IMLebanon

خطة دراجي يمكن أن تجعل الأسواق المالية غير عقلانية

mario-draghi
رالف أتكينز
“غير منطقي للغاية”. كان هذا شعار سبوك الذي يبدو ملائما لو أن هذه الشخصية في فيلم ستار تريك، التي أداها ليونارد نيموي ـ الذي لقي حتفه الأسبوع الماضي ـ كانت تعبر عن عالم أوروبا للسندات ذات العوائد السلبية.

البنك المركزي الأوروبي توقع هذا الأسبوع تسارعا في التضخم والنمو الاقتصادي في منطقة اليورو خلال العامين المقبلين، في أعقاب خطة للتسهيل الكمي بتكلفة 60 مليار يورو شهريا، يتم إطلاقها اليوم. ومع تحسن الاقتصاد الأمريكي، من المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام. منطقيا، لا مجال أمام تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو إلا أن ترتفع فقط، أليس كذلك؟

خطأ. انخفضت عوائد السندات الحكومية في منطقة اليورو بعد أن عقد رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، مؤتمرا صحفيا يوم الخميس الماضي حدد فيه تفاصيل كيفية نجاح شراء الأصول في برنامج التسهيل الكمي في منطقة اليورو. وحتى بعد أن دفعت بيانات الوظائف في الولايات المتحدة العوائد على السندات الأمريكية إلى أن تعلو علوا حادا بشكل أقوى من المتوقع يوم الجمعة، لا تزال عائدات السندات الإسبانية والبرتغالية والإيطالية لأجل عشر سنوات أدنى مما كانت عليه قبل أسبوع.

في عالم سوق السندات المشوه في منطقة اليورو، من المتوقع لإطلاق التسهيل الكمي إحداث حالات كبيرة من النقص، ما يدفع بأسعار السندات إلى أعلى – والعوائد إلى أسفل.

يقول نيك جارتسايد، كبير إداريي استثمار الدخل الثابت في “جيه بي مورجان” لإدارة الأصول “وجهة نظرنا هي أنها تتجه لما هو أقل وأقل، وهي أشبه باليابان منها بالولايات المتحدة”.

ويقول ألبرتو جالو، رئيس استراتيجية الائتمان في “رويال بانك أوف سكوتلاند”، “إنها واحدة من تلك اللحظات التي تصبح فيها السوق غير عقلانية وتريد فيها أن تتعامل على المكشوف، لكن يعتبر ذلك سابقا لأوانه”. ويضيف “يمكن للأسواق أن تكون غير عقلانية لفترة طويلة”.

ما يحدث للعوائد سيوفر معيارا لقياس نجاح برنامج التسهيل الكمي الذي وضعه دراجي. مزيد من الانخفاضات قد تضيف إلى المخاوف من أن النظام المالي أصبح مشوها بشكل خطير. لكن ارتفاع العائدات يمكن أن يشير إلى إيمان الأسواق بقدرة دراجي على تجنب انكماش خطير.

ومنذ أن تم الإعلان عن التسهيل الكمي في منطقة اليورو في 22 كانون الثاني (يناير)، ازداد حجم عالم السندات الحكومية في منطقة اليورو لأجل أكثر من سنة واحدة بعوائد سلبية، بواقع 350 مليار يورو ليصل إلى أكثر من 1.6 تريليون يورو، وفقا لبنك جيه بي مورجان. ومن الناحية العملية، حقيقة أن المستثمرين يدفعون المال مقابل إقراض المال قد تبدو غير منطقية، لكن ليس أمام بعض صناديق التقاعد المحلية في منطقة اليورو وشركات التأمين خيار يذكر.

ولا يزال بإمكان المستثمرين الآخرين توقع تحقيق ربح، إذا كان بإمكانهم بيع سنداتهم بعائد أقل حتى من ذلك، إلى البنك المركزي الأوروبي، مثلا. ومثل هذه الصفقات تعتبر أكثر منطقية إذا أشارت اختلالات العرض والطلب إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض العوائد.

