IMLebanon

قانون الإيجارات: السلطة تلعب دور المستثمر العقاري

ForRent

إلهام برجس

مراجعة تاريخ قوانين الإيجارات في لبنان تؤدي الى استنتاج واحد: الدولة ترفض وضع سياسة إسكانية. وهي تفضّل بدلاً من ذلك لعب دور المستثمر العقاري. إرتأت الدولة في أربعينات القرن الماضي أن تجعل العلاقة بين مالك العقار ومستأجره إستثنائية، وفقاً لظروف أعتبرت في وقتها، إستنسابياً، كذلك. إستمرت الإستثنائية والإستنسابية- أو العبثية- في تمديد قوانينها حتى نهاية العام الماضي. في هذه المرحلة كانت الهوة بين الإيجارات القديمة، والأخرى الجديدة قد إتسعت بشكل مريب. وفي السياق ذاته، أصبحت الإيجارات مسألة منفصلة عن واقع الحالة الإقتصادية، وقد تحررت من كل قيد، حتى من الإرتباط بالحد الأدنى للأجور!

التصويت على القانون الجديد، جاء مكرساً ومؤكداً لتوجهات السلطة نحو التنصل من مسؤولياتها الإسكانية. فبعد أن تمادت بإرهاق المالك بقوانين إستثنائية وتمديدات غير مجدية، قرّرت اليوم أن تتحوّل نحو المستأجر. وفي الحالين تخدم السلطات مصالحها الإستثمارية الشخصية من خلال تعزيز النزاع بين المالك والمستأجر. وقد أقرت قانون يصر المستأجرون على تسميته بالأسود والتهجيري، وهو في حقيقة الأمر كذلك. قانون جديد بآليات تنفيذية معقدة تحتاج الى “جيش من المحامين والخبراء والقضاة لتنفيذها”، وفق بيان صادر عن لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين خلال الأسبوع الفائت. يعتمد القانون على عناصر هي في حد ذاتها ناقصة، كالصندوق الفارغ المخصص لمساعدة المستأجرين. والأهم أن القانون مطعون في دستوريته، وتحديداً بدستورية اللجنة المخولة الفصل بنزاعات التخمين. منذ إقرار القانون بهذه الصيغة، والأزمة بين المالكين والمستأجرين تتفاقم الى “حدود لن تحمد عقباها” وفقاً لبيانات الطرفين. والواقع أن مجلس النواب ومن بعده المجلس الدستوري أنتجا “أحجية” قانونية، عززها قرار النائب العام التمييزي سمير حمود بعسكرته للقرار ومطالبة القوى الأمنية بمؤازرة المالك في تخمين ملكه.

اليوم، وبعد تراكم مشكلة الإسكان والإيجارات، وغياب أي موقف واضح وحاسم من القانون، باتت الكرة في ملعب القضاء. والحال أن كل قاض بات يقف أمام مساحة واسعة من إمكانية الإجتهاد في مسألة إسكانية لا تحتمل ذلك. خصوصاً أنّ هذا الإجتهاد لا يبدو حتى هذه اللحظة مكترثاً بحق السكن، أو حتى بحق الملكية. فأبرز ما يتضح فيه، أن الجميع يذهب نحو حل أحجية القانون وتسجيل موقف: “نافذ”/ “غير نافذ”. وهكذا تصدر الأحكام القضائية المتباينة والمتنوعة بشكل لا يمكن إعتباره دليل صحة، فهو عبارة عن حالة من العبثية لا من الإنفتاح على توجهات حديثة في الإجتهاد. ليسجل أن لجنة الإدارة والعدل النيابية، في ظل هذه الحالة المرتبكة، تغوص يوماً بعد يوم في دوامة من الخلافات التي تؤدي إلى المماطلة وإتاحة الفرصة أمام المزيد من التباين وغياب العدالة.

من بين الأحكام القضائية التي صدرت بعد التاريخ المفترض لدخول القانون الجديد حيز التنفيذ (28-12-2014)، واحد متميز يذهب إلى حد بعيد في إصدار موقف من نفاذ القانون أكثر من إصداره حكماً يتناول صلب الحقوق المتنازع عليها في هذه القضية. تحت عنوان “حل لأحجية قانون الإيجارات من خلال حكم قضائي” نشرت المفكرة القانونية تعليقها على الحكم القضائي الصادر عن القاضية المنفردة المدنية الناظرة بقضايا الإيجارات في بيروت لارا عبد الصمد بتاريخ 29 كانون الثاني 2014.
وفقاً لما أوردته المفكرة في تعليقها، يبدو أن القاضية قد “أثارت تطبيق القانون الجديد من تلقائها.. من دون أن تعرض على الفرقاء مناقشة مسألة القانون الواجب التطبيق”. وفي هذا السياق، لم تجد عبد الصمد نفسها مضطرة للخوض في نقاش نفاذ القانون من عدمه، لتذهب مباشرةً نحو “تحديد مدى استحقاق المستأجر لمساعدة مالية من الصندوق”. كما يظهر من التعليق أن عبد الصمد قد استرسلت في تطبيق القانون الجديد، وذلك بشكل جزئي. فهي قد “حددت من تلقاء نفسها قيمة بدل المثل بـ5% من القيمة المخمنة للمأجور، من ثم حددت التعويض المتوجب بستة أضعاف هذا البدل”. فلا تكون القاضية قد “حلت محل اللجنة المبطلة فقط” بل قامت أيضاً بتجاوز “مجمل الأصول التي حددها قانون الإيجارات الجديد لغاية إحتساب بدل المثل…”

تورد المفكرة أن أكثر ما “نخشاه أمام قرار مماثل هو أن يؤدي قانون الإيجار الجديد الى نتائج مخالفة تماماً لخريطة الطريق التي نص عليها”. والخشية تحديداً من أن “يلجأ المالك الى الإستفادة من القانون الجديد لتحرير المأجور ضمن أقصر المهل، فتصبح المجابهة المنتظرة بين المالكين والمستأجرين حول تحديد بدل المثل مسألة غير منتجة، فيتحول القانون الى أداة تحفيزية للمالكين لمضاعفة الدعاوى لإسترداد المأجور، على نحو يؤدي الى تحرير الإيجارات قبل أوانها”.
قد يصح القول إنّ عبد الصمد قد أخذت على عاتقها تحمل وزر غياب السياسات الإسكانية، وتلقفت كرة الصراع التي ترميها السلطات في جميع الإتجاهات بما يفيد بقاءها في موقع صاحب المصلحة في السوق العقارية. والحال أن القاضية ذهبت الى أبعد الحدود في التعامل مع “أحجية قانون الإيجارات”، وفق الطريق التي رسمها واضعو هذا القانون نحو ذلك.