IMLebanon

هل تنتهي عما قريب متاعب اليابان الاقتصادية ؟

JapanEcon

ليونيل باربر وروبن هاردينج وكانا إناجاكي

شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني، يرأس التجربة الاقتصادية الأخطر التي يمكن القول إنها الأكثر أهمية على وجه الأرض. البلدان الأخرى تحتاج فقط إلى إبقاء معدل التضخم بنسبة 2 في المائة، لكن اليابان تحاول الهروب من عقدين من الانكماش. فضلا عن ذلك، يبلغ دينها العام الإجمالي أكثر من ضعف دين الولايات المتحدة، والقنبلة المالية الموقوتة المتمثلة في السكان المتقدمين في السن تدق بصوت أعلى من أي مكان آخر.

الأمور التي على المحك بالنسبة لبرنامج آبي الاقتصادي – برنامج التحفيز ذي المحاور الثلاثة الذي طرحه رئيس الوزراء للإصلاحات النقدية والمالية والهيكلية – لا يمكن أن تكون أعلى. في حال فشل آبي، يمكن أن تعاني اليابان مزيدا من العقود المفقودة، حتى مع استمرار القوة الاقتصادية والعسكرية لجارتها الصين في النمو.

لكن بعد عامين من برنامج آبي، هناك نفاد صبر متنام على النتائج وشعور بأن الوقت بدأ ينفد. النكتة بين قادة الشركات في طوكيو هي أن آبي يستحق الدرجة A على برنامج التحفيز النقدي، والدرجة B على السياسة المالية والدرجة E على التقدّم المحدود في الإصلاحات الهيكلية.

رئيس الوزراء، الجالس في مقر إقامته الرسمي، مرتدياً بدلة زرقاء، وحذاء مُزيّنا بدون كعب، وربطة عنق أنيقة مُخططة باللونين الزهري والأزرق، يرفض هذه العلامات. ويُجادل بأن العالم يُقلل من أهمية تقدّمه فيما يتعلق بـ “السهم الثالث” من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية.

ويقول “ربما تم إعطائي الدرجة E فقط لتهجئة اسمي A-B-E لكننا نولي أولوية كبيرة لاستراتيجية النمو. حتى يكون الجميع قادرين على مشاركة هذا الإدراك المشترك ويُدركون مدى أهمية استراتيجية النمو هذه، ربما الدرجة E تُمثّل التعليم Education”.

عندما استقال آبي الشاحب والهزيل في عام 2007 بعد فترة ولايته الأولى والقصيرة رئيساً للوزراء، كان مريضاً ويعاني الفضيحة. حلمه في إصلاح الدستور السلمي في البلاد تعثّر بسبب عدم مبالاة الشعب الياباني. ليس فقط أن حياته السياسية كانت تبدو انتهت – بل كان يبدو الأمر مُحرجا.

التوقيت كل شيء

الأنموذج الناتج يُعتبر منتفخاً وسليماً، مع تأكيد على ذات متألقة مطمئنة لرجل سياسي قوي سحق للتو معارضته المُثيرة للشفقة في الانتخابات الثانية على التوالي.

يقول آبي، الذي كانت فترته الأولى في 2006/2007 تتميز برغبة محمومة، لكن بلا جدوى للقيام بكل شيء في آن واحد “خلال فترة الولاية الحالية، ما قُمت بتحديده بوضوح هو ترتيب الأولويات. لقد حرصت على أن تتزامن رغبة الشعب الياباني مع السياسات التي نتّبعها. نحن نُعلّق أهمية كبيرة على الاقتصاد”.

تغيّرت العوامل السياسية أيضاً. في إدارته الأولى كان آبي رمزاً للحزب الديمقراطي الليبرالي الذي ينتمي إليه، لكن هذه المرة قام بتهميش نظام الفصائل الخاص بالحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي غالباً ما يجعل الأمر غير قابل للحُكم. السلطة هي في يد رئيس الوزراء وحكومته، ومن بين عناصرها يوشيهايد سوجا، كبير أمناء مجلس الوزراء الفعّال بشكل مخيف.

