IMLebanon

صيرفة الظل.. مخاطر إقتصادية بالجملة

FInancialDollarShadow
لا يكاد يمر يوم لا يرى فيه المواطن اللبناني إعلاناً عن تقديم مؤسسة مالية أو مصرفٍ، لخدمة الإقراض. ولأن البلاد تمر في مرحلة إقتصادية أقل ما يقال فيها انها سيئة، يتجه الأفراد والمؤسسات الى الإقتراض، لتسيير العجلة الإقتصادية الفردية والجماعية، ولتغطية الحاجة الى الإستهلاك بشكل أساسي.
وفي بلد كلبنان تتسارع فيه وتيرة الطلب على الإستهلاك، لا بد ان يخلق الطلب عرضاً. والعرض الكافي لا يمكن أن تقدّمه المصارف والمؤسسات المالية التقليدية، لما تتبعه من إجراءات وعمليات تعتبر معقّدة بالنسبة للأفراد، لأن طلبهم الإستهلاكي بسيط من الناحية النظرية، في حين ان العمليات المالية ومراعاة إجراءاتها القانونية، والحفاظ على هامش للمجازفة المالية، هي عملية واسعة بالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية. والفجوة التي تتركها هذه العلاقة بين الطرفين، تستدعي بالضرورة خلق عملية مالية تغطي الطلب المتزايد، وهذه العملية تجد ضالتها لدى مؤسسات تقوم بما يعرف بـ “صيرفة الظل”.
الظل المرافق لهذا النوع من الصيرفة، لا يعني عمليات مالية خارجة عن القانون، بل هي دلالة على العمليات المالية التي تدور في ظل النظام المصرفي التقليدي، ولا تصل الى حد التطابق معه. وقد أطلق الإقتصادي بول مكايل هذه العبارة في العام 2007 خلال المنتدى المالي السنوي الذي استضافه بنك الإحتياطي الفيدرالي، في كانساس سيتي في الولايات المتحدة الأميركية. ورأى مكايل ان نظام صيرفة الظل له ركيزة أميركية عبر مؤسسات مالية غير مصرفية، تعمل في ما يسميه الإقتصاديون “تحويل آجال الإستحقاق”. ويتبلور هذا التحويل، من خلال حركة الديون التي تقوم بتغذيتها تلك المؤسسات، إما بإعطاء ديون مباشرة، أو بشراء ديون، وتراهن تلك المؤسسات على تحقيق أرباح بواسطة الفوائد المرتفعة، التي تكسبها عبر تجميع الأموال بوقت قصير، وعليه، فإن شراءها للديون يفرض ضرورة سداد الدين في وقت قصير.
العمليات المالية الداخلة في إطار صيرفة الظل تحمل في طياتها مخاطر إقتصادية على مستوى فردي وجماعي، تحديداً على مستوى زيادة السيولة في الأسواق، وإغراق الأفراد بالديون، والتلاعب بأسعار الأصول بطريقة غير منظمة. فهذه الصيرفة بحسب ما يشير إليه رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، تخلق “تأثيراً مباشراً على حجم الإئتمان في الأسواق، بما يزيد من حدة تقلبات الدورات الإقتصادية. فقد يزيد عرض الإئتمان وبالتالي يرفع حجم السيولة، مما يؤدي الى إرتفاع أسعار الأصول، في فترات الرواج الإقتصادي، ويساهم في خفض معدل الطلب على الأصول في أوقات التباطؤ الإقتصادي، وبالتالي تدهور أسعار الأصول، مما يؤدي الى انعدام الثقة بين المتعاملين”.

