IMLebanon

الفقر في لبنان: يأكل من لا يأكلون

PovertyLebanon
عصام شلهوب
المحاولات الهادفة إلى تقدير عدد من يعيشون دون مستوى الفقر كثيرة.وقد اختلفت نتائجها على صعيد الأرقام لكنها اتفقت كلها على وجود فجوة واسعة بين دخل المواطن في لبنان وإنفاقه.
المسألة الحسابية بسيطة وفحواها: كيفية العيش براتب 868 ألف ليرة كحد أدنى لعائلة متوسطة مؤلفة من 5 أشخاص بينما المبلغ المطلوب حسب رأي الاتحاد العمالي العام هو مليون و600 ألف ليرة على أقل تقدير…
وإذ قدّرت بعض مؤسسات الأبحاث والدراسات كلفة الإنفاق الغذائي الضروري للأسرة المتوسطة بـ607 دولارات في المدن و400 دولار في الريف وإن تفاوتت بين بيروت والمدن الأخرى، فإنها حددت خط الفقر المطلق لهذه الأسرة بـ900 دولار في المدينة و600 دولار في الريف.
الاستنتاج الواضح من هذه الأرقام (دقيقة أو غير دقيقة) أن ما يتقاضاه معظم المواطنين اللبنانيين ولا سيما العمال والاجراء يعجز عن سد حتى احتياجاتهم الغذائية الضرورية.
وتبين دراسة احصائية أعدها الاحصاء المركزي سابقاً أن معظم الأسر اللبنانية تنفق أكثر من دخلها. 38.3٪ من الأسر تستدين لتأمين حاجاتها المعيشية، و8.9٪ استدانت لدفع الاقساط المدرسية، و6.1٪ لدفع أكلاف الاستشفاء، و7.6٪ لشراء سكن، و16.8٪ فقط نسبة الأسر التي اعتبرت أن دخلها كاف وغالبيتها تعتقد أن دخلها لا يكفي لتأمين حاجاتها الضرورية.
هذه الارقام يبدو أنها لا تزال صالحة حتى هذه الأيام، وأن الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها الناس لا ترافقها حلول ناجعة بدليل:
1- استفحال الغلاء بوتيرة متصاعدة وواضحة. وتظهر الدراسة الأخيرة للاتحاد العمالي العام أن زيادة الأجور ينبغي أن تكون بنسبة 90.8٪ كي تستعيد الاجور مستوياتها الفعلية، ومع ذلك فإن آخر زيادة للأجور لم تتجاوز 20٪ وهي لم تكن كافية البتة.
2- توقف عمل لجنة مؤشر الغلاء المشتركة (اجتمعت مرتين ولم تلامس موضوع الأجور). وهذه اللجنة تتألف من أصحاب العمل، الاتحاد العمالي العام، ممثلين عن وزارة الاقتصاد والإحصاء المركزي ووزارة العمل). وهذه اللجنة كانت تعتبر في الماضي جزءاً أساسياً من السياسة الاجتماعية في لبنان، وأبرز مهمات هذه اللجنة: بحث قضايا الاجور في لبنان وإمكان إقرار زيادات جديدة… الأمل متعلق باجتماعاتها المقبلة إذا حصلت!!
القوة الشرائية للأجور
خسرت الأجور في السنوات الأربع الماضية أكثر من 60٪ من قدرتها بحسب دراسة الاتحاد العمالي العام، مما ادى إلى تقلص الطبقة الوسطى وانتشار الفقر على نطاق واسع لدى الطبقات العاملة على مختلف فئاتها عامة، خصوصاً وأنها تشكل 63٪ من اللبنانيين، مما خلق فجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق وتراجع مستوى عيش اللبنانيين.
ولم يتمكن الأجر من مساعدة المواطن على مواجهة غلاء المعيشة، إذ كلما كان حديث عن رفع الضرائب المباشرة أو غير المباشرة وخصوصاً ضريبة الدخل وضرائب الكهرباء والمياه وضريبة القيمة المضافة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب وهي لم تقر ولن تقر قريباً، يعمد أصحاب العمل إلى رفع أسعار مختلف السلع، وكذلك ترتفع الاقساط المدرسية والصحة والطبابة والسكن وغيرها.
«ما راح تنزل»
وعبارة «ما راح تنزل» كانت الجواب الوحيد عند المواطنين على إمكان خفض اسعار السلع بعد انخفاض اسعار المحروقات ووصولها إلى 20 ألف ليرة للصفيحة الواحدة، لأنه «كل شيء بيطلع بلبنان ما بيعود ينزل…» منذ أيام ارتفاع سعر الدولار الذي رفع معه كل الاسعار وهي حتى اليوم تستمر في الارتفاع…!!
وتأكيداً على هذا الواقع نفذت حملة «بكفي غلا أسعار بدنا نعيش»، اعتصاماً في ساحة رياض الصلح، حمل المشاركون خلاله شعارات ضد استمرار الغلاء، على الرغم من انخفاض اسعار المحروقات.