الوتيرة البطيئة نوعاً ما للإصلاح تعكس هذه الدروس من فترة ولاية آبي الأولى المشؤومة. إنها لمفارقة لحكومته: التغييرات ذاتها – التركيز الاقتصادي – التي جعلت آبي قوياً بما فيه الكفاية للتحرّك بقوة جعلته أيضاً حذراً بشأن التقدّم كثيراً على الشعب، أو الحزب الديمقراطي الليبرالي، وبالتالي المخاطرة بقبضته على السلطة.

الخطر هو أن آبي سيتحرك ببطء يفوق الحد، من خلال تفويت الفرصة في وقت يطبق فيه بنك اليابان برنامج التسهيل الكمي، وكذلك في وقت تشهد فيه شعبيته ارتفاعا وجيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية لا يزال بصحة جيدة.

إنجازاته الكبيرة في عامي 2013 و2014 كانت في السهم النقدي وسهم المالية العامة. لكنه حقق بالفعل بعض التقدّم فيما يتعلق بحوكمة الشركات، واتفاق التجارة للشراكة عبر المحيط الهادي، الذي يصفه آبي الآن بأنه “يدخل المرحلة النهائية”.

ومنذ إعادة انتخابه في كانون الأول (ديسمبر)، حقق رئيس الوزراء فوزا مهما تمثل في اتفاق للإصلاح الزراعي. يقول “في الدورة الحالية للمجلس التشريعي سنقدم مشروع قانون لإصلاح الجمعيات التعاونية الزراعية، وهو مجال لم يكُن أحد قادراً على المساس به على مدى الأعوام الـ 60 الماضية”.

الجانب الرمزي في مواجهة آبي للزراع له أهمية خاصة، لأن الزراع يشكلون منذ وقت بعيد قوة حاسمة تقف وراء الحزب الديمقراطي الليبرالي. وإضعاف مجموعة الضغط الزراعية يمكن أيضاً أن يمهد الطريق لإجراء الإصلاحات في المستقبل.

التغييرات التي تحتاجها اليابان أكثر هي في سوق العمل ونظام الضمان الاجتماعي. في سوق العمل لتعزيز نطاق وإنتاجية القوة العاملة المتقلّصة، وفي نظام الضمان الاجتماعي لكبح جماح التكاليف مع تقدّم السكان في السن. وفي هذين المجالين كان التقدّم أكثر تدرجا.

سوق العمل

يتحدث آبي بفخر عن إدخال “800 ألف امرأة إضافية” إلى سوق العمل في العامين الماضيين، وزيادة عدد النساء في المناصب الإدارية، وإن كان من قاعدة منخفضة جداً. مع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان هذا الارتفاع ناجماً عن إصلاحات آبي، أو يعكس سوق الوظائف الأكثر إحكاماً التي جلبها التحفيز النقدي.

هذا السهم النقدي لا يزال الجزء الأكثر فاعلية من برنامج آبي الاقتصادي. فقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع معدل التضخم إلى 0.2 في المائة في الوقت الراهن. لكن الإنفاق الاستهلاكي يمكن أن ينتعش في النهاية، على اعتبار أن اقتران النفط الرخيص والأجور الأعلى يجلب فوائد التحفيز إلى الأُسر العادية للمرة الأولى، والآثار المترتبة على زيادة ضريبة الاستهلاك العام الماضي تتلاشى.

قرار آبي تأجيل زيادة ضريبة الاستهلاك الثانية ساعد هذه التوقعات قصيرة الأجل، لكنه جعل إصراره على أن اليابان “على الطريق الصحيح بحزم” لتحقيق فائض ميزانية أساسي بحلول عام 2020 أقل إقناعا ويُظهر الحاجة إلى “الخطط الملموسة” التي وعد بها بحلول فصل الصيف.

