IMLebanon

الرقة تحت حكم “داعش”: المعاناة المعيشية تتفاقم

da3esh-rekka

مروان أبو خالد

تعتبر محافظة الرقة التي تقع شمال شرق سوريا وتشكل 10.6% من مساحتها، من أهم المحافظات تأثيراً في الاقتصاد السوري، فنهر الفرات الذي يقطع في الرقة مسافة 170 كيلومتراً، يشكل عصب الحياة الرئيسي لسوريا بأكملها سواء من ناحية توليد الكهرباء، أو توفير المياه لري المزروعات، خصوصاً عبر السدود الكبيرة كسد الفرات الذي تقدر طاقته التخزينية بحدود 14 مليار متر مكعب، وسد البعث بطاقة تخزين 90 مليون متر مكعب.

كما كانت الرقة تساهم بجزء مهم من إجمالي الإنتاج الزراعي السوري، لاسيما المحاصيل الاستراتيجية، إذ كانت تنتج 13.85% من إجمالي إنتاج سوريا من القمح، 28.03% من إجمالي إنتاج الذرة الصفراء، 38.83% من إجمالي إنتاج القطن، 18.02% من إجمالي إنتاج الشمندر السكري. إضافة لوجود بعض الآبار النفطية فيها كالعكيرشي والحباري.
وبرغم هذه الثروات الطبيعية الهائلة، تشهد الرقة حالياً أوضاعاً خدماتية سيئة للغاية، “فالكهرباء لا تؤمّن أكثر من 4 ساعات في اليوم وأعطالها دائمة ومتكررة بسبب نقص قطع التبديل في المحولات الموجودة على السدود. وتنظيم داعش هو من يشرف حالياً على إدارة الكهرباء ويحصل فواتير كهرباء بمقدار 500 ليرة (2 دولار) بشكل موحد لكل المواطنين شهرياً. أما المياه فهي متوفرة نسبياً، لكن المشكلة هي في نفاذ الكلور ونقصه، فالمياه غير نظيفة وغير معقمة وهذا ما يهدد صحة أبناء الرقة بشكل كبير، وكذلك يشرف التنظيم على المياه ويجبي فواتيرها بمقدار 500 ليرة عن كل شهرين”، بحسب عبد العزيز عبد الله، احد الناشطين في الرقة.

يضيف عبد العزيز أنّ “شبكات الهاتف الأرضي تعمل بشكل جيد ويتقاضى التنظيم نحو 400 ليرة (1.6 دولار) عن كل شهرين وبشكل موحد للمواطنين كافة، كذلك تقوم البلدية، أو ما يعرف بمكتب خدمات المسلمين، بترحيل القمامة ويتقاضى لقاء ذلك من أصحاب المحال التجارية ضريبة شهرية بمقدار 500 ليرة، إضافة لتلقيه بدل حماية شهري يقدر بـ 500 ليرة”. ولا شك بأن هذه الفواتير المتدنية نسبياً في قيمتها لها ما يبررها، فهذه البنى التحتية للخدمات لم يبنها “داعش”، بل بنيت من أموال أبناء الرقة عبر عقود طويلة، ناهيك أيضاً أن خفض الفواتير هي وسيلة لكسب السكان المحليين. ويقدر عبد العزيز مجموع ما يجبيه “داعش” من فواتير وضرائب شهرياً من مدينة الرقة بنحو 50 مليون ليرة (200 ألف دولار).

