IMLebanon

هل تنجح الصين في تطبيق شعار “التطبيع الجديد”؟

ChinaIndustry
مارتن وولف
آخر الشعارات التي يرددها الصينيون في دوائر القرار العليا “التطبيع الجديد” . والصينيون على ما يبدو شعب مولع بالشعارات، لكن ما هو مفهوم التطبيع الجديد؟ إنها فكرة تعكس تغير مكونات الاقتصاد الرئيسية في ظل الطفرة التي شهدتها اقتصادات العالم الرئيسية والتي نتجت عنها شرائح خيالية من مستويات الدخل لدى النخبة .
ويركز قادة الصين على ضرورة استمرار زخم النمو الاقتصادي الصيني بكل السبل .لكن نمط النمو الذي ساد مؤخراً والقائم على تحقيق معدلات ناتج إجمالي مرتفعة واستهلاك غير منضبط للطاقة والاعتماد المفرط على الطلب الخارجي، لم يعد قابلا للاستمرار . ويعتقد هؤلاء أن فرصاً استراتيجية واعدة لا تزال تنتظر اقتصاد بلادهم ما يعزز ثقتهم بالمستقبل .
لكن حظوظ نجاح الرهان على الثقة بالمستقبل تعادل حظوظ فشله . أما الجانب المساند لفرص النجاح، فله مبرران أحدهما ما تحقق من نجاح حتى الآن . فقد ارتفع نصيب الفرد الصيني من الناتج الإجمالي المحلي من 2% من ما يحصل عليه الفرد الأمريكي عام 1980 إلى 24% عام 2014 حسب تقارير صندوق النقد الدولي .ولبلد أسطوري مثل الصين لا شك أن هذا رقم أسطوري . وأياً كان حكمنا على السياسات الصينية لا بد لنا من الإقرار بأن وراء هذا النجاح كفاءة وقدرات عالية أسهمت في تغيير خريطة الاقتصاد العالمي وهي في طريقها إلى تغيير الخريطة سياسياً .
أما مبرر النجاح الآخر فهو ان الصين بلد يملك طاقات وإمكانات هائلة .فالشعب الصيني شعب جاد يحب العمل وذهنيته متفتحة وميالة لاكتساب المعارف، ناهيك عن حبه للمغامرة . وتبلغ نسبة مدخراته إلى الناتج الإجمالي 50% ورغم معدلات الاستثمار العالية تعد الصين من كبار المقترضين في العالم .
أضف إلى ذلك أن معدلات إنتاجية الشعب الصيني لا تزال أدنى من غيرها من الدول ذات مستويات الدخل المرتفعة . ونظراً لارتفاع نسبة سكان الأرياف إلى سكان المدن، لا تزال الهجرة إلى المدينة تشكل مصدراً قوياً للفرص خاصة في حال إصلاح نظام تسجيل الأسر .
وممّا يعزز آفاق الفرص أيضاً السياسات الاقتصادية غير البناءة . فالعائد على الاستثمار منخفض بسبب حجم الدعم الحكومي المرتفع . كما أن نسب مساهمات عناصر الإنتاج الرئيسية في تحقيق النمو تتراجع . ولا بد من أن تؤدي خطط توسيع دائرة نشاط قوى السوق، وتطوير الأطر القانونية والنظام القضائي ورفع نسب استهلاك الأسر والشركات، إلى استمرار الحاجة لمزيد من النمو على مدى عقدين من الزمن، وإن كان بمعدلات لا تصل إلى معدلات السنوات الماضية .
في ضوء هذه المعطيات ما الذي يستدعي الشك في قدرة الصين على النمو السريع لسنوات؟
السبب الأول هو أن النمو السريع ينطوي على مخاطر ذاتية فهو أشبه بركوب الدراجة . فكلما زادت سرعتها استقرت عجلاتها على الأرض وما أن تتهادى حتى تبدأ التأرجح . ولهذا فإن إدارة تباطؤ النمو هي الأصعب . والسبب الثاني وهو الأهم، هو أن الاقتصاد الصيني يمتاز بانعدام التوازن ما يجعل ضبط إيقاع تباطؤه أشد تعقيداً .
ومن أبرز عناصر انعدام التوازن حجم المدخرات المرتفع واعتماد الاقتصاد على الاستثمار مصدراً للطلب . لكن عندما يبدأ الاقتصاد في التباطؤ يتراجع الطلب على الاستثمار بوتيرة غير متوازنة .
يضاف إلى ذلك أن معادلة تزامن الديون الكبيرة مع تباطؤ الاقتصاد تترك آثارا مدمرة . وهو بالضبط ما حصل في القطاع العقاري الممول ائتمانياً . وما أن يبدأ تباطؤ الاقتصاد حتى تصبح احتمالات العجز عن خدمة الديون أكبر حتى وإن كانت الاستثمارات رابحة .
ولهذا إذا ما أراد الاقتصاد الصيني بلوغ “التطبيع” المطلوب على أسس مستقرة ومستدامة فلا بد من العمل على تجنب الوقوع في فخ العجز . وهذا لا شك يتطلب إدارة اقتصادية على قدر كبير من الحكمة تستوعب الحاجة إلى زيادة حجم العجز في الموازنة لمصلحة حماية حكومات الأقاليم ذات المديونيات الضخمة من الوقوع في الإفلاس . وقد يكون الحل في أن يتولى البنك المركزي تمويل ذلك العجز بشكل مباشر . وهناك حل آخر هو أن تلجأ الحكومة لتسريع تمويل العجز من أسواق المال بإصدار السندات السيادية .ومع تقدير حجم الدين العام بنسبة 50% فقط من الناتج الإجمالي المحلي حسب بيانات مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن حيز المناورة أمام الحكومة الصينية لا يزال واسعاً .
والمؤكد أن طريقة معالجة مشاكل الاقتصاد الصيني سوف تنعكس على أداء اقتصادات مناطق أخرى خاصة أن تباطؤ الصين دفع أسعار السلع الاستراتيجية هبوطاً ما أضر بالدول المصدرة . وفي حال الهبوط الصيني المفاجئ مع استمرار ارتفاع حجم المدخرات فانفجار فائض الميزان التجاري يصبح محتماً . وهذا بدوره سيفاقم مشكلة الفائض العالمي في السيولة الذي بلغ شفير الهاوية . ولهذا ينبغي على العالم أن يصلي على أمل أن تنجح الصين في إدارة تباطئها لأن الفشل يعني الكارثة .