وألقيت كلمات لكل من أحمد شاويش، الشيخ أياد عبدالله والأب عبدو رعد، أكدت على «رفع الصوت عالياً وضرورة تكاتف المواطنين في وجه الغلاء والمطالبة بالحماية الاجتماعية، والعدالة لأن الشعب اللبناني لا يستحق الذل والفقر».
كما طالب المتحدثون بعدم استغلال الاوضاع الامنية وخطر الارهاب وضرورة الاستقرار، حجة للقبول بالتدهور المعيشي.
زيادة الفقراء
كانت الحكومة اللبنانية قد بدأت العمل قبل اندلاع الازمة في سوريا عام 2011 على تبني مقاربة اجتماعية استراتيجية مترابطة لمواجهة الازمات المحدقة بشبكة الحماية التي تقدمها وزيادة فعاليتها على المستويات كافة. فالمحاكاة في استخدام المصارفات الأسرية تظهر أن نسبة الفقر المتوقعة للفترة الزمنية الممتدة بين عامي 2012 و2014 كانت مرشحة للانخفاض لولا اندلاع الازمة السورية ومما استجد عنها من موجات نزوح تركت تأثيراتها البالغة على المستوى اللبناني المحلي وتحديداً على مستوى الفقر.
ومع تدفق النازحين وتزايد أعدادهم لتقارب أعدادهم مليون و200 ألف نازح، توقع البنك الدولي أن يتزايد عدد الأسر اللبنانية التي تعاني من الاوضاع الصعبة نهاية عام 2014 ليصل إلى 170 ألف مواطن على أقل تقدير إضافة إلى مليون لبناني يعانون أساساً الفقر والتهميش.
وقد لا تبدو الأمور مستغربة خصوصاً وأن الفقر في بعض المدن اللبنانية سبّب اضطرابات أمنية ودفع بالبعض إلى حمل السلاح واستعماله داخل أحياء مدينتهم.
عتبات الفقر
ويعدد الدكتور غسان شلوق عميد كلية الاقتصاد في الجامعة اللبنانية ثلاث عتبات للفقر في لبنان. عتبة الفقر المدقع وتتمثل بمبلغ ما دون 750 ألف ليرة وهي تغطي الاحتياجات الملحة فقط. عتبة الفقر تقارب مليون و500 الف ليرة. عتبة الاكتفاء وهي تقارب المليوني ليرة.
هذا الواقع أرغم معظم أفراد العائلة على العمل… هذه الفجوة بين الدخل والإنفاق تشير إلى تراجع حقيقي في مستوى عيش اللبنانيين، مردّه فقر يزداد انتشاره عاماً بعد عام، ولعلّ القصور في مستوى الخدمات الاساسية إلى المواطن اللبناني هو ابرز سمات عدم تقاضي أجر معقول. ويأتي في رأس هذه الاولويات العناية الصحية، التعليم، النقل والسكن.
الظواهر السلبية
بالإضافة إلى كل هذه الانعكاسات السلبية التي ترتبها الاجور المنخفضة، ثمة ظواهر أخرى سلبية أبرزها: الركود الاقتصادي، السرقات، تفشي الرشوة. ولعلّ الظاهرة الفاقعة في النسيج الوطني هي الانتخاب العشوائي نيابياً وبلدياً لأشخاص معظمهم تجار يفقرون الناس عمداً… على ما يقوله المواطن بشكل عام.
مرحلة الجوع
يؤكد الدكتور لويس حبيقة في إحدى دراساته أن جزءاً من الشعب اللبناني قارب عتبة الفقر، وانهارت أو تكاد الطبقة الوسطى التي تعتبر صمام الأمان للمجتمعات، لكننا لم نصل إلى مرحلة الجوع، بحيث لا يوجد في لبنان رواتب بنحو 40 دولاراً في الشهر، إذ أن تحويلات اللبنانيين والاستهلاك الذاتي ما زالت تساهم بنسبة من المعيشة، وهذا ما يجعلنا قادرين على الصمود.
ويلفت الدكتور حبيقة إلى أن حل مشكلة الاجور في لبنان تكمن في السماح للاقتصاد اللبناني بالنمو لأنه لا يمكن إعطاء كل ذي حق حقه في ظل النمو الضعيف الحالي… لذا يجب تكبير حجم الاقتصاد لإراحة كل الاطراف بما فيها القطاع العام، ورفع الانتاجية الاقتصادية، وترك تصحيح الاجور للعلاقات الحوارية بين أطراف الانتاج (هذا لن يحدث في لبنان لأسباب عديدة…).
إلا أن الطرح العام لحل مشكلة الأجور، على ما يقوله الدكتور حبيقة، يأتي ضمن إجراءات تتخذ على المدى القصير والمتوسط والطويل، تتضمن أجورا جديدة، وإعادة النظر في أنظمة الرعاية والخدمات الصحية في لبنان بغية توسيع رقعة شمولها… وتعميم النقل العام على كل المناطق والقرى وليس حصره في مدينة بيروت وضواحيها.