IMLebanon

مرفأ بيروت: رقابة جمركية مسبقة ولاحقة!

TradePort
محمد وهبة
عُقد أمس اجتماع موسّع في وزارة المال لدرس موضوع تكدّس المستوعبات في مرفأ بيروت بسبب الإجراءات الإصلاحية التي تنفّذها وزارة المال وإدارة الجمارك. هذه الإجراءات تستهدف زيادة الرقابة على البضائع الواردة إلى لبنان، لكنها أدّت إلى تراجع نسبة البضائع المصنّفة ضمن مسار «الخطّ الأخضر» من 70% إلى أقل من 7%، وبالتالي باتت غالبية الواردات ضمن مسار «الخطّ الأحمر»، أي خاضعة للرقابة والكشف، ما أدّى إلى أزمة تكدّس المستوعبات الناجمة عن ارتفاع عدد الأيام التي يمضيها المستوعب في أرض المرفأ من 10 أيام إلى أكثر من 30 يوماً وفي بعض الأحيان إلى 60 يوماً. وما يزيد الطين بلّة، أن هناك أكثر من 1000 مستوعب يرفض أصحابها إخراجها و«هذا ما يطرح علامة استفهام» وفق وزير المال علي حسن خليل.

هكذا انفجرت أزمة تكدس المستوعبات في مرفأ بيروت وبدأت أصوات التجار والصناعيين تزداد حدّة وسخطاً على الإجراءات الإصلاحية بسبب تكبّدهم وقتاً إضافياً وأعباء جديدة (رسوم الأرضية التي تدفع لمرفأ بيروت، وهي عبارة عن رسوم ركن المستوعب في حرم المرفأ). وبحسب خليل، فإن هناك «شبكة مصالح حاولت أن تعطي انطباعاً بأن كل الإجراءات هي إجراءات سلبية».
عملياً، بالنسبة للتجار والصناعيين، إن الأعباء الإضافية التي تدفع مثل رسوم استئجار أرض المرفأ وسواها يجري تحميلها للمستهلك عندما يشتري السلعة المستوردة أو المصنعة محلياً، لكن الوقت الإضافي سيرتّب أعباء من نوع آخر على التزامات التجار والصناعيين مع أطراف ثالثة قد تكون خارج لبنان. فهل هناك ما يبرّر هذه الإجراءات؟
في الواقع، إن الإجراءات الجمركية المتّخذة تهدف إلى تعزيز الرقابة على البضائع الواردة إلى لبنان لجهة مطابقتها للمواصفات المنصوص عنها في القوانين المرعية، ولجهة كونها دخلت بصورة شرعية وسُدّد عنها الرسم للخزينة اللبنانية. وهذه الإجراءات أقرّت بعدما بات واضحاً للجميع أن حجم تهريب البضائع على الحدود كبير، ويؤدي إلى دخول سلع مضرّة بالصحة، فيما بعضها دخل خلسة من دون دفع ضريبة للخزينة اللبنانية وهو ينافس سلعاً مصنّعة محلياً.

في هذا الإطار، جاءت إجراءات وزارة المال والمجلس الأعلى للجمارك لتوقف ما يُعرف بـ«مسار الخطّ الأخضر». فالمعايير السابقة المعتمدة في مجال الرقابة كانت تضع أكثر من 70% من البضائع الواردة إلى لبنان على مسار الخطّ الأخضر، أي المسار الذي يتيح إخراج البضائع من مرفأ بيروت من دون أي رقابة فعلية عليها. وبحسب المعطيات المتداولة، فإن المعايير التي كانت معتمدة لمسار الخطّ الأحمر، أي للبضائع التي يجب إخضاعها للتفتيش والرقابة والتأكد من مطابقتها للمواصفات ومن صحّة الكميات، كانت معايير تقليدية وتقادم عليها الزمن وهي متصلة بـ«بلد المصدر» و«الجهات المصدرة أو المستوردة»… ولم يجر تطوير هذه المعايير.
على هذا الأساس، أوعز وزير المال علي حسن خليل، إلى المجلس الأعلى للجمارك بضرورة تفعيل اللجنة المختصة بوضع هذه المعايير وتطويرها من أجل التوصل إلى توازن بين الرقابة المسبقة على المرافق الحدودية، والرقابة اللاحقة في الأسواق على البضائع الواردة.
وتقول مصدر مطلعة إن اللجنة المختصة بتطوير معايير الرقابة عقدت اجتماعات كثيرة خلال الأسابيع الماضية من أجل التوصل إلى توازن بين تسهيل انسياب البضائع العالقة على مرفأ بيروت بسبب زحمة المستوعبات وبطء عمليات الرقابة، وبين أعمال الرقابة المسبقة واللاحقة. وتشير المصادر إلى أن اللجنة توصلت إلى توصيات يبدأ تطبيقها خلال الفترة المقبلة، إلى جانب عدد من الإجراءات التي كشف عنها خليل في الاجتماع الموسّع الذي حضره رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير ورئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل. وقد أوضح خليل بعد اللقاء أنه جرى خلق الخطّ العشوائي الذي استوعب 28% من البيانات الجمركية وهو خفّف بنسبة تتراوح بين 5% و10% من زحمة المستوعبات التي تعود لشركات متخصصة معروفة و«وفق معايير معتمدة في جميع أنحاء العالم».
أما المعايير الجديدة، فهي ستميّز بين الشركات المستوردة الصناعية والتجارية كما ستميز بين أنواع البضائع والمواد المستوردة. فالبضائع الواردة بهدف استخدامها في الصناعة لا تخضع للرسوم الجمركية، وهذا يسمح بإخراجها فوراً من المرفأ وتحويلها إلى الرقابة اللاحقة للتأكد من مطابقتها للمواصفات المنصوص عنها في لبنان.
ومن أبرز الإجراءات الجديدة، أن فترة العمل في الإدارات الرسمية الجمركية ضمن مرفأ بيروت ستمدّد حتى الساعة السادسة من كل يوم على مدى أيام الأسبوع ومن دون أي تعطيل. وسيزاد عدد الكشافين الذين ينفّذون أعمال الرقابة على المستوعبات ضمن مسار الخطّ الأحمر، إلى 24 كشافاً، ما يسهّل عمليات الكشف ويسرّعها. وقد اتفق المجتمعون على عقد اجتماع ثانٍ في 20 نيسان المقبل من أجل الإفساح في المجال أمام هيئات أصحاب العمل لتقديم اقتراحاتهم.
على أي حال، يؤكد وزير المال أن الإجراءات المتخذة «هي أولية تأسيسية لوضع تفاصيل ما يجري على الطاولة تمهيداً لاتخاذ إجراءات جذرية، ربما تعيد النظر في كل أوضاع الجمارك. نحن حريصون ومصرّون على استكمال الدراسة المتعلقة بهذا الموضوع وربما يحتاج الأمر إلى بعض الوقت، لكن لبنان يجب أن يشهد تبدلاً حقيقياً في عملية إدارة المرافئ والحدود والجمارك، ومن اليوم إلى حينه اتخذنا الإجراءات التي اطلع عليها الجميع لجهة التفتيش وإحالة البضائع إلى الخط الأحمر».