عدم وجود تلك الخطط هو أحد الأسباب لبقاء الشركات في اليابان في وضع متردد بشأن برنامج آبي الاقتصادي، على الرغم من الزيادة التنافسية الهائلة من الين الضعيف. الشعور بأنه لا يزال على آبي معالجة الموارد المالية العامة، أو تقديم مسار للنمو في المستقبل، يجعل التنفيذيين يحجمون عن الاستثمار في البلاد.

يقول هيرواكي ناكانيشي، الرئيس التنفيذي لشركة هيتاشي “ليس لدينا أي اهتمام لنصبح الرقم واحد في اليابان. كيف يمكن أن نبني مركزا عالميا؟ هذا هو اهتمامنا الأكبر”. كذلك توموكو نامبا، مؤسس شركة ألعاب الهاتف الخلوي، دينا، يقول “إذا وضعت نفسي في مكان الشركات في اليابان مع هذه الميزانية العمومية، فلن أكون قادراً على النوم. الأمر مخيف جداً”.

في المقابل، هناك أيضاً أصوات من الشركات تدعم سياسته. يقول شونيتشي مياناجا، الرئيس التنفيذي لمجموعة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة “بدون برنامج آبي الاقتصادي، لن تتمكن اليابان من الخروج من التفكير الانكماشي. لقد كان بمثابة صدمة جيدة للمجتمع. لقد شهدت اليابان 20 عاماً بائسة. لكن هذه الأيام الوضع قد تغيّر”.

لاعب عالمي

هناك سؤال منفصل عن الزعيم الياباني: هل يعود آبي شديد المحافظة ويطغى على رئيس الوزراء العملي؟ من الواضح أن آبي يعتقد أن الانتعاش الاقتصادي هو الطريق السياسية والعملية إلى يابان قوية، لكنه لا يزال الرجل الذي أغضب الدول المجاورة لليابان من خلال زيارة ضريح ياسوكوني المُثير للجدل في عام 2013، الذي يُنفق الوقت والجهد على القوانين التي تحكم استخدام القوات العسكرية اليابانية في الخارج.

وفقاً لأشخاص يعرفونه، آبي يملك أفضل كاريزما شخصية مقارنة بزملائه “الرجال الأقوياء” في السياسة العالمية، مثل رجب طيب أردوغان في تركيا، وناريندرا مودي في الهند، وتوني أبوت في أستراليا، وبنيامين نتنياهو في إسرائيل. وهذا يجعله حليفاً مُحبِطاً في بعض الأحيان بالنسبة للولايات المتحدة، التي مع ذلك ترحب بجهود آبي لإنعاش اقتصاد اليابان والدفاع الوطني، لجعلها ثِقلا موازِنا أفضل في وجه الصين.

عند سؤاله عن الدولة المجاورة القريبة من اليابان، يبحث آبي في ملاحظاته ويتحدث بعناية. في تشرين الثاني (نوفمبر)، التقى تشي جينبينج، رئيس الصين، للمرة الأولى منذ توليه السلطة في عام 2012. في حين إن المصافحة بدت على مضض، إلا أنها عملت على تهدئة العلاقات الثنائية بين البلدين، التي وصلت إلى أسوأ حالاتها منذ أعوام مع تعزيز الصين مطالبها الإقليمية في بحر الصين الشرقي.

يقوم آبي بتشكيل أفكاره الآن باعتبارها ذات تأثير قوي حذر، ويقول “إن العلاقات تحسّنت”، مُشيراً إلى التقدّم فيما يتعلق بآلية لإدارة الأزمات في البحر. وهذا من شأنه الحدّ من فرص حدوث مواجهة عرضية حول جزر سينكاكو التي تُسيطر عليها اليابان، التي تطلق عليها الصين اسم دياويو. يقول آبي “في الأساس اقترحت هذا عندما كنت رئيساً للورزاء في عام 2007. في وقت لاحق كان هناك خمسة رؤساء وزراء يابانيين، لكن الصين لم تنفذ الآلية”.

