IMLebanon

المسيحيّون وسط العصبِيّات

cross-kadicha

 

كتب شارل جبور في “الجمهورية”: ان الحضور المسيحي في لبنان يستدعي التفكير جدّياً بالمسار الذي يُفترض اعتماده حفاظاً على هذا الوجود في هذه البقعة من الشرق. وفي هذا السياق تبرز وجهتا نظر: الأولى تدعو إلى مزيدٍ من الشيء نفسه، أيْ مواصلة النضال من المربع الوطني الذي أثبت فعاليته ونجاحه، لأنه ليس تفصيلاً أن يكون الانقسام إبان الحرب من طبيعة طائفية، وأن يتحوّل التحالف اليوم من طبيعة وطنية، وبالتالي لا مصلحةَ إطلاقاً للمسيحيين بالانكفاء إلى داخل طائفتهم بعدما نجحوا في نسج تحالفاتٍ وطنية بعمقٍ عربي، فضلاً عن أنّ التجربة اللبنانية لا تستقيم إلّا من خلال الحال التي تجسّدت في ١٤ آذار وعبّرت عن رؤيةٍ مشترَكة للقضية اللبنانية. وأمّا الثانية فتدعو إلى تغليب الهمّ المسيحي على الهمّ الوطني ليس من منطلق انسحابي وتراجعي وانكفائي كما يحلو للبعض تصويره، بل لتَعَذّر الوصول إلى سلام لبناني حقيقي يعيد الاعتبارَ لمنطق الدولة والدستور والقانون، ولأنّ الأكثر تضرراً من عدم الاستقرار هم المسيحيون الذين تراجع حضورهم في لبنان ودورهم منذ الحرب إلى اليوم بشكلٍ مخيف، ولأنّ استمرار هذا الوضع من عدم الاستقرار، الذي تفيد كلّ المؤشرات بأنه سيطول، سينعكس مزيداً من التراجع والضعف والنزف إلى حدّ الزوال بعد عقود، ولأنّ الحلّ الوحيد هو في تحصين وجودهم في سياق سياسةِ بقاءٍ تُخوِّلهم عبورَ هذه المرحلة بأقل الأضرار الممكنة. فالمطروح ليس انسحابهم من المعركة الوطنية، بل كيفية صمودهم سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً وجغرافياً في ظلّ صراع طويل، وأيّ رهان على انتهاء هذا الصراع سريعاً أو على تسليم “حزب الله” لسلاحه هو وَهْمٌ ما بعده وَهْم، وبالتالي هناك حاجة مُلِحة لأمرين: الأمر الأول، تفهّم إسلامي لأولويات مسيحية، من دونها المسيحيون في لبنان إلى زوال. فالوقت لا يعمل لمصلحتهم بخلاف السنّة الذين يلعبون لعبة الوقت انطلاقاً من المقولة المشنوقية “أمة وعدد ومدد”، وبخلاف الشيعة أيضاً الذين خرجوا من القمقم وهم اليوم في حال صعود وتوسع. الأمر الثاني، إعادة الحيوية إلى الجسم المسيحي من خلال إحياء العصبية المسيحية الكفيلة بتحفيزهم وتقويتهم وعودة الحماسة إلى نفوسهم والصلابة إلى ممارستهم تحت عنوان: المسيحيون في خطر. وفي موازاة الحيوية، وضعُ رؤية متكامِلة للمشاريع التي يُفترض رفعها تمهيدا لإقرارها في سياق تعزيز سياسة الصمود.