السوق المالية التي تخلقها مؤسسات صرافة الظل، هي سوق مشروعة من الناحية النظرية، وتشهد نمواً مرتفعاً، تحديداً منذ بداية الأزمة المالية العالمية الأخيرة، حيث “وصل معدل النمو الى 67 تريليون دولار عام 2011، مما يشير الى خطورة أنشطة نظام صيرفة الظل، لاسيما في حالة شح السيولة مع تحول المقرضين إليه، هرباً من عمليات التدقيق والمراجعة”، وفق ما أضافه طربيه في كلمته التي ألقاها اليوم في افتتاح المنتدى المصرفي حول “صيرفة الظل في البلدان العربية”، الذي ينظمه الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، بالتعاون مع مصارف مركزية عربية. وهذه السوق المتنامية تعدّ مكاناً آمناً لإجراء عمليات تبييض الأموال والتهرب الضريبي… وما الى ذلك من عمليات مالية غير مشروعة. خاصة وان العمليات المالية التي تقوم بها مؤسسات الظل، تموّل من أموال ذاتية غير داخلة في الحسابات المصرفية، وبالتالي غير مراقبة من المصارف المركزية. ولفت طربيه النظر في هذا المجال، الى ان “المستثمرين الذين كانوا يضخون أموالهم في الأسهم، تحولوا الآن الى إقراض أموالهم”، ويعتبر هذا التحول “محفوفاً بالمخاطر. وتلجأ إليه البنوك أحياناً حتى لا تظهر الصفقات التي تشكل مخاطرة كبيرة في دفاترها”.
وعمليات تبييض الأموال عبر صيرفة الظل – على سبيل المثال لا الحصر – أمر تصعب مكافحته، إن لم تكن مستحيلة، لأن مراقبة هذه الصيرفة صعبة ومنعها مستحيل، اذ “لا قانون يمنع عملية الدين، طالما ان الدائن والمدين يتفقان في علاقة تعاقدية رضائية، وفي إقتصاد مفتوح كالإقتصاد اللبناني، لا شيء يحدد الفائدة على الديون”، بحسب ما يورده الخبير الإقتصادي لويس حبيقة، لـ “المدن”. ولأن عملية الدين مفتوحة، والعمليات المالية لهذه المؤسسات حرّة، فإن تبييض الأموال قد ينتشر بسرعة من دون أي إمكانية لضبطه، لأن حجم التداول المالي في هذه السوق غير محدد، رغم امكانية ملاحظة توسعه. وإعلانات القروض المنتشرة في لبنان تظهر حجم سوق صيرفة الظل من الناحية النظرية، من دون أن يكون لهذا الحجم قياس مادي يساهم في معرفة حركة هذه السوق وكمية الأموال المتداولة فيها، مما يساعد في إحتواء أي أزمة قد تنتج عن عملياتها المالية. وفي هذا الشأن يستغرب رئيس قسم الأبحاث الإقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل، في حديث لـ “المدن”، وجود هذا الكم من المؤسسات من دون رقابة من الدولة، ويرى ان “خطورة تلك المؤسسات لا يُنظر إليها بحسب حجم المؤسسة، لأن أصغر مؤسسة يمكن ان تؤثر على الإقتصاد وعلى القطاع المصرفي”، ويعزز هذا التأثير، “غموض بياناتها المالية وعدم عرض موازناتها”.
أما الحلول، فتكاد تكون مستحيلة نظراً لأمرين، الأمر الأول هو صعوبة حصر رؤوس الأموال المستعملة في الديون، وبالتالي حصر الأموال التي تخلقها الديون، فكل تلك العمليات قد يخلقها رأس مال فردي غير مسجل في أي عملية مصرفية. والأمر الثاني يتعلق بالسياسات المالية للطبقة الحاكمة، والتي تستفيد من صيرفة الظل لتتهرب هي من المراقبة المالية، فتحقق أكبر قدر من الأرباح ومن السيطرة على الرهونات العقارية وغيرها، بطريقة غير مكشوفة مالياً. لكن حبيقة يعرض حلاً يتضمن حسن نية تجاه الطبقة السياسية، ألا وهو “إستهداف الطلب، أي معالجة الأسباب التي تؤدي بالأفراد الى الإستدانة. ويكون ذلك من خلال سياسات عامة تجاه السكن والمعيشة والأسعار… وغير ذلك”.