أشباح الماضي

لكن آبي يوضّح أيضاً أن مخاوفه المستمرة منذ فترة طويلة بشأن الصين، التي تفوّقت على اليابان من الناحية الاقتصادية، فضلاً عن القوة العسكرية خلال العقد الماضي، لم تختف.

يقول “إذا نظرت إلى الصين من وجهة نظر عسكرية، فإن إنفاقهم على الدفاع الوطني ظل في ازدياد على مدى 27 عاماً على التوالي بمعدل مكون من خانتين تقريباً كل عام، والآن ميزانية الدفاع في الصين هي أكبر من ميزانية الدفاع في اليابان بـ 3.6 مرة”.

وظلت طوكيو تستثمر الأموال والجهود في جميع أنحاء المنطقة للحد من النفوذ الصيني. ويقول آبي “إنه يريد العمل مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا كي تلعب الصين دورا بنّاء في الوفاء بمسؤولياتها الدولية”.

وهذا الصيف ربما يعكس آبي في لحظة جميع ما حققه من تقدم مع الصين، عندما يصدر بيانا في الذكرى الـ 70 لانتهاء الحرب العالمية الثانية. وسمعته باعتباره يمينيا، وتصريحاته الملتبسة في الماضي عن تعريف “العدوان”، جعلا كثيرا من الناس يتساءلون ما إذا كان سيبدد الاعتذارات الماضية. هذا من شأنه أن يتسبب في إغضاب الدول المجاروة لليابان ويثير استياء في الولايات المتحدة.

ويصرّ رئيس الوزراء على أن ذلك ليس هو الخطة. ويقول “إن مجلس وزراء آبي يتمسك بالموقف الذي حددته الإدارة الماضية في مجمله، على الرغم من أن هذه المعادلة تكشف قليلاً عما قد يقوله آبي نفسه”.

ويُعبّر آبي عن رغبة في بيان يتطلع إلى الأمام، بيان يعكس الأعوام الـ 70 الماضية في اليابان بوصفها دولة ديمقراطية ليبرالية، ويستعد من أجل “الذكرى الـ 80 والذكرى الـ 90 والذكرى المئوية”.

إذن، هل يستطيع تصريح آبي إحداث فرق إيجابي، ودفن بعض أشباح الماضي – أم أن هناك كثيرا من الناس في كوريا، والصين، واليابان لا تهتم بترك تلك الأشباح بسلام؟

يقول آبي “لا يمكننا محو الأحداث التي وقعت في الماضي. لكن ما يمكننا القيام به، في الوقت نفسه، هو التعلّم منها”. ويُشير إلى أن شرقي آسيا كان قادرا على التطوّر بعد الحرب بسبب العلاقات الإيجابية التي أقامتها اليابان مع كوريا والصين. ويُضيف “هذه حقيقة مهمة”.

لهجته المتفائلة بلا هوادة تُميّز الفرق بين آبي في فترة ولايته الثانية وبين رؤساء الوزراء الآخرين في اليابان في الآونة الأخيرة. مهما كانت الشكوك التي قد تبقى بشأن الرجل وبرنامجه، فقد روّج رؤية إيجابية للشعب الياباني عن مستقبله والآن يملك عديدا من الأعوام لتحقيقها.

في عام 2020 تستضيف اليابان دروة الألعاب الأولمبية، وآبي يصف آماله من أجل بلاد أكثر انفتاحاً على نفسها وعلى العالم على حد سواء. ويتحدث عن فرص عمل للنساء، وكبار السن، وأصحاب الاحتياجات الخاصة ويتعهد بجعل اليابان “البلاد الأكثر ملاءمة للأعمال في العالم في نظر الشركات الأجنبية”.

لكن لن يكون أيّ من هذا تقريباً ممكناً إذا كانت مهمته الأساسية، لإنعاش ثالث أكبر اقتصاد في العالم، فاشلة. يقول في عام 2020 “لن تكون اليابان عبئا اقتصادياً. هذا سيكون شيئاً من الماضي”. التجربة تجري على قدم وساق. وسيتم الحُكم على الرجل بناءً على برنامجه الاقتصادي.