجارية، لكنه يُعتبر وكأنه (نصرالله) قد تخلّى عن مطالبته بعودة الجنود وإلّا لكان ترك مساحة من الاعتبار للتفاوض القائم بدل أن يوجّه سهامه اليه وكأنه أراد تعطيل العملية من أساسها ووأدها في مهدها».

 

أمّا عن دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» إلى شنّ حرب على المسلحين قبل انتهاء الشتاء قال الحجيري: «قبل حلول الشتاء سمعنا قيادات في «حزب الله» تقول ان الدب الأبيض سيقضي على الدب الأسود، بمعنى أن الثلج وصقيعه كفيل بقتل أصحاب الرايات السوداء. يعني إذا كان السيد يعوّل على الفصول لإنهاء «الثوّار»، فعليه ان ينتظر مئة عام»، جازماً بأنه سمع من «النصرة» أثناء زيارته للجرود «أن معركتهم هي مع الحزب وليست مع الجيش اللبناني، وهي طويلة وقد تستغرق سنوات طويلة. ثم أنا أفهم أن الدولة وحدها التي تدعو إلى الحرب إلّا إذا كان نصرالله يعتبر نفسه هو الدولة».

 

وعن مشاهداته للجرود وصعوبة العيش هناك في ظل الطقس القاسي، قال الحجيري: «لقد رأيت بأم العين كيف حوّلوا الجبال إلى بيوت شبه شرعية لا ينقصها أي شيء. كما رأيتهم كيف يُخزّنون الكثير من المؤن الغذائية. ومن يُعوّل على موتهم من البرد، فهناك آلاف الأشجار التي يمكن ان يستعملوها للتدفئة، ومَن يعرف طبيعة منطقة القلمون وجبال «المعرة» و«الجبة»، يعلم تماماً أنها أحراج واسعة لأشجار اللزّاب ولذلك هم يملكون من الحطب والسلاح ما يكفيهم لسنين طويلة».

 

…بين الجرود والفصول لا يمكن التكّهن بمستقبل الحدود. وراء الجبال، مجهولون – معلومون يتحضّرون على الدوام لساعة الصفر التي يبدو أنها باتت قاب قوسين أو ادنى. وداخل الحدود الجيش اللبناني «على سلاحه»، و«حزب الله» يتعامل على طريقة…الربيع لناظره قريب.