IMLebanon

مناطق النفط الصخري في أميركا تتهيأ لمتاعب ما بعد الطفرة

ShaleOil2
بارني جوبسون

حول ألسنة اللهب المتذبذبة من موقد خارجي، تتحلق مجموعة من عمال النفط الأمريكي الرحل، الذين يتأسفون على السعر المتقلب لبرميل النفط الخام. لقد تم تخفيض ساعات عملهم، أو قيل لهم ألا يأتوا إلى العمل، أو فقدوا عقودهم نتيجة تراجع سعر النفط، الأمر الذي اضطر شركات الإنتاج إلى خفض الإنفاق في تشكيل النفط الصخري في إيجل فورد في تكساس. أوتيس ماكولين، حفار خنادق مخضرم من لويزيانا يرتدي قبعة كاوبوي وله شارب معقوف، هو من بين أولئك الذين يدرسون خطواتهم المقبلة.

يقول في كاريزو سبرينجز، وهي بلدة صغيرة تغيرت بسبب طفرة النفط الصخري: “إنها أعمال جيدة – وأعمال قاسية”. في الأوقات الجيدة كان يتقاضى أجرا بمعدل 28 دولارا في الساعة خلال أسبوع عمل يتألف من 90 ساعة، إضافة إلى 175 دولارا مصروفا يوميا. الآن انتهى ذلك. يقول: “أخبروني أن آخذ أسبوعين إجازة. لكن هذا مثل تسريح من العمل، لأني لن أتقاضى أي أجر طالما أنني بلا أعمل”. بعد ست سنوات في كاريزو، بداية أخرى جديدة له باتت وشيكة ولبيته المتنقل. “ربما ينتهي بي الحال في نورث داكوتا أو ولاية أوهايو”.

بالنسبة لكاريزو سبرينجز والمجتمعات التي لا تعد ولا تحصى عبر منطقة إيجل فورد، السؤال هو ما الذي سيحدث عندما يغادر هو وصناعة النفط. في السنوات الأخيرة كان السكان يشاهدون الوضع في الوقت الذي سيطرت فيه القوة الضخمة للنفط – بما لديها من فرص عمل وما يرافق أعمالها من أتربة وفولاذ وضوضاء – على المدن الهادئة والأراضي المزروعة. المسؤولون الحكوميون المعتادون على حساب رؤوس الماشية بالكاد اعتادوا العزف على وتيرة الاستثمارات المليونية نفسها. والآن، وبما أن كل أسبوع يأتي يجلب معه مزيد من التقشف، فقد تم تذكيرهم بأن الطفرات لها نهاية تصل إليها. فرصهم لزرع بذور الازدهار على المدى الطويل محدودة ومخاطر الانتهاء بأرض محروقة آخذة في النمو.

ريك بيري، حاكم تكساس السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل، قال في وقت سابق هذا العام إن تراجع أسعار النفط من شأنه أن يجعل الأمور “غير مريحة للغاية” في أجزاء من الولاية. “هذه ستكون فترة مؤلمة”.

وبحسب توماس تونستول، من جامعة تكساس في سان أنطونيو، تنتشر بالفعل المساحات المفتوحة على مصراعيها في تكساس في أكثر من 250 مدينة مهجورة – المستوطنات لتي كانت نابضة بالحياة، التي سقطت في الانخفاض عندما اختفى المحرك الوحيد لاقتصادها. في بعض الحالات جاءت النهاية مع استنفاد أحد مكامن النفط أو منجم الفحم؛ في حالات أخرى فقدت المدينة مكانتها باعتبارها مركز المقاطعة، أو تم تجاوزها من قبل طريق سريع جديد. وكل واحدة تذكرة بعدم دوام النجاح الاقتصادي. ويضيف: “الولاية لا تحتاج إلى المزيد من البلدات المهجورة”.

في دراسة ممولة من صناعة النفط، قدر تونستول أن قطاع النفط والغاز شكل في 15 مقاطعة ضمن إيجل فورد ناتجا في حدود 72 مليار دولار وساهم بأكثر من ملياري دولار في عائدات الضرائب إلى حكومة الولاية والحكومات المحلية في عام 2013. ودعا الموظفين العموميين لاغتنام “فرصة نادرة” لإيجاد اقتصادات قابلة للحياة من خلال التنويع بعيدا عن النفط والغاز. وتضمنت اقتراحاته زراعة السبانخ وإنتاج زيت الزيتون وتحلية المياه والطاقة الحرارية الأرضية.

في مقاطعة ديميت، تكساس، التي يعتبر مقرها كاريزو سبرينجز، سمع المسؤولون الرسالة، لكنهم وجدوا أن مهمة إيجاد اقتصاد أكثر تنوعا عملية صعبة – خاصة في الوقت الذي يكافحون فيه للتعامل مع آلام متزايدة لطفرة نفطية. الآن لديهم مشكلة أخرى: وظائف النفط والغاز في سبيلها إلى الاختفاء. يقول كارلوس بيريدا، كبير المحاسبين في مقاطعة ديميت: “ما قالوه لنا هو أنه لا يزال أمامنا عشر سنوات إلى 15 سنة أخرى نستمر فيها مع هذه الطفرة النفطية”. وأضاف: “لذا لديك نصف فرصة لتوفير فرص عمل والقيام بغيرها من الأشياء. لكن هذا التعطل الذي أصابنا أعاد الجميع إلى أرض الواقع”.