الزراعة بدورها تراجعت بشكل كارثي، ولا نسب محددة عن حجم هذا التراجع، ولكن عبد العزيز يقدرها بأكثر من 50%، وذلك لأسباب كثيرة منها “عدم تقديم البذار والأسمدة للمزارعين، عدم شراء المحصول من الفلاحين، غلاء المحروقات وانقطاع الكهرباء عن محطات مشاريع الري، مثل مشروع البليخ والمشروع الرائد”. وبرغم هذه الظروف لا يسلم الفلاحون من سلطة “داعش”، إذ يفرض التنظيم عليهم “زكاة المحصول والتي تقدر بـ 5% للمحاصيل المروية، و10% للمحاصيل البعلية”. أما الأراضي والممتلكات العامة فحولها “داعش” أيضاً لمصدر كسب، “إذ يتقاضى التنظيم أجور الأراضي والأملاك العامة المستأجرة، بسعر 2500 ليرة (10 دولارات) عن كل دونم”.
وعن حال الأسواق، تعتبر أسعار السلع محررة تقريباً، وهي ترتبط بصعود الدولار وهبوطه، ويشرف التنظيم على عمل الأفران ويوزع عليها الطحين، ويصل سعر ربطة الخبز إلى 125 ليرة (0.5 دولار)، كيلوغرام الطحين 100 ليرة (0.4 دولار)، كيلوغرام السكر 140 ليرة (0.56 دولار)، كيلوغرام الأرز 260 ليرة (1.04 دولار)، كيلوغرام الشاي قرابة 1600 ليرة (6.5 دولار)، كيلوغرام اللبن 125 (0.5 دولار)، كيلوغرام اللحمة 1400 ليرة (5.6 دولار). وتقريبا تحتاج الأسرة إلى حوالي 15 ألف ليرة (60 دولار) بالحد الأدنى لتأمين متطلبات الطعام. أما عن الثروة الحيوانية التي تواجه خطر الانقراض، فإن اعلاف الماشية غير متوفرة ويصل سعر كيلوغرام الشعير المستخدم كعلف إلى 38 ليرة (0.15 دولار)، والخطر الأكبر الذي يتهدد الثروة الحيوانية في الرقة هي تهريب المواشي والأبقار إلى تركيا وبيعها هناك. علماً ان هناك أخباراً تتحدث عن تقاضي التنظيم ضريبة على المواشي تقدر بـ 10%، إلا أنه لا تأكيد واضحاً على ذلك.

وتتفاقم معاناة سكان الرقة أكثر في مجالي الصحة والتعليم، “فغالبية المستشفيات خارج الخدمة الفعلية، بإستثناء مستشفى الرقة الوطني الذي يعمل بلا قسمي الكلى والحواضن المعطلين تماماً. كما أن المستوصفات تعاني من فقدان الأدوية، وأسعار الأدوية في الصيدليات مرتفعة جداً، يعجز غالبية المرضى عن شرائها. وسابقاً كان الهلال الأحمر يؤمن بعض أصناف الأدوية، لكن حالياً أغلق مركزه. وهناك لقاحات تصل من تركيا عبر منظمات انسانية، لكنها لا تكفي، وتعاني المنظمات من التضييق عليها”.

أما التعليم، فوضعه متأزم جداً. فجميع المدارس مغلقة، ويوجد حوالي 50 ألف طالب من مختلف المراحل الدراسية قد حرموا من إكمال تعليمهم وهم خارج مقاعد الدراسة حالياً. أما عن السياسة المالية التي يعتمدها التنظيم، فما زال التعامل ضمن الرقة يتم بالليرة السورية والدولار، ولا وجود للدينار الذهبي إطلاقاً، والغريب في الأمر أن الرقة ما زالت تستقبل حوالات من مغتربيها ومن جميع الدول عبر مكاتب خاصة يملكها أبناء المحافظة، وهي مفتوحة علناً وتستقبل حوالات من كل الدول من دون تدخل “داعش”، فالحوالات تنشط حركة السوق، وتخفف من نقمة الأهالي على ظروفهم المعيشية.

ومن المعروف أن “داعش” يعتمد على المتاجرة في السوق السوداء للحصول على المال اللازم لتمويل نشاطه، خصوصاً عبر المتاجرة بالنفط وبالقطع الأثرية. والتنظيم يبيع برميل النفط الخام سعة 220 ليتراً إلى الأهالي بقصد تكريره بسعر 6 آلاف ليرة (24 دولار)، ويصل سعر ليتر المازوت المكرر إلى 80 ليرة (0.32 دولار)، والبنزين إلى 110 ليرات (0.44 دولار). وقد باتت مهنة التكرير رائجة جداً بين أبناء الرقة العاطلين عن العمل. وعن نهب الآثار، فإن التنظيم يبيح للناس التنقيب عن الآثار، ولكن مقابل حصوله على نسبة تقدر بحوالي 25% من قيمة القطعة الأثرية التي يتم اكتشافها، لتباع هذه النفائس الأثرية لتجار أوروبيين عبر تركيا.
إن صعوبة الأوضاع المعيشية في الرقة يستغلها “داعش” لترسيخ نفوذه، فأمام ارتفاع البطالة إلى 70% بين شباب الرقة، وانعدام فرص العمل أمامهم لإعالة عائلاتهم، يندفع الكثيرون منهم للانتساب إلى التنظيم، وهنالك حالياً نحو 2500 مقاتل في “داعش” من أبناء المحافظة، والعدد مرشح للارتفاع، فالراتب الذي يعرضه “داعش” مغرٍ ويصل إلى 300 دولار في الشهر، يضاف إليه تعويض بمقدار 50 دولاراً لكل طفل، ولأول ثلاثة أطفال فقط ينجبهم المقاتل.