بدلا من تتبع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تم إطلاق برامج التسهيل الكمي عندما كانت تدير الحكومتان عجزا ماليا ضخما، يمكن للتسهيل الكمي في منطقة اليورو أن يحذو حذو اليابان، حيث انخفضت العائدات عل النحو الذي أصبح فيه شراء السندات أكثر نشاطا. وعمليات شراء بنك اليابان للتسهيل الكمي تجري حاليا بمعدل يقارب ضعف وتيرة صافي إصدار السندات الحكومة اليابانية. وستكون مشتريات البنك المركزي الأوروبي تقريبا 1.5 مرة ضعف صافي إصدار منطقة اليورو.

أعلن دراجي الأسبوع الماضي أن البنك المركزي الأوروبي ربما لا يشتري السندات ذات العوائد الأقل من ناقص 0.2 في المائة، وهو سعر الفائدة على تسهيلات الودائع حيث تودع المصارف الأموال لليلة واحدة. لكن ذلك لا يستبعد أموالا كثيرة – تجمع السندات ذات العوائد الأقل نحو 140 مليار يورو فقط. والحد المفروض على سعر الفائدة سيمنع البنك المركزي الأوروبي من فقدان المال حول مشترياته. والفائدة على السندات التي يشتريها ستكون أعلى من تكاليف تمويلها. وستعني أيضا أن المشتريات ستكون أكثر تركيزا في السندات ذات العائد المرتفع على المدى الطويل.

والأهم بالنسبة للاتجاه المستقبلي للعائدات، هو أن دراجي على ثقة من أن البنك المركزي الأوروبي لن يتعرض لمشكلات العرض، مشيرا إلى أن ما يقارب نصف السندات في منطقة اليورو يتم الاستحواذ عليها من قبل أجانب.

وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي مازحا “حتى قبل شهر، لم يكن لدى أحد أي شك في أن الدين العام، أي الديون السيادية في منطقة اليورو، كانت في الواقع كبيرة جدا، والآن يشعر بعض الأشخاص بالقلق من أنه لن يكون لدينا ما يكفي من السندات”. وأضاف “وبالمناسبة، يقال لي إن التصريحات نفسها صدرت عندما بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة برنامج شراء السندات المتعلقة بهما”.

الأمر الآخر الذي كان لافتا للنظر بقوة بالنسبة لمراقبي سوق السندات هو توقعات النمو والتضخم التي عرضها دراجي. فمن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم في منطقة اليورو “صفر” هذا العام، لكن في العام المقبل 1.5 في المائة، و1.8 في المائة في عام 2017، وهو ما يعود ضمن هدف البنك المركزي الأوروبي لمعدل سنوي “أدنى ولكن أقرب” إلى 2 في المائة. حتى لو كانت الأسواق تتهكم من هذا التفاؤل، إلا أنها احتسبت الأسبوع الماضي معدلات تضخم أعلى في منطقة اليورو على المدى الأطول.

يقول لورنس موتكين، الرئيس العالمي لاستراتيجية أسعار الفائدة في بنك بي إن بي باريبا، “إن هناك إمكانية إضافية أن تصبح هذه النجوم كويكبات متراجعة بالنسبة للسندات. العوائد في حالة ارتفاع على المستوى العالمي. والمكان الوحيد الذي لا ترتفع فيه هو أوروبا، والسبب في هذا هو التوتر بين آثار وسبل التسهيل الكمي”.

فهل يمكن لعوائد السندات في منطقة اليورو أن تصل قريبا إلى نقطة الانقلاب؟

يقول فريدريك دوكروزيه، الاقتصادي لدى بنك كريدي أجريكول “أشك في ذلك على الأمد القصير. فنحن ما نزال ننتظر أن تتحرك العوائد إلى أدنى قليلا. لكن في النهاية، وبالتأكيد قبل النصف الثاني من العام، حين يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، أتوقع فعلا أن يكون هناك انحدار حاد في المنحنى”.

ولن يستطيع حتى سبوك أن يتنبأ بتكاليف الاقتراض في منطقة اليورو بأي درجة من اليقين.