وأضافت الولايات المتحدة شبكة صحية وفرت 295 ألف وظيفة في شباط (فبراير) لكن أفدح الخسائر جاءت في قطاع الطاقة حيث تم تقليص 16339 وظيفة على مستوى الولايات المتحدة في أعقاب اختفاء 20193 وظيفة في كانون الثاني (يناير)، وفقا لتشالنجر وجراي وكريسماس، وهي شركة توظيف. وشكلت أعمال النفط والغاز– الحاسمة بالنسبة لطفرة فرص العمل ما بعد الأزمة، التي احتفى بها بيري ووصفها بأنها “معجزة تكساس” – 38 في المائة من جميع تخفيضات القوى العاملة الأمريكية حتى الآن هذا العام.

كثير من تلك الوظائف كانت نوعا من الإلهام بالنسبة لمقاطعة ديميت. المنطقة القريبة من المكسيك التي يعتبر 85 في المائة من سكانها من أصل إسباني، اعتادت أن تكون من بين أفقر عشر مقاطعات من حيث دخل الأسرة بين مقاطعات ولاية تكساس البالغ عددها 254. فقط 9 في المائة من السكان يحملون شهادة جامعية، مقارنة بـ 29 في المائة على الصعيد الوطني. قبل ثورة النفط الصخري كانت أفضل الوظائف في القطاع العام: في التعليم أو العمل لدى حرس الحدود. وإذا كان معروفا عن كاريزو أي شيء قبل الطفرة، عندما كان عدد سكانها 5000 نسمة، فهو أنها قاعدة لصيد الغزلان البيضاء الذيل. كان الناس ينتقلون إلى هناك للتقاعد. يقول ماريو شافيز، وهو أحد مسؤولي المدينة: “كل شيء كان جميلا وبطيئا”.

ثم جاءت فورة التصنيع. اختفت الشجيرات القصيرة والكثيفة وأشجار الصبار في بلد الدغل وحل محلها صفوف غير منتظمة من الحظائر المؤقتة وساحات الشاحنات ومداخن الأنابيب ومعدات الحفر ومشاعل الغاز ومضخات الطرق في الأرض. ويعتقد شافيز أن عدد سكان كاريزو تضاعف والمنطقة المحيطة بها هي الآن موطن لنحو 40 ألف نسمة، بمن فيهم عمال صناعة النفط.

تقول بولا سيديل، مديرة غرفة التجارة في مقاطعة ديميت: “أنا أسميها سونامي النفط لأننا تعرضنا جميعا للغمر من هذه الصناعة”. وتقول الشرطة إن حوادث السير القاتلة ازدادت وأن كميات الكوكايين والميثامفيتامين انهمرت على المنطقة، جنبا إلى جنب مع قدوم العمال.

لكن المكاسب الاقتصادية كانت أمرا لا جدال فيه. أصبح أصحاب المزارع بين عشية وضحاها من أصحاب الملايين عن طريق تأجير حقوق التعدين في أراضيهم. وتم اقتناص الأشخاص من ذوي المهارات المحدودة لدفع الأدوات وتحميل الشاحنات وتنظيف الخزانات مقابل 15 دولارا في الساعة، في حين أصبح في إمكان عامل اللحام أن يكسب ما يصل إلى 200 ألف دولار سنويا. الذين كانوا لا يرتاحون للعمل في مهن تعرضهم للقذارة والتلوث أصبح يمكنهم العثور على عمل في مطاعم جديدة، وفي محال البقالة في محطات الخدمة و”معسكرات الرجال” – مساكن مدينة مزدهرة تطورت ببطء من حاويات الشحن التي تم تجديدها وتحويلها إلى كابينات رقيقة الجدران. انخفض معدل البطالة في ديميت من 9.9 في المائة عام 2009 إلى 2.8 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي ـ نصف المعدل الوطني. والأرقام على مستوى المقاطعة لشهر كانون الثاني (يناير)، التي سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق من هذا الشهر، ستبين ما إذا كان الأفضل قد انتهى.

إنتاج النفط في إيجل فورد لن يهبط في أي وقت قريب: مع بلوغ خام غرب تكساس المتوسط نحو 50 دولارا للبرميل، من المربح الحفاظ على الضخ من الآبار الأكثر رسوخا. وقال ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، الأسبوع الماضي، إن إنتاج النفط الصخري الأمريكي قد يكون أكثر متانة وقدرة على التحمل مما توقعه كثيرون. وإذا انتعش سعر الخام إلى 80 دولارا أو 100 دولار، يمكن للأوقات الجيدة أن تعود.

