IMLebanon

إحياء “المجلس الوطني للأسعار” وتعطيله.. سيّان!

Ministère-de-l'Economie

حنان حمدان

بعد موجة الإنتقادات الموجهة إلى التجار والمعنيين بمراقبة الأسعار، بسبب تعرض المستهلك اللبناني لعمليات غش، واحتكار، وارتفاع في الأسعار، طالت معظم السلع الإستهلاكية من مواد غذائية ومحروقات وغيرها، على الرغم من إنخفاض أسعار النفط العالمية، قرر وزير الإقتصاد آلان حكيم، طمأنة المستهلك اللبناني عبر إعادة إحياء وتفعيل “المجلس الوطني لسياسة الأسعار”.

لوهلة قد يظن المواطن اللبناني عند استماعه لأحاديث المسؤولين في هذا الشأن أو ذاك، أن الأوضاع في لبنان عل خير ما يرام. وهذا ما سعى إليه حكيم في إعلانه الأخير عن إعادة إحياء مجلس الأسعار، وكأنها خطوة متقدمة، لتطمين الرأي العام اللبناني. شكلياً تمت إعادة إحياء المجلس في إجتماع ترأسه حكيم، وضم ممثلين عن الهيئات الإقتصادية والعمالية. يتولى المجلس مهمة “مراقبة الأسعار ومتابعتها، التعاون بين جميع المعنيين للتوصل الى مساعدة المواطن عبر اعتماد الشفافية في الأسعار، التشدد في المراقبة” يقول حكيم، ويتابع “لن نتردد في ملاحقة من يحتكر السلع ومن يتلاعب بالأسعار وكل من يضر بالمستهلك”، معلناً أن وزارة الاقتصاد “لن تتهاون في موضوع حماية المستهلك وهي ستراقب تطور الأسعار وتطبيق الإنخفاض وستضع كل إمكاناتها لضبط الأسعار”. واشار إلى أن “المنافسة تبقى هي الأساس في تجارة السلع بالتجزئة”، خاتماً بالقول: “لسنا هنا لملاحقة أحد بقدر ما نعمل على ضبط المخالفين للقوانين والمحتكرين من خلال التوعية والإرشاد والتواصل”.
فعلياً، تشكل المجلس منذ العام 1974، وتقتصر مهامه على مراقبة الأسعار، واحتساب أي زيادة طارئة، لإصدار نشرة خاصة بأسعار السلع وتضمينها أماكن بيعها وتحديد ماركتها التجارية أيضاً. إضافة إلى إصدار لوائح أسعار، تتضمن السلع الأقل سعراً، لسلة إستهلاكية مكونة من عدد من السلع، وذلك لتمكين المستهلك من التوفير وشراء السلع الأرخص ثمناً، إلا أن آخر إصدار تضمن هذه الخدمة، كان في شهر نيسان عام 2013.
ولكن بعد إقرار مجلس الوزراء، لقانون حماية المستهلك في 2 شباط 2005 (الذي أصبح نافذاً في أيار من العام نفسه)، تم بموجب هذا القانون إنشاء”المجلس الوطني لحماية المستهلك”، والذي يضم مدراء عامين ممثلين لـ 9 وزارات معنية، وهي: الإقتصاد، الزراعة، الصحة، البلديات، الصناعة، البيئة، السياحة، الإتصالات، الإعلام والتربية، إضافة الى ممثلين عن التجار والصناعيين وجمعية المستهلك، ويرأسه وزير الإقتصاد. يقوم هذا المجلس بدور إستشاري، تنظيمي، وتنسيقي بين الإدارات المعنية، في إطار إقتراح السياسات الآيلة إلى ضبط الأسعار، وتأمين سلامة السلع والخدمات وتوعية المستهلك وإعلامه وإرشاده، وحثه على إستعمال أنماط الإستهلاك المستدامة.
من هنا يمكننا التوقف عند النقاط الآتية:
