IMLebanon

الأزمة الاقتصادية تدفع بشباب إسبانيا للبحث عن فرصة عمل في المغرب

spain-unemployment1

لا يفصل بين إسبانيا والمغرب، أوروبا وأفريقيا سوى مضيق مجرى مائي صغير لا يزيد عرضه عن 14 كيلومترا. جرت العادة أن يقطعه سكان الجنوب الفقراء سعيا لفرصة أو ضربة حظ تغير مصير حياتهم، أما الآن وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي ضربت إسبانيا منذ عام 2008 وأدت لتجاوز معدلات البطالة في البلد الأوروبي الـ25%، بدأت الهجرة تأخذ اتجاها معاكسا من الشمال نحو الجنوب. وحسب تقرير اخير صادر عن وكالة الأنباء الالمانية (د ب أ ) فان الإحصائيات في أواخر 2014 تشير الى أن واحدا من كل أربعة إسبان في سن العمل قرروا الرحيل لتجربة حظهم في الحصول على فرصة عمل في المغرب: البعض يصدرون منتجات رخيصة الثمن والبعض يعملون في مراكز اتصال “Call centers” أو في أعمال المقاولات. قد يعيش البعض منهم متنقلين بين القارتين بينما قرر البعض الآخر الهجرة نهائيا من القارة العجوز.

وفقا لإحصائيات وزارة العمل المغربية، يقيم في الوقت الراهن أكثر من عشرة آلاف مواطن إسباني في المغرب بصورة رسمية، بينما يعمل خمسة آلاف آخرين بصورة غير قانونية، حيث يعتبرونها “الدورادو” أو الفردوس المفقود في قارة أفريقيا. توضح الوزارة أن العمال الإسبان الذين لا ينجحون في الحصول على تصريح عمل، يرحلون إلى بلادهم ولكنهم يعودون مرة أخرى وينضمون إلى العمالة غير الرسمية.

من ناحية أخرى، وحسب الوكالة الالمانية فان هناك نوع آخر من المهاجرين الإسبان بات يتوجه إلى مدينة طنجة الساحلية بحثا عن بضائع ومنتجات رخيصة الثمن ليشتروها بغرض الإتجار فيها في بلادهم. يقول زوجان من غرناطة “اعتدنا السفر إلى طنجة مرتين في الشهر بحثا عن بضائع للإتجار بها في إسبانيا. نشتري ثيابا ومفروشات منزلية رخيصة الثمن في المغرب ثم نبيعها في إسبانيا. هذه التجارة لا تجعل منا مليونيرات، ولكنها تمكننا على الأقل من مواصلة دفع الفواتير”.

تعتبر معدلات البطالة في إسبانيا في الوقت الراهن الأعلى بين غالبية دول أوروبا الغربية، حيث تقدر النسبة بـ24%، لذا وبالرغم من انخفاض الأجور في سوق العمل المغربي، إلا أنه أصبح بديلا متوافرا بالنسبة للكثير من الإسبان العاطلين عن العمل، يتعين عليهم التعامل معه بمنتهى الجدية.

هناك عنصر إيجابي في الأمر، يتمثل في العلاقات السياسية الطيبة بين المغرب وإسبانيا. بينما تمر العلاقات بين المغرب وفرنسا بفترات صعود وهبوط منذ عدة شهور لأسباب متنوعة، من بينها أن المغاربة يتهمون الفرنسيين بأنهم أكثر ميلا نحو الجزائريين، على الصعيد السياسي، تعتبر المغرب أن إسبانيا هي صديقها الوحيد في أوروبا، وهي نغمة أخذت تتردد بقوة في الصحافة الإسبانية في الآونة الأخيرة. كما أن الميزان التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين يشهد طفرة قوية في الوقت الحالي.

من ناحية أخرى، يحتاج البلد الأفريقي أيدي عاملة مهرة ومدربة من أجل مشروعاته الكبرى الطموحة مثل خط القطار فائق السرعة، تشييد الطرق السريعة، ومشاريع المنتجعات والقرى السياحية المتطورة، فضلا عن أعمال المقاولات التي يبرع فيها العمال الإسبان من بناء لنقاشة ودهانات وأعمال حدادة ونجارة.

يقول المواطن الإسباني مارتين سييرا ويعمل في طنجة إن “أبنائي يعيشون في إسبانيا، لهذا أسافر لزيارتهم مرة كل شهر”. يعمل مارتين في موقعي بناء مختلفين، وبالرغم من أنه يكسب أقل مما كان يحصل عليه في إسبانيا، يقول “ليس أمامي خيار آخر. لا يوجد عمل في بلادي ومكاني بين صفوف العاطلين التي لا تنتهي”.

يعتبر الوصول إلى المغرب يسيرا بالنسبة للعاملين الإسبان، فمن ناحية لا يحتاجون تأشيرة دخول، ومن ناحية أخرى لا تتجاوز تكلفة الرحلة بالعبارة أكثر من 50 يورو.

وعلى عكس سييرا الذي يعيش بين قارتين، قرر سلفادور مارتينيث الاستقرار بصورة نهائية في المغرب وعدم العودة إلى إسبانيا مرة أخرى. افتتح مارتينيث ورشة أعمال حدادة في تطوان، 60 كيلومترا شرق طنجة، حيث يحصل على مقاولات لحسابه بشكل مستقل. يحرص على استقبال عملائه مرتدا الزي المغربي التقليدي. يعتبر رجل الأعمال الشهير الحاج عيسى أحد أهم زبائنه والذي يقول “ألجا دائما لسلفادور، لأنه يتقن عمله، ولأنه إسباني أيضا، وأود أن أثبت له أننا بلد يحسن معاملة العمال المهاجرين”.

جدير بالذكر أن الإسبان الذين يعملون في المغرب لا توجد لديهم مشكلة في التفاهم مع السكان، خاصة في شمال البلاد، والذي كان يقع في الماضي تحت الاحتلال الإسباني، وهو ما تسبب في انتشار اللغة الإسبانية بين الكثير من السكان وهذه الظاهرة لا تزال باقية حتى الآن.

وتشير الوكالة الالمانية فى تقريرها الى ا الحكومة المغربية قد تبنت موقفا إيجابيا تجاه العمال الوافدة من إسبانيا، وبدأت بالفعل منذ عام تقنين أوضاع المهاجرين الإسبان، على اعتبار أن هذا الوضع سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد الوطني، وفقا لتوقعات وزارتي الاقتصاد والعمل المغربيتين اللتان اعتبرتا هذا الوضع حلا لجوانب سلبية كثيرة في سوق العمل المغربي أكثر منه سببا لأزمة.