لكن الشعور بالنهاية يأتي من تباطؤ حاد في عمليات الحفر الجديدة. وفي الأسبوع الماضي قالت أناداركو، وهي شركة كبيرة منتجة للنفط الصخري، إنها قد تخفض حفارات التنقيب النشطة لديها في إيجل فورد من عشر حفارات العام الماضي إلى نحو خمس هذا العام. وقالت تشيسابيكي، وهي شركة منافسة، الأسبوع الماضي أيضا إن عدد حفاراتها قد ينخفض من 20 إلى ما بين 12-14.

شركات النفط التي لا ترغب في أن يوجَّه إليها اللوم لتركها قشرة خاوية في أعقابها، ساعدت أجهزة الولاية، مثل مجلس تنمية وسط ريو جراندي، على لقاء مستثمري القطاع الخاص وطرح مبادرات لتدريب القوى العاملة. ويقول ليودورو مارتينيز، المدير التنفيذي لمجلس التنمية: “منذ اليوم الأول تحدثنا عن قابلية الاستدامة”. ويضيف: “ماذا لو انتهى كل ذلك اليوم على نحو مفاجئ؟ ما مدى استعدادكم للتعامل مع ذلك؟ الكثير من مجتمعاتنا اتخذت القرارات بناء على ذلك”.

أحد التحديات كان إدارة طفرة غير عادية في الإيرادات الضريبية. المعدل السنوي لمقاطعة ديميت تضخم من 2.8 مليون دولار في عام 2008 إلى 14.7 مليون دولار في عام 2014، وارتفعت قيمة العقارات الخاضعة للضريبة وغيرها من الأصول من 442 مليون دولار إلى 6.9 مليار دولار. مارتنيز يشيد بالمقاطعة للتخطيط لسداد ديونها وفي الوقت نفسه العمل على بناء الاحتياطيات. فرانسيسكو بونس، رئيس المقاطعة الإداري، يقول إنه يريد تجنب الأخطاء التي ارتكبت خلال الطفرة النفطية في الثمانينيات، عندما لم يخطط أسلافه لما تبين أنه انهيار على مستوى الولاية. ويقول: “هذا سوف يختفي”.

لكنه بالكاد مقتصد. قائمة استثماراته طويلة: ساحة لمسابقات رعاة البقر بتكلفة عشرة ملايين دولار، ومحطة محروقات، وملاعب بيسبول، وملاعب كرة سلة، ومتنزهات عامة، ومبنى محكمة جديد، على الرغم من أنه أنفق لتوه مليوني دولار لتجديد المبنى القديم. وردا على سؤال حول كيف يمكن لوسائل ومرافق الراحة توفير فرص عمل على المدى الطويل، يقول إن المقاطعة بحاجة إلى أن تدفع المال للناس لصيانتها، لكنه يعترف بأنه قد يحين وقت لا يستطيعون فيه تحمل تكاليف ذلك. “لذا أنا أترك ذلك لشخص أكثر ذكاء مني”.

سيديل، من غرفة التجارة، ترى أن الأولوية الأولى يجب أن تكون جذب المطورين لبناء مساكن. وتقول إن بعض موظفي حرس الحدود في كاريزو يعيشون في مكان يبعد أكثر من ساعة، في سان أنطونيو. “إذا لم يكن لديهم منازل، كيف سيتمكنون من جلب الناس ليعيشوا هنا؟”.

أدريان ديليون، رئيس بلدية كاريزو، يريد جذب وول مارت سوبر سنتر، لتكملة وول مارت المتوسطة الحجم في البلدة. ويقول: “نحن نبذل قصارى جهدنا للتنويع وتلك هي الخطوات الأولى”.

وبحسب بونس، في الثمانينيات كان لدى مقاطعة ديميت مصفاة لتكرير النفط ومصنع لفصل الغاز عن النفط، لكن كلاهما مغلق. عندما افتتحت تويوتا مصنعا للشاحنات الصغيرة في سان أنطونيو عام 2003 سعت المقاطعة لجذب معمل للموردين، لكن دون جدوى.

ويقول: “ماذا يمكن أن نفعل لجلب أي صناعة لمقاطعة ديميت؟” ويضيف: “يا رجل، كان لدينا شعب ذكي يحاول أن يقول لنا إننا نستطيع أن نفعل هذا، أو نفعل ذلك، لكن لم ينجح أي شيء مطلقا”.

ويتابع: “الشخص العادي هنا لديه بالكاد شهادة الدراسة الثانوية. ليس لدينا شيء آخر غير النفط. أتمنى أن يستطيع الصبار علاج السرطان، لكن لا قيمة للصبار”.

ماكولين، الحفار الذي هو في إجازة قسرية، يتوقع أن الفنادق المزدهرة وراءه ظهره سوف تكون في نهاية المطاف فارغة وفي أيدي الدائنين المستائين. ويقول: “جميع شركات النفط تخبر المدن الصغيرة أنها ستكون هنا لمدة عشرة أعوام، 20 عاما. أراهن أنك إن أتيت بعد عشرة أعوام لن تجد واحدة منها”.