أولاً: إن عمل المجلس الوطني لسياسة الأسعار، منذ تأسيسه وإلى حين تم تعطيله، لم يلغ الإحتكارات والغش والتلاعب بالأسعار التي ما زالت مباحة لجميع التجار. ويبدو أن إصدار نشرات ولوائح بالأسعار، مهم، ولكنه غير كاف لأنه ليس لدى جميع اللبنانيين إمكانية للوصول إلى الإنترنت، للحصول على تلك المعلومات؟
ثانياً: استثني من النقاش ممثلو جمعية المستهلك، وهذا أولاً وأخيراً استبعاد للمستهلك اللبناني، ومخالفة واضحة لقانون حماية المستهلك، الذي نص في مادته الرقم 67، على أن المستهلك اللبناني يمثّل عبر جمعية المستهلك. فلماذا إذاً هذا الإستبعاد؟ وماذا عن التسوية التي تمت بين التجار ووزارة الإقتصاد سابقاً في موضوع الخبز والمحروقات؟ والتي حينها ايضاً استثنيت الجمعية، هل كانت التسوية حينها لصالح المستهلك؟ أمَ أنها أسعدت التاجر وأمنت له المزيد من الربحية؟
ثالثاً: أين وزير الإقتصاد من وعوده السابقة بأن وزارته “ستضرب بيد من حديد”، واليوم يتراجع ليقول “لسنا هنا لملاحقة أحد، كما نعمل على ضبط المخالفين من خلال التوعية والإرشاد!”، فهل أصبحت معاقبة المحتكر والمتلاعب تتم بالتوعية؟ وهل هذه هي الآلية الجديدة التي يعدنا بها الوزير؟
ثم ما هو المطلوب اليوم؟ وما هو الدور الذي ستلعبه وزارة الإقتصاد؟ وكيف يمكن لها إيجاد التوازن بين مصلحة المستهلك والتجار؟ وهل ستقوم بتحديد سقف الربحية ومعاقبة من يتعدى حدود هذا السقف؟
بالطبع لا يمكن توقع الكثير، خصوصاً أنّ شعار الهيئات الإقتصادية الدائم، هو “الإقتصاد الحر”. الهدف أصلاً من قيام مجلس الأسعار، هو منع تخطي أسعار السلع كلفتها الأساسية تضاف إليها نسبة محددة من الأرباح. ولكن هل في لبنان تحديد لهوامش الأرباح؟ وهل سيتم تحديدها مستقبلاً؟
في المحصلة، ما يهم اللبنانيين اليوم هو اتخاذ إجراءات رادعة، ووضع خطط طارئة، تسهم في حماية المستهلك، وإقامة التوازن في أسعار السلع، والضغط من أجل خفض الأسعار. وعليه يجد رئيس جمعية المستهلك، زهير برو، في حديث لـ”المدن”، أن ما صدر عن إجتماع المجلس “لا يفيد المستهلك، كونه لم يتطرق لأي قرارات جدية”، ويخلص برو، إلى أن “الإعلان يتوخى إطلاق تصاريح عمومية فحسب، مكرراً دعوته لعقد إجتماع فوري للمجلس الوطني لحماية المستهلك، واتخاذ إجراءات جدية على رأسها صدور قانون المنافسة المجمد منذ 12 سنة، والذي يوكل إليه إلغاء جميع الوكالات الحصرية، وكل أشكال الإحتكارات المعلنة وغير المعلنة، فإن الجهاز المعني أساساً بالأسعار هو المجلس الوطني لحماية المستهلك”، مستنكراً “إستبعاد جمعية المستهلك عن نقاش سياسة الأسعار”.
ومع اقتراب “اليوم العالمي لحقوق المستهلك”، الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 1985، وتحتفل به دول العالم في 15 أذار من كل عام، فالأمل أن يحصل المواطن اللبناني على حقوقه “الإستهلاكية”، إسوة بتلك الحقوق التي يحصل عليها المواطنون في الدول المتقدمة.