IMLebanon

14 آذار 2015: هل تذكرون البطريرك صفير؟

nesralla sfeir1

 

 

كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”: بين 14 شباط و14 آذار، سعي دائم الى طمس حقائق واجتزاء الذاكرة. لمن يريد ان يتناسى: من أطلق مشروع السيادة والحرية والاستقلال هو البطريرك مارنصرالله بطرس صفير

حين وقف الرئيس السابق سعد الحريري في البيال، في الذكرى العاشرة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، متحدثاً عن حلم الرئيس الراحل ومشروع السيادة والاستقلال والحرية، بدا أن ثمة فجوة أساسية في الخطاب الذي أريد له ان يكون بداية احتفالات الذكرى العاشرة لـ”ثورة الارز”.
بين 14 شباط و14 آذار عام 2015، تصلح المناسبة لكثير من الأفكار التي يطرحها النائب السابق سمير فرنجية، ولـ”ترتيب الذاكرة” التي أعدّها النائب السابق فارس سعيد، تمهيداً لترتيب المواقف والخطوات. وهي ضرورية لاصلاح الذاكرة، ابعد من فرنجيه وسعيد، اللذين جهدا طوال عشرة اعوام لابقاء فكرة 14 آذار حية قائمة.

و14 آذار 2015 مناسبة تتعدى الإعداد للمجلس الوطني وللحساسيات الشخصية والسياسية التي ترافق اعلانه، ومحاولات بعض الاحزاب المسيحية التنصل منه او «غض النظر» عنه، وسعي المستقبل الى القاء عباءته عليه من خلال حركة الرئيس فؤاد السنيورة. المناسبة اليوم ضرورية لاعادة انتاج قراءة موضوعية، ليس لمرحلة السنوات العشر التي فصلت بين مشهدين، بل لاعادة الاعتبار الى ما سبق تلك المرحلة، حيث كان لكلمات الحرية والسيادة والاستقلال معنى آخر.
مشروع الحريري وحلمه والحرية والسيادة والاستقلال؟ كلمات أبعد بكثير من حلم الحريري الأب والابن. هي مشروع البطريرك مارنصرالله بطرس صفير، الذي تريد الذاكرة الانتقائية لمن ظهروا ــــ ولا سيما من تيار المستقبل ــــ على شاشات التلفزيون في 14 شباط، ولمن سيظهرون عليها في 14 آذار ليتحدثوا عن هذا المشروع، الايحاء كأنه خرج من رحم قصر قريطم سابقاً، وبيت الوسط لاحقاً.
تذكيراً لمن يريد ان ينسى: مشروع السيادة والحرية والاستقلال، والمطالبة بخروج الجيش السوري، انطلق من الصرح البطريركي في بكركي، يوم كان هناك من يهدّد بعزلها وبأن ينبت العشب على ادراجها. هو مشروع بكركي يوم كان يقود الصرح “كهنة قديسون” تتمة لمسار تاريخي وطني منذ ان نشأت بكركي. هذا المشروع اطلقه البطريرك صفير في النداء الاول لمجلس المطارنة، والجميع يتذكر ردود الفعل عليه حتى ممن انضموا بعد اعوام الى انتفاضة الاستقلال. وهو تجسّد مراراً في بيانات مجلس المطارنة على مدى السنوات الخمس التي سبقت اغتيال الحريري وقيام 14 آذار. هو مشروع صفير الذي لم تخل عظة من عظاته، ولا سيما في الفترة الممتدة بين 2000 و2005 من ذكر كلمة الحرية والسيادة والاستقلال، وكان يرددها في كل زيارته وجولاته الاغترابية. وهو، ايضاً، خلاصة عمل بطريرك دفع الى تأسيس لقاء قرنة شهوان ليجسد فكرة السعي الى اطلاق هذه الثلاثية. وهل ننسى ان صفير اعرب عشية سفره في 14 آذار 2005 الى واشنطن عن ارتياحه لمشهد ساحة الشهداء، كتعبير عن فرح جميع اللبنانيين بخروج الجيش السوري، لكنه، في المقابل، عبّر عن قلقه من “استمرار عرض العضلات في الشارع”، قائلا لمن سأله: “انا قدت مقاومة ضد الوجود السوري في لبنان. اما اليوم وبانسحاب القوات السورية فلا ارى مبررا لذلك”. (كتاب السادس والسبعون ــــ انطوان سعد).
على مدى الاعوام العشرة الاخيرة، كانت هناك رغبة دفينة، في بعض الاوساط، لاعادة كتابة تاريخ تلك المرحلة على غير حقيقتها. كان الكلام عن صفير اشبه بكلام رد الفعل على الانقلاب الذي احدثه البطريرك الحالي ماربشارة بطرس الراعي في دور بكركي التاريخي والوطني، اكثر مما هو اعتراف حقيقي بدور الكنيسة المارونية في ما تحقق من انجازات.

هناك من يريد ان ينسى ان المسيحيين، الذين قادهم صفير في اخطر مرحلة تاريخية من وجودهم، هم من أدوا الدور المركزي في استقلال 2005، وهم من اسسوا لجملة لقاءات وتجمعات سياسية مهدت لانطلاقة “ثورة الارز”. وهناك من اراد، على مدى الاعوام العشرة الاخيرة، ان يعيد المسيحيين الى مرحلة ما قبل الخروج السوري، فتارة يعقد تفاهمات رباعية، وتارة يذهب الى سوريا، وتارة اخرى يجري حوارات تحت ضغط التوازنات الاقليمية. وهناك من اراد في الاعوام الماضية ان يهمشهم، مستفيدا من المسيحيين انفسهم الذين جعلوا انفسهم موزعين بين مشروعين وتوجهين يحكمان البلد.
من المفيد ان تكون ذكرى عشر سنوات على انتفاضة الاستقلال مناسبة لتنقية الذاكرة والعودة الى المسلّمات الاساسية التي اطلقها صفير مراراً وتكراراً. واذا كان هناك من يريد ان يطوي صفحة الوجود السوري فلتطو على الاقل “من دون زغل” وانتقاص من حق من اطلقوا هذه الشرارة.
في 14 آذار عام 2015، يستحق ان يقال لصفير الذي اعطي بطريركاً مجد لبنان، ان له وحده الفضل بـ”انتفاضة الحرية والسيادة والاستقلال”.