IMLebanon

لبنان يدفع مُجدّداً ضريبة الحرب السوريّة!

port

يتشارك لبنان مع سوريا بحدود واسعة يبلغ طولها نحو 370 كيلومتراً، تضمّ خمسة معابر شرعيّة رئيسة، إضافة إلى معابر غير شرعيّة في مناطق جبليّة وعرة. وبما أنّ كلاً من الجيشين اللبناني والسوري مُسيطر على كامل المعابر الحدوديّة الشرعيّة، كل من جانب دولته، فإنّ لا مُشكلة في انطلاق الشاحنات اللبنانيّة والعربيّة من لبنان وصولاً إلى سوريا لنقل البضائع. لكن المُشكلة تكمن عند الوصول إلى سوريا التي ترتبط حدودياً مع الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة ومع مزارع شبعا بحدود بطول يبلغ نحو 75 كيلومتراً، وهي مُقفلة بطبيعة الحال.

وبالتالي يبقى أمام الشاحنات التي تعبر إلى سوريا خيار من ثلاثة، إمّا متابعة طريقها إلى تركيا أو إلى الأردن أو إلى العراق. والعبور إلى تركيا التي تتشارك مع سوريا حدوداً شاسعة بطول يبلغ نحو 850 كيلومتراً، لا يُوصل إلى أي مكان حيث أنّ الأراضي التركية مُحاطة بالمياه أو بدول غير مُهمّة نسبياً على مستوى التبادل التجاري مع لبنان أو يُمكن الوصول إليها بحراً بكلفة أقلّ من النقل البرّي، مثل أرمينيا وجورجيا وبلغاريا وإيران، مع الإشارة إلى أنّ معبر القامشلي ـ نصيبين الذي هو بيد الجيش السوري مُقفل عمداً من الجانب التركي، ومعبر كسب في محافظة اللاذقية بيد النظام أيضاً ولكنّه يتعرّض لهجمات دوريّة.

وغياب الأهمية الإستراتيجيّة للمعابر السورية ـ التركية بالنسبة إلى صادرات لبنان، ينطبق على العراق، علماً أنّ السيطرة على المعابر الشرعيّة الرئيسة بين سوريا والعراق مُوزّعة بين كل من الأكراد و”جبهة النصرة” وتنظيم “داعش”، مع الإشارة إلى أنّ طول الحدود السوريّة ـ العراقية يبلغ أكثر من 600 كيلومتر.

وبالنسبة إلى المعابر الحدوديّة بين سوريا والأردن اللذين يتشاركان حدوداً بطول 375 كيلومتراً، فأحدها في درعا من الجانب السوري، وهو معبر الجمرك القديم ـ الرمثا، وهو تحت سيطرة مُعارضي النظام السوري منذ تشرين الأوّل من العام 2013. وبعد سيطرة هؤلاء على المعبر الثاني الرئيس مع الأردن، أيّ على معبر نصيب ـ جابر منذ نحو أسبوع، باتت ممرّات التصدير التجاري الاستراتيجيّ بين لبنان والسعوديّة، ومنها إلى مختلف دول الخليج، مُقفلة أمام الصادرات اللبنانيّة.

ولفتت أوساط اقتصاديّة لصحيفة “الديار” إلى أنّ لبنان هو المُتضرّر الأكبر من هذا التحوّل الميداني بشكل يفوق خسائر أيّ طرف آخر، بما فيه سوريا. فخط التصدير من مرفأ بيروت مروراً بدمشق وصولاً إلى السعوديّة والخليج، عبر الحدود الأردنيّة، انقطع بين سوريا والأردن، حيث صار بتصرّف ميليشيات مُسلّحة غير مُنظّمة ولا مُوحّدة القيادة، تفرض الخوّات، وتتصرّف بمزاجيّة لجهة السماح بالمرور أو عدمه، وتُحقّق مع السائقين وتتعرّض لبعضهم، علماً أنّ الجانب الأردني صار بدوره أكثر تشدّداً أكثر من أيّ وقت مضى حفاظاً على أمنه. وأضافت أنّ هذا الأمر سيدفع بمختلف التجّار، خاصة الذين يستخدمون لبنان كمحطّة “ترانزيت” للبحث عن خيارات بديلة، تحفظ أمن شاحناتهم وبضائعهم وحياة سائقيهم، وبالتالي أموالهم.

وأشارت الأوساط الاقتصاديّة نفسها إلى أنّ الخيارات البديلة بالنسبة إلى التجّار اللبنانيّين أو الذين يستخدمون الأراضي اللبنانية لنقل بضائعهم إلى سوريا ثم إلى الأردن ومنها إلى السعودية والخليج، محصورة بالنقل البحري، علماً أنّ هذا الخيار يُكلّف نحو 3000 دولار أميركي للشحنة الواحدة، ويُؤخّر وصول البضائع إلى وُجهاتها، ويقضي على أرزاق مئات العائلات اللبنانيّة وغيرها من سائقي الشاحنات ومالكيها.

وبالنسبة إلى الحلول الممُكنة، أوضحت مصادر سياسيّة مُطلعة أنّ الحلّ ليس لبنانياً، حيث أنّ المُشكلة سورية في الأساس، ولبنان يدفع ضريبتها، مشيرة إلى أنّ استعادة السيطرة على معبر “نصيب” الحدودي غير كافية، حيث المطلوب تأمين المنطقة الجغرافيّة المحيطة به بكاملها، وتأمين الخط السريع الجنوبي في سوريا بكامله أيضاً.

ولفتت إلى أنّ لبنان ينتظر ما ستؤول إليه التطوّرات المَيدانية في الجنوب السوري في الأيّام القليلة المقبلة ليبني على الشيء مُقتضاه، خاصة في ظلّ حديث عن احتمال إيجاد طرقات بديلة شرط موافقة السلطات المعنيّة في الأردن على ذلك. وفي الانتظار، يدرس لبنان الرسمي الخيارات الرديفة المتاحة، وفي طليعتها خيار النقل البحري، لأنّه في حال طالت الأزمة، فإنّ الأضرار الاقتصاديّة لن تقتصر على الصادرات الزراعيّة اللبنانيّة إلى الخليج، بل ستشمل خسائر مالية جسيمة كانت تتحقّق بفعل الضرائب والرسوم على مختلف الصادرات التجاريّة البرّية من لبنان إلى العالم العربي الواسع.

في الختام، إنّ القصّة لا تنحصر في إنقاذ مجموعة من السائقين اللبنانيّين العالقين على المعابر الحدوديّة، أو في استعادة شاحناتهم وبضائعهم، علماً أنّ واجب الدولة هو مُتابعة حياة أفرادها والحفاظ على حياتهم وعلى كراماتهم، بل تتعدّى ذلك إلى إيجاد المخرج المناسب للأزمة الجديدة التي باتت تلوح في الأفق. فإذا كانت أزمة فوضى النازحين واللاجئين السوريّين، ومنافستهم اليد العاملة اللبنانية بشكل عشوائي، قد أخلّت بديموغرافيا لبنان الهشّة أساساً، وأضرّت باقتصاده غير المُستقرّ أصلاً، فإنّ إضافة أزمة وقف تصدير البضائع من لبنان إلى الخارج عن طريق البرّ، ستُشكّل كارثة جديدة لا تقلّ بآثارها السلبيّة ضرراً مقارنة بآثار أزمة النازحين. وما لم يتمّ التحرّك سريعاً لإيجاد البدائل المناسبة وغير المُكلفة، فإنّ لبنان سيدفع مُجدّداً ضريبة الحرب السورية، بشكل قد يفوق طاقته على التحمّل هذه المرّة!